أيّ إيران تريد أميركا وإسرائيل

ليس ذلك أسفًا على تدمير إيران، بل وعيًا بحكمة السياسة الأميركية – الإسرائيلية التي تقول: الضعيف لا نصيب له في أي غنيمة بل سيكون هو نفسه الغنيمة القادمة.
الثلاثاء 2025/06/17
تاجر يحكم العالم

أيّ إيران يُراد تصنيعها وفق مقاسات إستراتيجيات أميركية -إسرائيلية؟ وربما يجب أن تكون صيغة السؤال: هل هناك اتفاق بين أميركا وإسرائيل على شكل ومحتوى إيران التي تريدانها؟

الحقيقة أن ترامب ونتنياهو يقودان إستراتيجية بلديهما السياسية، لكن بصبغتهما الشخصية؛ فترامب يصبغ سياسته بطابعه الخاص، وهي أشبه بسياسة تاجر منتشٍ بربحه. وهذا لا يشكل افتراقًا جذريًا عن أصول السياسة الأميركية العميقة.

لقد باتت السياسة الأميركية التقليدية في تصورها للعالم صورة مشوّهة عن النفعية، يرغب ترامب في تجديدها دون أن يخلّصها من فرط أنانيتها، وجشعها التجاري، لاسيما أنه ما زال يعيش نشوة فوزه، وهي نشوة تجعله يظن نفسه حاكمًا تجاريًا للعالم، ولا يرى في غطرسة القوة العسكرية الأميركية إلا شركة حراسة أمينة لهذا السوق. ولذلك، يريد العالم دكاكين للمفرّق، وهو صاحب دكان الجملة الذي يتحكّم فيها، إضافة إلى رغبوية تتمثل في نيله جائزة نوبل للسلام، ولهذا يؤخر جحافل القوى العسكرية في حربه ويقدم قوافل التجارة في حرب بيضاء.

ترامب يريد إيران منزوعة الأظافر عسكريًا، ودكانًا مستقلاً عن الخليج، حياديًا. فلم تعد تعنيه الإستراتيجية السياسية الأميركية القديمة التي استبدلت الشاه بالخميني ليكون شرطيًا للمنطقة، وتهديدًا دائمًا لدولها، يضطرها إلى اللحاق بحماية أميركا، والتطبيع مع إسرائيل، هربًا من تهديد وجودي تغذّيه الثورة الشيعية.

◄ للأسف، لم يدرك أغلب ساسة المنطقة أن إسرائيل وأميركا لا تهبان أحدًا من غنائم انتصاراتهما. والوهم بأن هناك مكسبًا ما سيجنيه من خسر خصومه على يد غيره هو بداية الدخول في نفق من الصراعات والتناحر

أدركت إيران خطر حصارها باستقطاب إسرائيل للعرب نحو التطبيع وفك ارتباطهم بأذرعها التي أوغلت في التمدد، فأغرت حماس بطوفان الأقصى لخلط الأوراق، ووقف سيل التطبيع الذي نجحت إسرائيل بضخّه. لكن نتنياهو الذي يشبه ترامب في قيادة إستراتيجية إسرائيل السياسية التقليدية، وصبغها بدوافع شخصية تتعلق بوضعه السياسي، استثمر في أحداث طوفان الأقصى لتدمير أذرع إيران، وإشغال إسرائيل عن محاسبته. وأدى نجاحه العسكري في تدمير قوى حماس وحزب الله، والحوثيين، والأسد إلى الانتقال بالإسرائيليين تحت وطأة رعبهم من طوفان الأقصى إلى إحياء مشروع ممر داوود، بوصفه حصناً لأمان الإسرائيليين، وفي غمرة نشوته بالانتصارات المتتالية، تفاقم طموحه بتفكيك قوى إيران ومشروعها الثوري التوسعي. وهو على قناعة أن التطبيع مع العرب بات مضمونا، فلم يعد بحاجة إلى إيران للقيام بدور فزاعة تجبر العرب على الاستظلال بإسرائيل.

تلتقي رغبات ترامب ونتنياهو في كسر العمود الفقري لإيران بعد أن كُسّرت أذرعها. فالعمود الفقري هو أسلحة منجزة وأخرى تطمح إلى إنجازها، إضافة إلى شلّ أخطبوط سياستها الثورية، ومنعها من تفريخ حركات مقاومة تكون بمثابة حصون متقدمة لها، وصندوق ابتزاز لدول المنطقة.

ولهذا، لن تكون ضربة إسرائيل لإيران ردعية، بل تدميرية. لقد تجاوز نتنياهو مرحلة التراجع عن إنهاك إيران عسكريًا، وهو ماضٍ في تجريدها من كل ما قد يهدد أمن إسرائيل، وإشغالها بصراعات داخلية واضطرابات سياسية تولّدها الضربة، وتُظهر نزعات المعارضة في السعي للتخلص من “الخامنئية السياسية” والعبور إلى دولة جديدة منفصلة عن أيديولوجيا الثورة الإسلامية. وقد يؤدي هذا إلى تفكيك إيران وتحويلها إلى أقاليم إثنية وقومية متعددة.

وسيشهد الشرق الأوسط حالة من التخبط السياسي في مواقفه من هذه الضربة؛ فهناك دول، كما تخيفها إيران بتمددها الأيديولوجي والعسكري، فإنها تخاف أيضًا من تفككها إلى أقاليم، مخافة أن يمتد التفكيك إلى دول مجاورة تعاني أساسًا من اضطرابات وصراعات داخلية.

ترى، هل أدرك ساسة الشرق الأوسط أن كلمة السر في هذه الضربة كانت خلف سطور ما قاله السفير الأميركي توماس باراك: “قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وانتدابات وحدودًا مرسومة وحكمًا أجنبيًا. قسّمت (اتفاقية) سايكس بيكو سوريا والمنطقة بأسرها لتحقيق مكاسب إمبريالية، لا لتحقيق السلام. وهذا الخطأ كلّف أجيالًا كاملة، ولن نسمح بتكراره مرة أخرى.”

للأسف، لم يدرك أغلب ساسة المنطقة أن إسرائيل وأميركا لا تهبان أحدًا من غنائم انتصاراتهما. والوهم بأن هناك مكسبًا ما سيجنيه من خسر خصومه على يد غيره هو بداية الدخول في نفق من الصراعات والتناحر، يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط. وليس في ذلك أسفٌ على تدمير إيران، بل وعي بحكمة السياسة الأميركية – الإسرائيلية التي تقول: الضعيف لا قسمة له في أي غنيمة، بل سيكون هو نفسه الغنيمة القادمة.

 

اقرأ أيضا:

       • إيران تحتاج إلى حكمة الفرس وليس فتاوى الخميني

       • الحرب الإسرائيلية - الإيرانية: فصل جديد في تاريخ المنطقة

       • عرب إسرائيل وعرب إيران

       • حسابات الحرب ونهاية الوكالة: تصدّع أذرع إيران في العراق

 

9