إحالة مشروع للقانون المدني على المحكمة الدستورية في المغرب لحسم السجال الدائر حول مطابقته للدستور

مجلس النواب يبدد المزاعم بوجود تواطؤ مع الحكومة.
الاثنين 2024/08/12
خطوة ذكية

شكل قرار رئيس مجلس النواب المغربي بإحالة مشروع القانون المدني المثير للجدل، على المحكمة الدستورية، خطوة ذكية تقطع مع الأصوات المشككة والتي تروج لوجود تواطؤ بين المجلس والحكومة.

الرباط - يعتزم رئيس مجلس النواب المغربي رشيد الطالبي العلمي إحالة مشروع القانون المدني على المحكمة الدستورية بعد المصادقة النهائية، للحسم في السجال الدستوري الذي أثارته بعض مقتضيات مشروع القانون.

وأبدت قوى معارضة وهيئات محامين ومفوضين قضائيين وجمعيات حقوقية، تحفظات على المشروع، الذي اعتبروه مخالفا للدستور.

وأكد رئيس مجلس النواب أن مشروع القانون المدني ستتم إحالته إلى المحكمة الدستورية من أجل التصويت النهائي، وذلك بناء على أحكام الفصل 132 من الدستور، التي تقول إنه “يمكن للملك، وكذلك لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور”.

وينتظر أن تحسم المحكمة الدستورية في السجال الدستوري الذي أثارته بعض مقتضيات مشروع القانون المدني المحال على مجلس المستشارين، بعد تصديق الغرفة الأولى عليه قبل اختتام الدورة الربيعية للبرلمان.

عمر الشرقاوي: القرار من شأنه أن يطمئن المواطن (المتقاضي)
عمر الشرقاوي: القرار من شأنه أن يطمئن المواطن (المتقاضي) 

وأكدت فيدرالية رابطة حقوق النساء على أهمية عرض مشروع القانون المتعلق على أنظار المحكمة الدستورية، “لارتباطه الوثيق بأحد أبرز الحقوق وهو الحق في الولوج إلى العدالة”، لافتة إلى أن بعض المقتضيات الواردة في المشروع “انتكاسة دستورية وردة حقوقية لكونها تمس بمبادئ حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها”.

وأشارت الفيدرالية إلى أن من بين نقاط التحفظ على المشروع ما ينطوي عليه من ضرب لمبدأ المحاكمة العادلة وقدسية الأحكام والقرارات القضائية الانتهائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به من خلال المادة 17.

ومن بين الملاحظات على القانون، بحسب المحامين، المادة 303 التي تميز في التقاضي ما بين المواطنين والمؤسسات، والتي تتعارض مع الفصل السادس من الدستور، والذي ينص على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، وأن الجميع بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له.

ولفت عمر الشرقاوي، أستاذ القانون العام، كلية الحقوق، جامعة محمد الخامس، إلى أن إعلان رئيس مجلس النواب عن تحريك الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور واتخاذ قرار مسبق بإحالة مشروع القانون على المحكمة الدستورية بعد المصادقة النهائية، يعد مبادرة ذكية سياسيا ودستوريا لاعتبارات، منها أنه سينقذ سمعة البرلمان من مزاعم التواطؤ مع الحكومة لتمرير نص قد يحمل شكوكا بعدم دستوريته.

واعتبر الشرقاوي في تصريح لـ”العرب” أن إحالة القانون على أنظار القاضي الدستوري هي التي ستحدد توجهه من المشروع بناء على ما توفرت له من قناعة دستورية، ويدخل في إطار التفاعل الإيجابي والمؤسساتي مع موقف هيئات المحامين، التي أطلقت منذ إحالة المشروع على البرلمان وابلا من التشكيك في دستورية بعض مقتضيات مشروع المسطرة المدنية.

