أين ستظهر البجعة السوداء

العالم بات ينتظر البجعة السوداء، وهذا مقلق وصعب، ولكن هل اكتشافها عملانيا سيكون في المدى المنظور؟
السبت 2024/08/24
البجع السوداء بات ممكنا ظهورها اليوم

نظرية البجعة السوداء للكاتب اللبناني نسيم طالب هي نظرية تشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة. تقوم هذه النظرية على الفكرة السائدة بأن البجع كله أبيض، أما وجود البجع الأسود فهو نادر ومفاجئ، وكان ذلك قبل اكتشاف البجع الأسود في أستراليا الغربية، والذي كان حدثا غير متوقّع.

تنطبق هذه النظرية على الأحداث التاريخية التي لم يكن من الممكن التنبؤ بها أو كان احتمال وقوعها غير وارد على الإطلاق، فمعظم الناس لم يروا بجعا أسود، لذا يعتقدون بعدم وجوده، وذلك لأن عقلنا يركّز على أمور ويغفل عن أمور أخرى.

يرزح عالمنا اليوم على وقع توترات وصراعات تحمل كلّ منها “بجعة سوداء” قد تظهر بشكل غير متوقّع وتأخذ البشرية إلى حرب مدمّرة. هناك الكثير من البجعات السوداء الممكنة اليوم، وهي مسألة باتت تشغل عقول الكثير من مستشاري صنّاع القرار في العالم بشكل أساسي، فهناك من يرى إمكانية حصول مفاجأة مذهلة وصادمة (وإن كانت ذات احتمالات ضعيفة وبعيدة).

أخذت الحرب الروسية على أوكرانيا منحى جديدا وأكثر خطورة لاسيما بعدما تطورت الأحداث في أرض الميدان واستطاعت كييف نقل المعركة إلى أراضي روسيا، بعدما كانت التقارير الأمنية في الآونة الأخيرة تحدثنا عن تقدّم للجيش الروسي، إذ ذكرت وزارة الدفاع الروسية في يوليو الماضي أن قواتها سيطرت على قرية أوروجين في مقاطعة دونيتسك بشرق أوكرانيا وألحقت خسائر فادحة بالقوات الأوكرانية.

يحمل هذا البيان تأكيدا على تحقيق روسيا مكاسب إضافية داخل أراضي أوكرانيا، ولكن ما حصل في الأيام الماضية شكّل عنصرا مفاجئا وغير منتظر ولا حتى كان يمكن التنبؤ به، وهو إعلان وزارة الطوارئ الروسية الجمعة التاسع من أغسطس الجاري، حالة الطوارئ في منطقة كورسك بعد اختراق أوكراني للحدود الروسية، ما أجبر موسكو على استدعاء جنود الاحتياط وسط مخاوف من استهداف كييف محطة للطاقة النووية في المنطقة.

تمتلك روسيا ترسانة نووية تجعلها تحتلّ المرتبة الثانية بين الدول في تصنيف قوة الجيوش، وإنّ ما حصل في كورسك من توغّل للقوات الأوكرانية داخل أراضيها اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “استفزاز واسع النطاق” وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية. هذا الاستفزاز لم يحمل معه خرقا للحدود الروسية وحسب، بل إهانة واضحة للجيش الروسي الذي أقدم على الاستسلام، وما تناقلته وسائل الإعلام والتواصل كان دليلا واضحا، فهل ستقدم روسيا على خرق كافة التوقعات وتستخدم قدراتها النووية ويشهد العالم على “بجعة سوداء” تطير فوق شرق أوروبا وتفتح في المجال لحرب تدميرية نووية؟

◙ عالمنا اليوم يرزح على وقع توترات وصراعات تحمل كلّ منها “بجعة سوداء” قد تظهر بشكل غير متوقّع وتأخذ البشرية إلى حرب مدمّرة

الاستفزاز واسع النطاق يحمل نتائج سلبية على روسيا الاتحادية ولكن هذا قد لا يدفع بها نحو استخدام أسلحة ردعية، إلا أنّ البجعة السوداء قد تظهر في جنوب آسيا، هناك حيث الهروب المفاجئ لرئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة، والذي تسبّب بخلق فوضى كبرى في البلاد، انعكست على شكل اضطهادات بحقّ الأقليات المتواجدة في البلاد.

تعاني الطائفة الهندوسية من موجات اضطهاد تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية المتشدّدة، هذا ما سيسمح في المجال للتدخّل السريع من قبل الحكومة الهندية التي يرأسها القومي الهندوسي المتعصّب ناريندا مودي رئيس حزب بهاراتياجاناتا. بجعة سوداء تحمل شكل “صدام الحضارات” الذي تحدّث عنه الكاتب الأميركي صمويل هنتنغتون، فتكون شرارة الحرب العالمية الثالثة.

يعتقد البعض أنّ استمرار إسرائيل في ارتكاب جرائمها في قطاع غزة بحقّ الفلسطينيين، مؤشّر على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يضرب كل فرص السلام في المنطقة. تعيش اليوم منطقة الشرق الأوسط على وقع التهديدات عالية النبرة من قبل قادة محور الممانعة من طهران إلى حزب الله في لبنان إلى جماعة الحوثيين في اليمن، على خلفية تنفيذ إسرائيل سلسلة عمليات عسكرية منها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران والقائد العسكري للحزب فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، الأمر الذي دفع بهؤلاء إلى الاستعداد لعملية “الانتقام”.

“الانتقام” من دولة لا تعترف بحقوق الإنسان وتمتلك سلاحا نوويا، يدفع حتما إلى ظهور بجعة سوداء لاسيما وأن وزراءها لطالما دعوا إلى استخدام هذه القنابل، إذ دعا وزير التراث عميحاي إلياهو في وقت سابق إلى أنه يؤيّد قصف القطاع بقنبلة نووية. وحملت التنديدات العالمية على تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الاثنين الخامس من أغسطس الجاري، بتجويع أهل غزة بأنه مبرّر أخلاقي، واعتبرتها لا تقلّ خطورة عن استخدام القنبلة، وهذا ما قد يدفع إلى ظهور بجعة سوداء فوق منطقة الشرق الأوسط ما قد يفتح حربا كبرى على صعيد العالم، لاسيما بعد إرسال الولايات المتحدة حاملات طائراتها وغواصاتها النووية إلى المنطقة.

“بجعة سوداء” غير متوقّعة بدأ ظهورها مع الصراع الدائر على منصّة إكس الاجتماعية بين مالكها رجل الأعمال الأميركي أيلون ماسك، والرئيس الفنزويلي المنتخب نيكولاس مادورو الذي أمر بإغلاق الموقع في البلاد لمدة عشرة أيام. فغير المتوقّع في الجدال الدائر أن يُقدم ماسك على تهديد مادورو بأنه “سيحرق شواربه من الفضاء”، ورغم أن جوابه أتى في سياق “المزاح” إلا أنه فتح مجالات من التساؤلات حول الحروب المقبلة بأشعة الليزر التي تُطلق من الفضاء وتحرق من تريد، فهذا ما يعتبر بحدّ ذاته تطورا غير متوقّع في عالم الحروب القادمة.

العالم بشكل عام، أصبح فيه الدارسون والمحلّلون أكثر حذرا ويقظة استعدادا لما هو آت وما قد يحصل، خصوصا بعد تجربة قاسية وصعبة ومريرة ومكلفة يمرّ بها من خلال تلك التوترات. نظريا يبدو أن العالم بات ينتظر البجعة السوداء، وهذا مقلق وصعب، ولكن هل اكتشافها عملانيا سيكون في المدى المنظور؟

7