"أيقونات التشكيل بصيغة المؤنث".. كتاب ينصف الفنانات

الرباط – في كتابها الجديد بعنوان “أيقونات التشكيل بصيغة المؤنث” تسعى الكاتبة والفنانة التشكيلية المغربية لبابة لعلج إلى مقاربة الأجناس الإبداعية في اشتغال لا حدود فيه، حيث لا جدران أمام هذه المبدعة المتعددة تمنع تلاقح وتداخل التيارات والتوجهات الفنية والأدبية، من أجل إنجاز منجز متكامل عماده الحرية.
تقول لعلج في كتابها الجديد “في كل الأزمنة، هناك نساء مبدعات موهوبات. لم يكن بمقدورهن التعبير عن ذواتهن بحرية. الفنان الرجل الذي تشبث بموقعه أوقعهن في الظل. جعل من الفن امتيازه”، وتشد على أن الشغف والجسارة والموهبة والعبقرية لا جنس لها.
تحمل المؤلفة على أكتافها همّ محاربة كل أشكال الفصل والتمييز، فلا فوارق جنسية بين الإبداع بصيغة المذكر أو المؤنث. لهذا فمؤلفها الأخير هو إنصاف لأيقونات مؤنثة وجب الوقوف عندهن مليا، كنوع من رد الاعتبار لما قدمنه.
لكن نتساءل من خلال هذا الكتاب لماذا لا يتم التنصيص على صفة “الذكورية” حين الحديث عن الإبداع الرجولي؟ ولماذا كلّما آثرنا الحديث عن الإبداع النسائي إلا وحصل التبئير على صفة “النسوية”؟
يخبرنا الباحث والناقد عبدالإله الرابحي في تقديمه للكتاب بأنه “لا يحتاج الجواب إلى عناء تأمل وتفكير ما دامت المعادلة مختلّة أصلا، وأسّها الأساس لا يستمد مرجعيته إلا ضمن إدراجه في السياق التاريخي، ومنطق ‘القوة’ الذي عادة ما يتحكّم في هذا السياق باعتبار انتماء ‘الضلع الأعوج’ إلى حقل الهامش والتهميش، وأن مجرّد الحديث عن ‘المرأة’ هو خوض، بشكل ما، في ما لا ينبغي الخوض فيه، أو بتعبير أدق هو إنصات لـ’المسكوت عنه’، ذاك الذي يدبّ أنينا وتفجّعا في دروب الصمت المطبق، ولا يُسمع إلا مخاتلا أو مواربا كتلك النبتة الباحثة عن امتداداتها من بين كتل الصخر الصمّاء، والتي قالت عنها لعلج ‘…بعد أن أصبحت شجرا، ستمنح بدورها جذورها إلى الأرض”.
لم يكن هذا الكتاب وليد الصدفة، بل هو نتاج قناعة متجذرة في التاريخ لإعادة النظر في الإبداعات الفنية النسائية التي أصبحت بحضورها الفعلي تشكل حركة مشهدية في بانوراما التشكيل العالمي، لكن هذه المرة على يد امرأة مبدعة (كاتبة وتشكيلية) اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، معلنة بذلك إنصاف تجارب تشكيلية نسائية نشأت من رحم المعاناة الفكرية والوجودية.
وكما يخبرنا الناقد الفني شفيق الزكاري “فمن خلال كتابها هذا، استطاعت لعلج أن تبحر بنا في ملكوت أيقونات بصيغة المؤنث، انبثقت كفنيق من رماد لتستعيد كيانها في الوجود، ولتؤكد على قدرتها في التعبير بحاسة سادسة كانت مؤجلة في ذهنيتها لعقود، محاولة اقتطاف ثمرات رائدات من بساتين ‘نهاواند’ التي اختلطت في جنباتها روح إمكانية فرض الوجود مناصفة بين الفينة والأخرى مع الرجل، ومنتصرة في محطات أخرى لقضاياها المصيرية”.
استطاعت بالتالي لبابة لعلج أن تخرج بمؤلف جمالي يحتفي بالمؤنث في تعدده، محاولة أن ترسم بورتريهات بالصباغة والكلمات عن أيقونات نسائية كان لهن الريادة في مجالاتهن الإبداعية. إذ في معرض تقديمه لهذا المؤلف، كتب الناقد رابحي “هنا في ‘أيقونات التشكيل بصيغة المؤنث’ تكشف الشاعرة لبابة لعلج عن أسماء الشبيهات، تمنحهن فرصة التعبير بالواضح عن ذواتهن، تمنحهن حيّزا من طينتهن كي يتكلّم ‘المسكوت عنه’ بصوت جهوري، ويصرخ بقوّة في وجه قبح العالم، وهو يكشف ثنايا المنجز الإبداعي”.

وتجدر الإشارة إلى أن كتاب “أيقونات التشكيل بصيغة المؤنث” صدر في نسختيه الفرنسية والعربية ضمن السلسلة الأدبية “كتابات ولوحات” التي أطلقتها الفنانة.
ويذكر أن لبابة لعلج من مواليد فاس. توج مسارها الإبداعي عام 2019 بالدكتوراه الفخرية من طرف منتدى الفنون التشكيلية الدولي. صدرت حول تجربتها الإبداعية عدة منشورات من بينها “المادة بأصوات متعددة”، “تجريد وإيحاء”، “سيدات العالم: بين الظل والنور”. ومن مؤلفاتها الأدبية التي ترجمها إلى العربية الباحث الجمالي عبدالله الشيخ نذكر كتب “شذرات”، “أفكار شاردة”، “تصوف وتشكيل”،”شعر وتشكيل”.