إحكام الجيش قبضته على السلطة يبدد آمال التغيير في مالي

الاستياء يتزايد في مالي جراء بطء وتيرة الإصلاحات.
الأحد 2020/12/20
سيطرة مطلقة على المشهد

باماكو - تُثير هيمنة الجيش على السلطات في مالي استياء كبيرا يشي بأن آمال التغيير قد تم تقويضها وذلك في الوقت الذي كان يأمل فيه المدنيون في أن يهتم الجيش بملفي التطرف والعنف العرقي، وتتولى قيادة مدنية مهمة بناء “مالي الجديدة”.

وبالرغم من أن الضباط الذين قاموا بانقلاب الـ18 من أغسطس قد سلّموا السلطة لحكومة مدنية يُفترض أن تتولى زمام الحكم لمدة تصل إلى 18 شهرا قبل إجراء انتخابات على وقع تهديدات بفرض عقوبات دولية، إلا أن الاستياء يزداد جرّاء بطء وتيرة الإصلاحات.

والغضب يتصاعد أيضا حيال هيمنة شخصيات مرتبطة بالجيش على الهيئة.

وأطاح ضباط شباب بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، في أغسطس الماضي بعد أسابيع من التظاهرات التي أثارتها بدرجة كبيرة إخفاقات حكومته في التصدي للتمرد الجهادي والفساد المستشري.

ونددت أحزاب سياسية، سرعان ما تمّ استبعادها من عملية صنع القرار، بالإجماع تقريبا بأساليب الجيش.

وقال الخبير في القانون العام والحوكمة بوبكر دياوارا “قد يبدو أن ما حصل كان مناورة”، مضيفا أن مالي “بلد هش مبني وكأّنه بيت من ورق. كان لدى العسكريين إمكانية توطيد الدعائم، لكنهم لم يقوموا بذلك”.

ولا تزال المحسوبية والتقاعس يخيمان على المشهد.

وفي الأثناء، يتراكم الغضب الشعبي والمشكلات الاجتماعية حيث تغصّ المستشفيات بمرضى كوفيد – 19، بينما يتفاقم الشعور بعدم الرضا في وقت بدأ العديد من الموظفين الحكوميين إضرابا مفتوحا.

وبينما تراجع عدد الهجمات الجهادية إلا أنه لا يوجد أيّ رابط واضح بين ذلك والتغييرات السياسية في باماكو، العاصمة الواقعة في جنوب البلاد والبعيدة جغرافيا عن الأراضي حيث ينشط الإسلاميون.

وأثار تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، المصمم للحلول محل البرلمان في الفترة الانتقالية، جدلا واسعا خلال الفترة الماضية.

تشكيل المجلس الوطني الانتقالي في مالي، وهو المصمم للحلول محل البرلمان في الفترة الانتقالية، أثار جدلا واسعا

ولا تزال المعايير التي تم بناء عليها تعيين أعضاء المجلس الـ121 والهويات الحقيقية لبعض من تمّت تسميتهم غير واضحة. حتى أن البعض منحوا مقاعد دون أن يكونوا أظهروا أيّ اهتمام سابق بالأمر على غرار ما حصل مع المخرج بوبكر سيديبي.

وكان سيديبي مرشّحا للمجلس الوطني الانتقالي تم قبوله ووضع اسمه في ملف مع تاريخ ميلاده ومهنته، لكن عندما جلس في مقعده في جلسة افتتاح المجلس، قدِم إليه رجل يحمل الاسم ذاته فعرّف عن نفسه وأوضح أن المقعد 101 محجوز ضمن “حصة العسكريين”. وطلب من سيديبي المغادرة.

وقال مدير التدريب السابق في “مدرسة الإدارة الوطنية” التي خرّجت أبرز موظفي الخدمة المدنية عبدالرحمن بن ماماتا توري “نجلب إلى الطاولة ذات المخالفات الإجرائية التي نددنا بها في الماضي”، مُضيفا “حكمنا مسبقا بالفشل على الإصلاحات التي نرغب بتطبيقها. المبدأ الأساسي لذلك هو الثقة، وها قد قوّضناه بالفعل”.

وباتت لدى الجيش الآن نظريا اليد العليا على المؤسسات الانتقالية.

ومن بين قادة الانقلاب، حصل الكولونيل عصيمي غويتا على منصب مصمم خصيصا له كالنائب النافذ لرئيس الحكومة الانتقالية، بينما تمّت ترقية الكولونيل مالك دياو إلى منصب رئيس المجلس الوطني الانتقالي. وأما الكولونيل ساديو كامارا والكولونيل إسماعيل واغو فتم تسليمهما على التوالي وزارتي الدفاع والمصالحة الاستراتيجيتين.

وبات 13 من حكام مناطق مالي العشرين جنودا بعد سلسلة تعيينات في نوفمبر.

يُذكر أن رئيس مالي الانتقالي باه نداو ورئيس الوزراء مختار أواني مدنيان، لكن عندما اختفى الرئيس لعدة أيام مؤخرا، سرت تكهنات بأنه لربما تمّت تنحيته أو أنه استقال.

وقال خبير الحوكمة دياوارا “بات غويتا الآمر الناهي. تقتصر مهمة باه نداو على توقيع المراسيم لا أكثر”.

من جهته، صرّح وزير العدل السابق مامادو إسماعيل كوناتي بأن على الأشخاص الذين يحتجون على عسكرة النظام “ألاّ يلوموا إلا أنفسهم”.

وقال “تركنا عصيمي غيوتا يختار الرئيس ورئيس الوزراء وثلاثة أرباع أعضاء الحكومة والمجلس الوطني الانتقالي بأكمله تقريبا”، موضحا “حتى الملكة إليزابيث والبابا (فرنسيس) غير قادرَين على تعيين هذا العدد من شخصيات الدولة”.

لكنّ دبلوماسيا غربيا أشار إلى أن “الأشخاص الذين يدينون العسكرة المبالغ فيها اليوم ينسون بأن الانتقال كان عسكريا منذ البداية ولم يزعج الأمر الكثير من الناس حينها”.

وباستثناء الولايات المتحدة الأميركية، التي علّقت جميع المساعدات العسكرية للفترة الانتقالية، تعامل شركاء مالي الأجانب مع الوضع بدبلوماسية إذ شدد العديد منهم على البراغماتية. وقال أحد الدبلوماسيين “هناك إمكانيات للإصلاح، فليتم استغلالها”.

3