إحياء الاتفاق النووي الإيراني رهن من يبادر أولا

تتمثل المشكلة الرئيسية في إحياء الاتفاق النووي الإيراني في من يبدأ أولا، حيث تصر إيران على أن ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات قبل استئناف المفاوضات والامتثال للاتفاق، فيما تريد واشنطن العكس.
بروكسل- اتفقت قوى دولية وإيران الجمعة على عقد محادثات الأسبوع المقبل في فيينا لمناقشة الاتفاق النووي، بينما من المقرر أن يجري وسطاء اتصالات منفصلة مع الولايات المتحدة، في خطوة يؤكد مراقبون أنها تعبد الطريق لجلوس طهران إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن في نهاية المطاف.
وناقشت إيران والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، أطراف اتفاق 2015 النووي، الجمعة احتمال عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق وكيفية ضمان تطبيقه على نحو كامل وفعال من كافة الأطراف.
ويقول مسؤولون غربيون إن الولايات المتحدة وإيران لم تتفقا حتى على الاجتماع لمناقشة إحياء الاتفاق، وتتواصلان على نحو غير مباشر عبر دول أوروبية.
ووصف مراقبون قبول إيران بالتفاوض غير المباشر عبر الوسطاء الأوروبيين مع الولايات المتحدة، بأنه يمهد لمحادثات مباشرة رغم التصعيد الإيراني ومحاولة طهران وضع شروط مسبقة قبل أي عملية تفاوض مباشرة.
وذكر تلفزيون (برس.تي.في) الإيراني الذي تديره الدولة نقلا عن مصدر مطلع أن إيران سترفض أي محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة أو أي رفع تدريجي للعقوبات في اجتماع مزمع خلال الأيام القادمة.
وأضاف المصدر “في ضوء التوجيه الثابت من الزعيم (الأعلى) الإيراني فإننا لن نقبل أي نتيجة (للجنة الاتفاق النووي) تستند على فكرة الرفع التدريجي للعقوبات أو مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة”.

نيد برايس: نعتقد أن المفاوضات غير المباشرة مع إيران خطوة مفيدة
وتستبق التصريحات الإيرانية مقترحا من الممكن أن يعرضه الحلفاء الأوروبيون على إيران خلال الاجتماع المزمع عقده معها في فيينا الثلاثاء القادم، يقضي بأن يتخذ فيه الجانبان خطوات صغيرة دون الالتزام الكامل لكسب الوقت.
ويرى محللون أن هذا النهج المعتدل من شأنه أن يبطئ تدهور العلاقات منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق في 2018، ويوقف انتهاكات إيران اللاحقة التي جعلتها تقترب أكثر من مستوى تخصيب اليورانيوم للاستخدام في الأسلحة.
وقد ينطوي هذا الخيار على إتاحة واشنطن امتيازات اقتصادية لطهران قيمتها أقل من تخفيف العقوبات الذي نص عليه اتفاق 2015، مقابل توقف إيران أو ربما تراجعها عن انتهاكاتها للاتفاق.
وقال مصدر مطلع على المراجعة الأميركية لسياسات تجاه الملف النووي إن الأميركيين “يفكرون بشكل حقيقي” في احتمال العودة المباشرة إلى الاتفاق النووي وما أسماه “الأقل مقابل الأقل” كخطوة مؤقتة.
وذكر مصدر آخر أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إذا خلصت إلى أن التفاوض بشأن العودة الكاملة للاتفاق سيستغرق وقتا طويلا، فقد تتبنى نهجا أكثر اعتدالا.
وقد تجد واشنطن سبلا أخرى لتخفيف الألم الاقتصادي لإيران لتمهد الطريق أمام صندوق النقد الدولي لإقراض طهران أو تسهل وصول البضائع الإنسانية أو تتبنى فكرة أوروبية لتسهيل ائتماني.
وقال دبلوماسي غربي إن قرضا من صندوق النقد الدولي “قد يكون فعالا بالتأكيد”، ووصف إمكانية تقديم تسهيل ائتماني أوروبي لإيران بأنه “معقول وقابل للتنفيذ”.
والجمعة أكدت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم خارجيتها نيد برايس خططا لمحادثات غير مباشرة مع إيران عبر وسطاء. وقال برايس إن الولايات المتحدة وافقت على إجراء محادثات مع الشركاء الأوروبيين والروس والصينيين بشأن تحديد القضايا المرتبطة بالعودة للالتزام بالاتفاق النووي المبرم مع إيران. وأضاف في بيان “لا نزال في المراحل الأولى ولا نتوقع انفراجة فورية لأننا أمام مناقشات صعبة لكننا نعتقد أن هذه خطوة مفيدة”.
وذكر أن القضايا الرئيسية التي ستتم مناقشتها هي الخطوات النووية التي تحتاج إيران لاتخاذها للعودة للالتزام ببنود الاتفاق وخطوات تخفيف العقوبات، التي ستحتاج الولايات المتحدة لاتخاذها لتعود للالتزام به أيضا.
ووصف الدبلوماسي الرفيع في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا اجتماع الجمعة الافتراضي بـ”الإيجابي”، لكنه حذّر من أنه لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي القيام به لإعادة إحياء الاتفاق. وقال عبر تويتر “أمامنا عمل أساسي من أجل الوصول إلى فرصة أساسية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة”.
وتعهّد الرئيس الأميركي بالانضمام مجددا إلى الاتفاق شرط معاودة إيران احترام التزاماتها التي تخلّت عنها ردا على انسحاب ترامب.
إيران والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، أطراف اتفاق 2015 النووي، ناقشوا احتمال عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق وكيفية ضمان تطبيقه
لكن الرئيس الديمقراطي محاصر بين مؤيدي الاتفاق ومعارضيه. فالمؤيدون يحضّونه على الإسراع حتى لا يضطر بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية المزمع عقدها في يونيو المقبل إلى التعاطي مع قيادة جديدة أكثر عداء للحوار مع واشنطن، فيما يدعوه المعارضون إلى عدم تقديم أي تنازل قبل قيام طهران بخطوات فعلية.
وفي رسالة وجهت إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، طالب سبعون نائبا جمهوريا وسبعون نائبا ديمقراطيا إدارة بايدن بالتفاوض على اتفاق أوسع نطاقا وأكثر صرامة مع إيران. غير أن بايدن يقول إنه يريد العودة أولا إلى اتفاق 2015، واعتماده نقطة انطلاق للتفاوض على التزامات “أقوى وأكثر استدامة”.
ويقول الموفد الأميركي للتفاوض مع إيران روب مالي “نعتقد أن مفاوضات مباشرة أكثر فعالية وتسمح بتفادي سوء التفاهم، لكن الجوهر أهم من الشكل بنظرنا”، ملمحا إلى أن مفاوضات غير مباشرة بوساطة أوروبية ربما قد تسمح في نهاية المطاف ببدء المفاوضات.