إجراءات حكومية موجعة تنذر باحتقان اجتماعي في الأردن

تبدو شرارة الاحتقان الاجتماعي في الأردن مهيأة للاشتعال أكثر من أي وقت مضى مع توجه المملكة لاتخاذ إجراءات تقشفية لا غنى عنها لكبح عجز الموازنة العامة، فيما يعاني الأردنيون من بطالة مستفحلة وضيق آفاق التشغيل وتدهور المقدرة الشرائية.
عمان – يكافح الأردن من أجل احتواء عجز الموازنة العامة عبر إجراءات تقشفية يراها ضرورية ومفروضة ولا سبيل لتفاديها، إلا أن السير في طريق اتخاذ مثل هذه الخطوات الموجعة من شأنه إثارة احتقان اجتماعي تبدو أرضيته مهيأة في بلد يعيش أزمة اقتصادية حادة واستفحلت فيه البطالة وتقلص فيه دور القطاع الخاص في إنعاش سوق الشغل رغم مساعي المملكة لتشجيع القطاع الخاص وتذليل المنظومة القانونية أمام الاستثمارات الخارجية.
ودعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي إلى وقف التوظيف “كليا” في القطاع الحكومي والتوجه نحو القطاع الخاص.
وقال الصفدي في حوار بثته فضائية المملكة الحكومية السبت إنّ دعم القطاع الخاص يزيد فرص العمل ويخفف البطالة ويزيد النمو ويخفف العجز بالموازنة.
وأضاف أن الاقتصاد بحاجة إلى إعادة النظر بالشراكة مع القطاع الخاص، حيث يجب أن تكون هناك شراكة حقيقية مع القطاع، مشيرا إلى أن النمو لن يرتفع إلا من خلال القطاع الخاص والتوظيف فيه أيضا.
ويعاني الأردن، وهو أحد أبرز بلدان الشرق الأوسط التي تعتمد على المساعدات، من صعوبات اقتصادية متنوعة منذ سنوات أثرت على نسب النمو وانعكست على معدلات البطالة، مما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بوصفها العمود الرئيسي لخيمة الاقتصاد.
ويواجه الأردن أزمة اقتصادية منذ سنوات جراء الصراعات المحيطة، وتراجع أولويات الدول الداعمة لاسيما الخليجية منها التي كانت سباقة في ما مضى إلى ضخ أموال في خزينته، ومع تفشي جائحة فايروس كورونا ازداد اقتصاد المملكة سوءا، وسط حالة يأس وإحباط من إمكانية الخروج من هذا الوضع قريبا.
وتجنبت الحكومة الأردنية فرض رسوم وضرائب جديدة في موازنة العام 2021، في مقابل ذلك ركزت على محاربة التهرب الضريبي والجمركي، في خطوة تعكس خشية من ردود فعل الشارع المتحفز.
ويرى محللون أن الأردن اختار عدم فرض ضرائب ورسوم جديدة تجنّبا لردود فعل الشارع وخشية من احتجاجات قد تعمّق أزمات المملكة المشحونة اجتماعيا على غرار احتجاجات 2018 التي انتهت باستقالة حكومة رئيس الوزراء الأسبق هاني الملقي.
وكانت احتجاجات 2018 بدعوة من النقابات المهنية ضد مشروع قانون ضريبة الدخل واستمرت لنحو أسبوع.
ويقول متابعون إن المواطن الأردني لم يعد قادرا على تحمل تراجع قدرته الشرائية، وغياب الخطط الحكومية الفعالة لدعمه، فضلا عن قناعته بأن الإجراءات الاجتماعية لدعمه يطغى عليها الطابع الارتجالي ولم تحقق أي نتائج إيجابية، بل على العكس فاقمت من أزماته.
ورصدت الحكومة الأردنية مخصّصات لزيادة شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع قاعدة المنتفعين من صندوق المعونة الوطنية، حيث تم رصد مخصصات زيادة لصندوق المعونة الوطنية بنسبة 38 في المئة، في محاولة للتخفيف من آلام الأردنيين الاقتصادية، إلا أن هذه الخطوات تظل ترقيعية وغير قادرة على بلوغ أهدافها.
