أي حظوظ باقية للجزائر في الاتحاد الأفريقي

الاتحاد الأفريقي المنهك بمتاعب القارة في الاقتصاد والتنمية لم يعرف حالة من الاستقطاب مثلما يعرفها الآن بعد دخول الجزائر والمغرب كقطبين متنافسين يحاول كلاهما حشد الاتحاد لتزكية مقاربته في قضية الصحراء.
السبت 2021/12/11
الهوة تتسع بين الاتحاد الأفريقي والجزائر

تدفع الجزائر بكل قوة من أجل التموقع الجيد داخل البيت الأفريقي، أملا في ربح الكثير من الرهانات والحسابات، لطرح نفسها كقوة إقليمية ذات نفوذ يحصن مصالحها ويؤثر في توجهات التكتل القاري، خاصة في ظل تمدد قوة منافسة تريد إعادة ترتيب التوازنات داخل الاتحاد الأفريقي، عبر الاستقواء بقوة مازالت محل نفور القوى التاريخية في أفريقيا.

ويبدو أن الاتحاد الأفريقي المنهك بمتاعب القارة في الاقتصاد والتنمية والخدمات، لم يعرف حالة من الاستقطاب الثنائي مثلما يعرفها الآن، بعد دخول الجزائر والمغرب كقطبين متنافسين يحاول كلاهما حشد الاتحاد لتزكية مقاربته في قضية الصحراء. وستكون عضوية إسرائيل المدعومة من طرف الرباط في الاتحاد، مقابل تمسك الجزائر بالموقف التقليدي المناهض لتل أبيب، هو المنعرج الحاسم لأكبر هيئة قارية بعد أشهر قليلة، وذلك باعتراف وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الذي أكد منذ أسابيع بأن “الاتحاد مهدد بالانقسام”، وأن بلاده لا تتوانى في حشد دول الاتحاد من أجل قطع الطريق على دخول إسرائيل إليه ولو كعضو مراقب، مستندا في ذلك إلى عقيدة سياسية ودبلوماسية اقترنت بمواقف حكومات دول أفريقية مساندة للقضية الفلسطينية.

لقد استطاع المغرب منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي خلال السنوات الأخيرة تحقيق عدة مكاسب دبلوماسية، أفضت إلى افتكاك اعتراف بعض الحكومات الأفريقية بسيادته على الأراضي الصحراوية، وهو ما أزعج الجزائريين الذين كانوا مطمئنين لوضع جبهة البوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي.

وتكون الأزمة الثنائية بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة قد أجهضت كل حلول التهدئة التي كانت ممكنة في وقت سابق، وهو ما دفع السلطات العليا الجزائرية إلى مراجعة أوراقها الدبلوماسية، ابتداء من إعادة الدبلوماسي المخضرم لعمامرة إلى حقيبة الخارجية، إلى تعزيز جهاز الدبلوماسية بشخصيات ووجوه مخضرمة، ومرورا بتفعيل النشاط الدبلوماسي تجاه الوجهة الأفريقية.

وباستثناء إدارتها لاتفاق السلم والمصالحة الوطنية المتعثر منذ العام 2013 إلى غاية التوقيع عليه من طرف الفصائل المتنازعة، فإن الجزائر سجلت انكفاء دبلوماسيا نتيجة حسابات وصفت بالخاطئة من طرف القيادة السياسية السابقة أيام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، حيث كان التركيز مُنصَبا في ذروة نشاط الرجل على الوجهات الأوروبية والأميركية وبدرجة أقل آسيا، في حين لم يتم إيلاء الأهمية اللازمة للوجهة الجنوبية، مما كلف الجزائر على مدار السنوات الأخيرة من حكمه فراغا تدفع ثمنه الآن.

استطاع المغرب منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي خلال السنوات الأخيرة تحقيق عدة مكاسب دبلوماسية، أفضت إلى افتكاك اعتراف بعض الحكومات الأفريقية بسيادته على الأراضي الصحراوية، وهو ما أزعج الجزائريين

الراحل بوتفليقة شخصية دبلوماسية محنكة، لكنه أساء تقدير الأوضاع والتطورات في أفريقيا، ويحسب عليه أن زار فرنسا سبع مرات خلال فترة حكمه، بينما لم يزر أفريقيا ولا مرة، ولأن الطبيعة تأبى الفراغ فإن غياب الجزائر عن أفريقيا خلال الحقبة المذكورة تحول إلى تركة ثقيلة تجسدت في تراجع حضورها ونفوذها لما صارت بحاجة إليه. 

