أي علاقة بين الأدب والصحافة في سياق ثقافي عربي متطلع إلى التغيير

توسعت التغطية الثقافية في وسائل الإعلام الإخبارية سواء المغربية أو العربية أو العالمية لتتجاوز أقسام الفنون والأدب أو الثقافة، إلى أقسام الأخبار والأعمال والتعليقات والرأي والسفر وأسلوب الحياة، ولو بتفاوت، لكن يبقى للصحافة الثقافية في العشرين عاما الأخيرة، مساهمة هامة في صناعة المعرفة والتنمية ودعم الفنون والإبداع ونقل القيم وتطوير فهمنا للثقافة ودورها في المجتمع، وذلك رغم ما تعانيه من مصاعب جمة.
ينصب الاهتمام الأساسي للصحافة الثقافية على الفنون والعمل الإبداعي بكل تفريعاتهما التي أصبحت تتسع لتشمل كل ما يتعلق بالأدب والفنون البصرية والموسيقى والأفلام والمسرح والرقص والتصوير والهندسة المعمارية والتصميم وألعاب كمبيوتر، ولا يخرج الأمر على الشركات والمؤسسات والسياسات التي أضحت تصنع وتؤثر في محتوى الإعلام الثقافي.
وقد أدت كل التطورات التي تعرفها مجالات الإنتاج الثقافي وما وراء الخطاب إلى ولادة نماذج محترفة من الصحافة الثقافية رغم ظروف العمل وتحديات دور وظيفة الصحافي الثقافي، ففي جريدة “العرب” التي تصدر في لندن، على سبيل المثال نجد هناك عدد صفحات الملحق الأسبوعي تقارب الثماني صفحات من مجموع 22 صفحة، تدخل ضمن الصحافة الثقافية في أوسع مجالاتها، والتي تستعرض كل ما يتعلق بالأعمدة المفتوحة على تجارب ويوميات وخبرات حياتية وأيضا ما يرتبط بعالم السينما وملتقيات سينمائية دولية ومن مراجعات أفلام وقراءة متخصصة لها وتشكيل وطبخ ولياقة ومراجعة كتب وفنون بصرية وتكنولوجيا، وهو ما يعتبر إنجازا نموذجيا.
وإذا كانت الصحافة الثقافية تشمل مجالا واسعا وغير متجانس من الموضوعات حيث لا يمكن فصلها في الوقت الحالي عن سياق الصناعات الثقافية والصناعات الإبداعية، وكذلك عن التقنيات الجديدة التي تتطلب إعادة تعريف وتوسيع الصحافة الثقافية ومهارات جديدة للصحافيين، بالتالي لا يمكن اعتبار هذا الجنس من الصحافة مجالًا صغيرًا ومحدّدًا نسبيًا للممارسة الصحافية، بل أضحت ركيزة في صناعة القصة الخبرية كونها تشتغل في التقاطع بين الإعلام السياسي وكل الأشكال الثقافية والصناعات الإبداعية بشكل عام، كما يدخل في نطاق اهتمام الإعلام الثقافي بكل أشكال التعبير الثقافي التقليدي والجديد مثل السينما وفن الفيديو والأدب وفن الشارع والتصوير الفوتوغرافي والموسيقى، وما إلى ذلك، وتأثير التكنولوجيا.
في ظل الحروب الثقافية المتزايدة دور الإعلام الثقافي أساسي في هندسة التحولات الثقافية التي تقود التغيير السياسي والاجتماعي
الصحافة الثقافية بالمغرب
من خلال التصفح اليومي للأبواب الثقافية في الصحافة اليومية المغربية، نجد أن بعض مديري تلك الصحف يعتبرون الأخبار الثقافية والمقالات الدسمة والمراجعات النقدية والبورتريهات المتميزة بأنها تثقل كاهل الصحيفة ماديا، ولا يهتم القارئ بما ينشر ما يخفض المبيعات، ولا يتم إعطاء الأقسام الثقافية هامشا واسعا للإبداع، وهؤلاء لا يولون الوظيفة المجتمعية للصحافة الثقافية أي اعتبار رغم أنه لا تتكون فقط من نقل المعلومات داخل المجتمع ولكن أيضًا تساهم في تكوين حس إبداعي وفني متقدم وأضحت تساهم كذلك في ترسيخ دور الثقافة التنموي.
