أين أنت يا عمار

اللصوص في عالمنا العربي لا يتقنون عملهم بشكل جيد، إذ غالبا ما تراهم يشوشون على المهنة بتصنع النشاطات الخيرية تارة، وافتعال الورع والتقوى تارة أخرى.
الثلاثاء 2022/05/17
فطنة العجوز تطيح بلص المسوغ

حتى اللصوص في عالمنا العربي لا يتقنون عملهم بشكل جيد، إذ غالبا ما تراهم يشوشون على المهنة بتصنع النشاطات الخيرية تارة، وافتعال الورع والتقوى تارة أخرى.

يعود “غياب التفاني” هذا إلى نقص في الحرفية مفاده الخلط بين الطمع في متاع الدنيا والحرص على الفوز بالحياة الآخرة.. وتكون النتيجة عندئذ، خسارة الدارين، فلا غنيمة تُرجى قبل الموت أو بعده.

ولعل أبرز مثال على من أراد المسك ببطيختين في يد واحدة، هو ذاك الحرامي الذي تسلل إلى بيت ميسور يتألف من طابقين، وتسكنه عجوز لوحدها كما يبدو من الشباك.

لم يكن اللص في حاجة إلى تشهير السلاح أو استخدام التهديد، فقد بادرته العجوز بتسليم سوارها الذهبي عن طيب خاطر قائلة: من الواضح أنك رجل شهم ولطيف، وتحتاج إلى مال، وها أنا أمنحك قطعة الذهب الوحيدة لدي لتعيل بها نفسك فلتعتبرها هدية مني إليك.

وقبل أن يهم اللص بالمغادرة، استوقفته العجوز بقولها: ومن الواضح أيها الرجل الشهم اللطيف أنك فطن، ولا شك أنك تفقه في تفسير الأحلام، لذلك أرجو أن تمنحني شيئا من وقتك الثمين لتفسير هذا الحلم الذي رأيته البارحة.. هيا لا تبخل علي بعلمك وحصافتك.

“حسنا، ماذا سأخسر في الأمر” قال اللص لنفسه، وطلب منها أن تروي عليه حلمها.

قالت العجوز: رأيت فيما يرى النائم أيها الرجل الصالح أني كنت أمشي على حافة واد سحيق محاطة بأناس طيبين من أمثالك، وفجأة انزلقت قدمي وأوشكت على السقوط لولا تمسكي بطرف غصن من الشجر وأنا أنادي بأعلى صوتي “يا عمار يا عمار.. أنقذني يا عمار”.

وما كاد اللص يسألها من يكون عمار هذا، حتى نزل ابنها “عمّار” ذو العضلات المفتولة، من الطابق العلوي، مسك باللص وانهال عليه ضربا مبرحا حتى كاد أن يموت بين يديه، وجعل أمه العجوز تشفق على اللص متوسلة ابنها “عمار.. يكفي إنك ستقتله يا عمار”.

وما كان من اللص مفسر الأحلام، ساعتها، إلا أن شاركها مناشدة عمار ولكن بقوله “عمار.. اضرب يا عمار.. أنا استأهل كل ما حل بي يا عمار”.

ومع ذلك، لم يتعظ اللصوص في عالمنا العربي من حادثة زميلهم مع أم عمار، واستمروا في محاولاتهم لـ”كسب الثواب” ومساعدة ضحاياهم ليس فقط بتفسير أحلامهم بل بإيهامهم بأنها ستنقلب إلى حقائق على شكل أموال طائلة وقصور باذخة وسيارات فخمة كما يحدث في سحوبات “الحظ العاثر” التي تطلقها برامج الفضائيات.

الفارق الوحيد هو أننا نحن -معشر الفقراء- ليس لدينا أي “عمّار” يهرع لحمايتنا، ولا بيوت مرفهة ومؤلفة من طابقين.. ولا حتى الحيلة أو الوقت لرواية أحلامنا -عفوا كوابيسناـ يا عمار الذي لن يأتي.

20