ومنذ عودته إلى حقيبة الخارجية دخل لعمامرة في جولات مكوكية في مختلف الربوع الأفريقية، أملا في استعادة الحظوة الجزائرية التاريخية داخل القارة السمراء، لكن السؤال المطروح ماذا تبقى للجزائر من حظوظ لربح الرهانات المذكورة، لاسيما بعد اقتران الغياب مع المنافسة، لصالح منافس يملك مقومات معتبرة خاصة في مجال القوة الناعمة على غرار الاقتصاد والتجارة والاستثمارات؟

وفي الأفق العديد من الاستحقاقات التي ستضع الدبلوماسية الجزائرية أمام اختبار حقيقي، فإلى جانب قمة الرؤساء القادمة التي ستحسم في مسألة عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي، بعدما فشلت هيئة الوزراء في تحقيق المبتغى، أمام حالة الاستقطاب والحشد الدبلوماسي للطرفين.

ورغم أن المقاربة المغربية حققت مكاسب معتبرة على الصعيد الأممي في ما يتصل بملف الصحراء، إلا أنه يبقى بعيدا عن افتكاك كسب الشرعية النهائية، بسبب الصعوبات التي تعتري الملف، أمام تصلب الموقف المقابل، ولذلك يجري الرهان على ربح معركة تشكيلة مجلس الأمن والسلم الأفريقي، المرشح لأن يأخذ نصيبا من قضية تفكيك النزاع القائم.

وفيما تراهن الرباط على كسب منصب شمال أفريقيا، بعد حديث عن تنازل ودعم ليبي لصالح المغرب، فإن الجزائر تلعب أوراقها المتبقية من خلال إقناع تونس بتقديم مرشحها، وهي رغبة لا تمانع تونس في خوضها، حسب ما ورد على لسان وزير خارجيتها عثمان الجرندي، الذي صرح بأن “بلاده لن تتخلى عن حقوقها الدبلوماسية، وأنه ليس من حق ليبيا التنازل لطرف معين، لأن تونس ستؤدي دورها”، وهو ما يريح الجزائريين الذين يراهنون على تونس من أجل المحافظة على التوازن داخل الهيئة المذكورة إذا آلت إليها قضية الصحراء. 

وتسعى الجزائر لتفعيل نشاطها الدبلوماسي في القارة السمراء، خاصة مع استعادة لعمامرة، الذي يوصف بـ”روح الاتحاد الأفريقي”، على اعتبار أنه من أعرق الدبلوماسيين الذين اشتغلوا كثيرا على إطلاق الاتحاد الأفريقي بشكله الجديد، خلفا لمنظمة الوحدة الأفريقية، واضطلاعه بالعديد من المهام في أفريقيا، إلى جانب تعزيزه بمندوب رئاسي للقارة الأفريقية وآخر للمغرب العربي والقضية الصحراوية، ويتعلق الأمر على التوالي بعمار بلاني وبوجمعة ديلمي.

وإذ راهن لعمامرة على حشد الرأي العام الأفريقي حول إحياء الخطابات والشعارات التاريخية، لقطع الطريق على التمدد الإسرائيلي المدعوم من طرف المغرب، والحصول على دعم الأفارقة لمقاربة بلاده في ما يتعلق بالملف الصحراوي، فإن الطريق لا يبدو في المتناول بسبب المكاسب التي ما فتئ المغرب يحققها قاريا ودوليا في الملف المذكور.

وفيما وفّق في كسب عرب أفريقيا للحيلولة دون انضمام تل أبيب، واستطاع إقناع بعض الحكومات الأفريقية بشرعية وعدالة القضية الفلسطينية، فإنه لم يكسب المعركة في هيئة الوزراء وتم ترحيل المسألة إلى قمة الرؤساء، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا بالنسبة إلى مقاربتها في القضية الصحراوية، لأن الكفة تميل لدى عرب أفريقيا لصالح المغرب، وأحسن الرهانات أن تونس لم ترفض ولم تقبل القرار الأممي الأخير إلى جانب روسيا.

وإذ مازالت البوليساريو تحتل مقعدا داخل الاتحاد الأفريقي، لأن الجهود المغربية لم تحقق المأمول من عودتها للهيئة القارية، والجلوس معها في نفس القاعة هو أمر مريح للجزائر، إلا أنه غير مطمئن أمام تصاعد دعم أفريقي للطرح المغربي في قضية الصحراء والاعتراف بسيادته على الإقليم.

9