وبعدما نبهت الرابطة، في بيان وصل “العرب” نسخة منه، إلى ما اعتبرته “خطورة” في بعض مقتضيات المسطرة المدنية، كونها “تضرب في العمق العديد من المكتسبات الحقوقية والدستورية وعلى رأسها الحق في الولوج المستنير إلى العدالة”، وتكرس “الإخلال بمبدأ المجانية والولوج المستنير إلى العدالة من خلال تسقيف الاستئناف والنقض”، و”انتهاك مبدأ المساواة بين أطراف الخصومة القضائية من خلال التمييز بين الأفراد وأشخاص القانون العام في اعتبار الطعن بالنقض موقفا للتنفيذ”، و”ضعف إدماج بعد النوع الاجتماعي على المستوى الإجرائي وعدم مراعاة وضعية الفئات الهشة”.

وقال عزيز رويبح، نقيب هيئة المحامين بالرباط، إن استحضار الدستور في ضوء مشروع القانون المدني يتم على مستويين: الروح والنص، معتبرا أن المُشَرِّع والسياسي المفروض في كليهما أن يعيا بالمبادئ التي تفرض أن يتم استحضارها، والسياق الذي جاء فيه دستور 2011، رابطا هذا المنعطف بمحصلة استقلال السلطة القضائية واستقلال النيابة العامة، وهكذا تم تطوير فصوله وبناؤها كما نعرفها اليوم.

واعتبر رويبح أن مشروع القانون الحالي عنوانه الحقيقي هو مخالفة الدستور في مجموعة من المقتضيات وأساسا التضييق وحجب وتقليص دور المحامي في مجال العدالة.

من بين الملاحظات على القانون، بحسب المحامين، المادة 303 التي تميز في التقاضي ما بين المواطنين والمؤسسات والتي تتعارض مع الفصل السادس من الدستور

ولفت الشرقاوي إلى أن قرار المحكمة الدستورية التي تملك الحصرية في إضفاء ستار الدستورية على القوانين التي تحال عليها اختياريا أو إجباريا، سيكون له أثر إيجابي على الأمن القانوني الذي يجعل من مقاصده الأولى حماية المراكز القانونية للمتقاضين، وطمأنة للمواطن (المتقاضي) حول مصداقية القانون الذي ينظم كل صغيرة وكبيرة في عملية تقاضيه داخل المحاكم.

ورأى عبداللطيف وهبي، وزير العدل، أن لا مشكلة لديه أو تحفظ إزاء مقترح عرض مقتضيات مشروع القانون على أنظار القضاء الدستوري للبتّ فيها، موضحا في تصريحات صحفية أنه وافق على هذا النقاش منذ بدايته خلال أشغال لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حين أبدى رئيسها سعيد بعزيز نيّته لعرض “النصوص المهمّة” من المشروع على المحكمة الدستورية.

ووضع تسقيف وصول المغاربة إلى محكمة النقض ضمن مشروع القانون المدني، من خلال استثناء الملفات التي تقل قيمة مبلغها عن 100 ألف درهم، وزير العدل المغربي في قفص الجدل، أمام دعوات المعارضة إلى حذف هذا الاستثناء الذي سيحرم العديد من المتقاضين من الحق في اللجوء إلى “محكمة القانون”، كون هذا الاستثناء من شأنه أن يغلق باب التقاضي في وجه العديد من الأشخاص الذين يؤمنون بعدم إنصافهم في مراحل التقاضي السابقة، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى “محكمة القانون”.

وشددت كل المعارضة في مجلس النواب على أن محكمة النقض تحظى بقيمة مهمة لدى المغاربة، الذين يرون أنها منصفة لهم، مستغربة التحجج بالضغط عليها في الوقت الذي تتعرض فيه الملفات المعروضة عليها لـ”الغربلة”، كما تمسكت بحذف الفقرة المتعلقة باستثناء الدعاوى المرتبطة بالنزاعات حول الكراء، من وصولها إلى محكمة النقض، عادة أنها مسألة “غريبة”.

وخلص عمر الشرقاوي في تصريحه لـ”العرب” إلى أن النقاش حول القانون المدني بين الحكومة والمعارضة وهيئات المحامين وهيئات حقوقية حول دستورية أو عدم دستورية المشروع، الذي لا يزال يخضع للقواعد التشريعية بالغرفة الثانية، لا يمكن إلا أن يصب في اتجاه اعتماد قواعد وإجراءات مدنية تتميز بحماية حقوق المتقاضين.

4