إحباط المعارضة يعجل بالحديث عن الانتخابات الرئاسية في مصر

القاهرة - استدعت المعارضة المصرية الحديث عن الانتخابات الرئاسية والاستعداد لخوضها قبل عام ونصف من إجرائها، في خطوة تعبر عن رغبتها في زيادة وتيرة الضغط على الحكومة مع تزايد الإحباط من بطء عملية الإصلاح السياسي وتأخر انطلاق الحوار الوطني عمليا وعدم الاستجابة لمطالب الإفراج عن سجناء الرأي.
وقال رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات في بيان له “إن العقل والمنطق يحتمان على الأحزاب والشخصيات المستقلة التفكير جدياً باستعراض فرص إعداد مرشح رئاسي تتوافر فيه الشروط الدستورية والقانونية من كفاءة وخبرة حتى يمكن له أن ينافس من خلال حملة انتخابية على مستوى عال”.
وجاء حديث السادات الذي سبق وأن أعلن عن نيته الترشح في انتخابات العام 2018 ثم انسحب منها، في وقت تحركت فيه قوى معارضة تقيم في الخارج بالتنسيق مع عناصر تنظيم الإخوان للتوقيع على وثيقة تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ورفض السادات هذه الدعوات لكون البلاد على مشارف انتخابات رئاسية والأوضاع لا تحتمل إرباكا في المشهد العام وسط ظروف اقتصادية صعبة.
ورفعت أصوات معارضة سقف مطالبها مؤخراً ووصلت إلى حد مطالبة القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية (تضم في عضويتها أحزابا وشخصيات معارضة) يحيى حسين عبدالهادي الحكومة المصرية بإطلاق سراح معتقلي تنظيم الإخوان ضمن قوائم العفو الحالية، وأن دعم من يخالفون الحركة في التوجهات السياسية “فريضة واجبة”.
ويبدو أن أحزاب المعارضة المصرية تتحرك وفقًا لمجموعة من المتغيرات، حيث وجدت مساحة أكبر يمكن أن تنفذ من خلالها إلى الرأي العام.
وعقدت الحركة المدنية اجتماعاتها في الفترة الماضية بحرية وانفتحت بعض وسائل الإعلام على استضافة أعضائها للتعبير عن أنفسهم، لكنها اصطدمت بواقع سياسي ليس في صالحها، فالحوار الوطني الذي قبلت المشاركة فيه دون تقديم تنازلات لم يبدأ، والبرامج التي وضعتها لم تطبق على الأرض مع مراوغات عديدة.
ويصعب أن يجد سلوك الحركة المدنية أصداء على الأرض مع الانشغال بالأوضاع الاقتصادية، إلى جانب ضعف ثقلها السياسي وعدم قناعة المواطنين بما تروج له من شعارات، لكن تعويلها الأكبر على ضغوط قد تأتي من الخارج تهدف إلى فتح المجالات العامة في السياسة والاقتصاد والتحرر من القيود الحكومية، وتبني رؤيتها على أن الحكومة ستجد مصاعب إذا ذهبت باتجاه تضييق الخناق عليها مجدداً.
وقال القيادي البارز في الحركة المدنية جورج إسحاق إن استدعاء انتخابات الرئاسة في هذا التوقيت يرجع إلى أن الأحزاب ترى أن مساعيها للوصول إلى تأسيس نظام سياسي ديمقراطي لم تتحقق بعد، ما يفرض ضرورة الاستعداد الجيد للانتخابات المقبلة وترشيح أكثر من شخص لديه القدرة على المنافسة فيها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحديث عن انتخابات مبكرة يمكن وصفه بالهزل، متسائلاً “كيف يمكن لقوى سياسية غير مستعدة أن تطالب بالانتخابات في الوقت الحالي؟ من الأفضل الاستعداد للانتخابات المقبلة من الآن، وهو ما تخطط له الحركة المدنية التي بدأت نقاشات فعلية للتوافق على المرشحين”.
ويعبر قفز القوى المدنية على الاستحقاقات التي أمامها في هذا التوقيت عن ضعف في رؤيتها السياسية، فمن المفترض أولاً أن تخوض صراعاً يضغط نحو بدء الحوار الوطني وتغيير البنية التشريعية لإجراء الانتخابات البرلمانية واستغلال بوادر الانفتاح الراهن لاستكمال إطلاق ما تبقى من محبوسين على ذمة قضايا رأي، وأن تصعيد خطابها والمغازلة مرة أخرى بدعم تنظيم الإخوان قد يأتيان بنتائج عكسية.
الوضع السياسي الراهن يغلب عليه وجود أحزاب كرتونية ليس لديها ثقل سياسي وتعاني من عدم التحرك بحرية للتواصل مع المواطنين
وحاولت المعارضة المصرية في الداخل تفادي أخطائها السابقة عبر تعزيز علاقتها مع دوائر حكومية والابتعاد عن مساعي جرها إلى رؤية تنظيم الإخوان الذي يقود المعارضة من الخارج بعد أن وجدت نفسها في خانة واحدة مع تنظيم يمارس العنف ومصنف في خانة الإرهاب، لكن دوائر داخلها تجد أن تقديم تنازلات مجانية لم يخدمها لأنها تفتقر إلى الثقل الشعبي على الأرض الذي يدعم مواقفها.
وهو ما ذكره عبدالهادي، وهو أحد مؤسسي الحركة المدنية، في خطاب وجهه بشكل علني لأعضاء الحركة عبر صفحته على فيسبوك أخيرا.
وأشار عبدالهادي إلى أن “التوافق على مطالب قوية بينها الإفراج عن جميع سجناء الرأي بمن فيهم أعضاء تنظيم الإخوان وتأمين عودة جميع المصريين في الخارج قد لا يجد آذانا صاغية من الحكومة، لكن الحركة في تلك الحالة لن تخسر شيئا، ويمكن الاحتفاظ بذلك الموقف ليكون نواة لبرنامج المرشح الرئاسي الذي ستدعمه الحركة”.
وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن الحديث عن انتخابات الرئاسة ليس جديداً والأمر كرره من قبل السادات حينما تحدث عن احتمال عدم ترشح الرئيس عبدالفتاح السيسي للانتخابات، ما يشي بأن المعارضة تحاول جس نبض السلطة والشارع تجاه مواقفها من الانتخابات المقبلة أو أنها تستهدف التأكيد على أن لديها برامج وأفكارا وتسعى لتتحرك فعليًا من خلال التواصل مع الشارع.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الوضع السياسي الراهن يغلب عليه وجود أحزاب كرتونية ليس لديها ثقل سياسي وتعاني من عدم التحرك بحرية للتواصل مع المواطنين، ما يعني أن الدعوات الأخيرة مجرد مساع لإلقاء حجارة في المياه الراكدة ولا يمكن الحديث عن وجود معارضة حقيقية إذا لم تكن تراعي أحوال المواطنين وتعكس رؤيتهم، وأن التطرق إلى قضية ليس لها وجود حاليا يبرهن على أن الأحزاب فقدت الإحساس بمتاعب الناس.
وشدد على أن المعارضة يصعب أن تكون أداة ضغط على الحكومة، والضغط الحقيقي يأتي من الشارع عندما توجد رؤية جماهيرية تدعم وجود منافسة جادة في الانتخابات، وما لم تتوفر المؤشرات الجماهيرية ستبقى المحاولات عديمة الجدوى.