وسجل عبداللطيف بنصفية، الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، في إحدى الندوات أن قطاع الصحافة المكتوبة بالمغرب اهتم بالثقافة بصفة دائمة، على شكل مواد متفرقة موزعة على أركان وملاحق ومجلات متخصصة، وهذا الحضور يتنوع بين ما هو إخباري إبداعي، ونقدي وترجمات.
وفي هذا السياق كشف الشاعر صلاح بوسريف، المدير المسؤول عن مجلة الثقافة المغربية، أن الصحافة تأسست على الثقافة، ولم تكن دخيلة عليها كما حدث في مصر والشام، مذكرا بأول ملحق ثقافي بصحيفة العلم المغربية سنة 1947، موضحا أن الأحزاب استمدت قوتها من المثقفين الموجودين بها.

صلاح بوسريف: الصحافة تأسست على الثقافة، ولم تكن دخيلة عليها
من جهته، أوضح الشاعر والكاتب حسن نجمي، أن الحديث حول الإعلام الثقافي ليس حديثا عن جنس صحافي بحدّ ذاته، بل إن الصحافي المتخصص في متابعة المنجز الثقافي الوطني يشتغل ويمارس مختلف الأجناس الصحافية، من استطلاعات وتحقيقات وبورتريهات ومقالات وأعمدة.
ومع تزايد حجم الخطاب المتعلق بأزمة الصحافة ازداد الضغط على تواجد النقد الثقافي والتغطية الثقافية بالصحف المغربية والعربية على حد سواء، لهذا شكل خطاب الأزمة نقطة مفصلية في اختلال واضح في الاعتراف بدور الصحافة الثقافية في تطوير رؤية المجتمع لحاضره ومستقبله، ولهذا نلحظ انخفاض حجم التغطية الثقافية والمراجعات الشيء الذي أثر في الوعي الجمالي للصحافة الثقافية رغم أن مفهوم الثقافة أصبح أكثر شمولاً.
في المقابل لا يمكن أن تكون الصحافة إلا عملية إبداعية بامتياز تتعلق بالتعمق في كيفية الاستفادة من عقل الصحافي الإبداعي عند الكتابة الصحفية، فالصحافة سرد للقصص وهي ليست خيالية بل تتعلق بأناس حقيقيين وحقائق على الأرض ومؤشرات وأرقام وإحصائيات.
ولاعتبارات مرتبطة بدور الجانب الثقافي في الإنتاج الصحفي وإعطائه قيمته الإبداعية والقيمية، ارتأى عدد من الصحافيين المغاربة المهتمين بالشأن الثقافي والعاملين بمنابر إعلامية مختلفة، القيام بخطة إجرائية بتأسيس “الرابطة المغربية للصحافة الثقافية”، قبل عامين، هدفها الترافع عن مكانة الثقافة في الممارسة الإعلامية وتوسيع حيزها في الإعلام العمومي والخاص، والمساهمة في تطوير شروط ممارسة الصحافة الثقافية، ومساعدة الصحافي الثقافي على أداء مهامه كلها في أحسن الأحوال.
ورغم انحسار الصحافة الورقية فإن الرابطة تهدف إلى الترافع عن مكانة الثقافة في الممارسة الإعلامية وتوسيع حيزها في الإعلام العمومي والخاص، والمساهمة في تطوير شروط ممارسة الصحافة الثقافية، ومساعدة الصحافي الثقافي على أداء مهامه كلها في أحسن الأحوال.
ويرى مؤسسو الرابطة أنه من الضروري تعزيز المشاركة في الإنتاج الإعلامي والثقافي وتقوية النشاط الثقافي عن طريق ورشات التكوين المستمر، وإيجاد شراكات مع المؤسسات الثقافية العمومية وغير العمومية، من شأنها أن تسند العمل الإعلامي المهتم بالثقافة، والمساهمة في النقاش العمومي حول الثقافة والاحتفاء بالجهود المختلفة المبذولة في المجال الثقافي.