وقبل أسبوعين عادت الاحتجاجات إلى شوارع العاصمة عمّان لتضاعف الضغوط على الحكومة الأردنية التي اتخذت إجراءات تقشفية وضريبية تراها ضرورية لكبح عجز الموازنة، بينما يرى فيها المواطنون إثقالا لكاهلهم ونتيجة طبيعية للفشل الحكومي في الإصلاحات واستفحال الفساد في المملكة.
وشارك المئات من الأردنيين في مسيرة احتجاجية بالعاصمة عمّان رفضا للزيادة في أسعار السلع والمحروقات.
ورفع المشاركون لافتات كتبت عليها شعارات منها “لا لرفع الأسعار.. يوجد هنا شعب”، و”المساعدات والمنح في بطون الفاسدين” و”لا لسياسة التجويع والإفقار”.
وقال نائب أمين حزب الشراكة والإنقاذ سالم الفلاحات إن “الأسعار ترتفع بشكل جنوني وإرادة الشعب مغيبة، الاحتجاجات هي لتذكير الأردنيين بأن هذا وطنكم وهذه مسؤوليتكم”.
ولا يستبعد مراقبون أن تتوسع الاحتجاجات لتشمل باقي مدن المملكة في ظل عجز حكومي عن كبح الأسعار بالإضافة إلى التضييق على الحريات والتعويل على القبضة الأمنية في شل أي تحركات مطلبية.
وشهد الأردن خلال الأشهر القليلة الماضية ارتفاعا غير مسبوق في أسعار السلع التموينية، إضافة إلى زيادة مستمرة في أسعار المحروقات تكررت نحو 8 مرات خلال أقل من عام.
وفي ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط عالميا لم تجد الحكومة الأردنية بديلا عاجلا سوى الترفيع في الأسعار، رغم تحذيرات نيابية بأن ذلك سيوقد شرارة الاحتجاجات.
وتراهن عمان على القطاع الخاص من أجل جلب استثمارات خارجية ودفع عجلة التنمية ما يمكن من امتصاص العاطلين عن العمل، حيث يبحث حاليا توسيع مشاركة القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد من أجل تخفيف هذه المشكلة المزمنة.
وسجلت معدلات البطالة بين فئة الشباب الأردني مستويات مرتفعة حيث بلغت 61.5 في المئة للفئة العمرية 15 – 19 عاما، و45.7 في المئة للفئة العمرية 20 – 24 عاما، بينما 80 في المئة من الأردنيات العاطلات عن العمل يحملن شهادة البكالوريس فأعلى.
ويراهن المسؤولون الأردنيون الآن على اعتماد نموذج شراكات جديد لتعزيز مؤشرات النمو وذلك بتوسيع دور القطاع الخاص.
ووافق مجلس الوزراء الأردني مؤخرا على تعديل أسس منح المستثمرين الجنسيّة الأردنيّة والإقامة عن طريق الاستثمار، بهدف تهيئة البيئة الجاذبة للاستثمار الخارجي في بلد يعاني نسبة بطالة مرتفعة وأزمة اقتصادية خانقة.
وأعدت الحكومة وثيقة حول أولوياتها حتى 2023 ووثيقة الأردن 2025، بالإضافة إلى الاستراتيجيات القطاعية وأهداف أجندة التنمية المستدامة والبرنامج التنفيذي للأعوام 2021 – 2024.
وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد وجه الحكومة نهاية مايو الماضي إلى وضع برنامج عمل اقتصادي واضح المعالم مرتبط بمدد زمنية محددة لتنفيذه، بالشراكة مع القطاع الخاص من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي. ولفت بشكل واضح إلى تحدي الفقر والبطالة.
اقرأ أيضا: رئيس "الشاباك" الإسرائيلي في زيارة غير معلنة إلى الأردن