وعند تكريمه من طرف الرابطة أكد الفيلسوف الراحل محمد سبيلا، قبل عامين، بأن الصحافة الثقافية المغربية رغم تاريخها الطويل وخاصة الملاحق الثقافية، لم تتطور بالشكل الذي يجعلها قادرة على إنتاج قامات إعلامية كبيرة كما هو الحال في بلدان عربية أخرى، منوها بتجربة الملاحق الثقافية التي كانت تضرب مواعيد معلومة مع القراء، وتنخرط في سباق محموم على استقطاب ألمع المفكرين والأدباء، وتغطية أهم الفعاليات والمستجدات الثقافية والفنية، محليا ودوليا.
وإذا كانت الصحافة الثقافية تساعد على فهم الروابط بين الأحداث الثقافية والمجتمع والحاضر والماضي، فإن هذه العلاقة بين الصحافة والثقافة والمجتمع يمكن تصنيفها علاقة تكافلية
تأثير متبادل
لهذا وذاك لا بد من التأكيد على ضرورة الوصول إلى مصادر المعلومات المتخصصة من طرف الصحافي الثقافي كأفضل ضمان لتفسير السياق الثقافي والفني بشكل صحيح والتواصل مع الجمهور، كما من الضروري توفير المعرفة والمهارات والقدرات الأساسية لتعميق فهم النشاط الثقافي والجهات الفاعلة والمؤسسات المشاركة في هذا المجال من النشاط الإعلامي، كما يحلل دور الثقافة في المجتمع المعاصر ودور الصحافي أيضا في هذا السياق الثقافي.
وكما تؤثر الصحافة على الثقافة فهي أيضا تتأثر بها، فتأثير الصحافة على الثقافة وجد اهتمامًا واسعًا في أدبيات الدراسات الثقافية سواء في الغرب أو المناطق العربية، إلا أن التأثيرات الثقافية والمجتمعية على الصحافة كانت أقل بحثًا، لاعتبارات تتعلق بالمحددات السياسية والاقتصادية، وتأسيسا على ما سبق فلا بد من التأكيد على القيمة الجوهرية للصحافة الثقافية وذلك لفوائدها الاقتصادية أو الاجتماعية، وأيضا لاعتبارات حضارية وقيمية وأيضا لمواكبة السياحة والصادرات والتنمية وعلاقتها بمجتمع المعرفة والحفاظ على هوية المجتمع في ظل الحروب الثقافية والحضارية والتي تمول بسخاء من طرف مؤسسات دولية لنشر نماذج ثقافية محددة.
في ظل الحروب الثقافية المتزايدة يبقى دور الإعلام بشكل عام وبالتحديد الثقافي بشكل خاص أساسيا في هندسة التحولات الثقافية التي تقود التغيير السياسي والاجتماعي، سواء داخل المجتمعات العربية أو الغربية على حد سواء مع وجود فوارق جغرافية وديموغرافية وعلمية وفهم عميق في التعاطي مع مخرجات ونتائج تلك الحروب والخوض فيها، ولهذا تتسع اهتمامات الصحافة الثقافية مع تطور فهمنا للثقافة ودورها في المجتمع، ولتعقيد المجال وسياقاته الاجتماعية مع جميع النتائج المحتملة على عمل الصحافي الثقافي ومجال الثقافة بشكل عام.
وإذا كانت الصحافة الثقافية تساعد على فهم الروابط بين الأحداث الثقافية والمجتمع والحاضر والماضي، فإن هذه العلاقة بين الصحافة والثقافة والمجتمع يمكن تصنيفها علاقة تكافلية، لهذا نجد الفيلسوف محمد سبيلا، يتفق على أن الصحافة والثقافة تربطهما علاقة عضوية، وأن الصحافي الجيد لا يمكنه أن يتطور دون ثقافة جيدة تسنده، مشيدا بالأدوار التنويرية التي لعبتها الصحافة المغربية من خلال متابعتها للأحداث وتحليلها، والتي لم تسقط في التفسير الأسطوري عند تناولها لبعض الاحداث، بل كانت أميل إلى التفسيرات العقلانية لبعض الظواهر وعملت على إشاعتها والتبشير بها ضمنيا.