أول مؤلفة موسيقية في الإمارات توجه أعمالها لنشر السلام

إيمان الهاشمي لـ"العرب": أكتب غالبا، ألحن أحيانا، أرسم نادرا، وأحب دائما.
الأحد 2023/12/24
حاليا كل طموحاتي الأدبية والفنية أن يعم السلام

الموسيقى لغة عالمية يتكلمها الجميع، تختلف وتتنوع، ولكل موسيقاه التي تحرك مشاعره وتفتح أمامه آفاق التفكير والإحساس ومناطق ربما مجهولة في ذاته. كما أن للموسيقى أدوارا كثيرة وبما أنها تشحن الهمم فهي أيضا وسيلة سلام وارتقاء إلى عالم روحي. ووعيا بأهمية الموسيقى احتضنت الإمارات مبكرا العديد من الموسيقيين المؤثرين لتصبح لاحقا بلدا منتجا ولها موسيقيوها الشباب خاصة، ومن بين هؤلاء إيمان الهاشمي التي تجمع بين عالمي الأدب والفن. “العرب” كان لها هذا الحوار معها حول تجربتها ورؤاها.

عندما تتآلف تلك المعاني الإنسانية السامية مع الموسيقى التي هي ذروة النتاج الفكري والحسّي، وتتجانس الأصوات بدرجاتها المختلفة مع فلسفة الوجود بما فيه من قوانين الفيزياء، فسندرك أن هناك انطباعات جديدة مغايرة لتلك التي خبرناها للوهلة الأولى لكل ما كنا قد قرأناه وسمعناه سابقا من الكلمات والموسيقى، حيث ستستوقفنا كل نوتة موسيقية لتضيف سحرا خاصا على كل كلمة.

هذا ما نجد أنفسنا بصدده ونحن نتناول نتاج الأديبة المبدعة وأول مؤلفة موسيقية إماراتية إيمان الهاشمي، التي جمعت بين عالمي الموسيقى والكلمة، وهو ما نكتشفه في حوارها مع “العرب”.

بدايات التلحين

الهاشمي لا ترى فرقا في معاني الفنون لأن جميعها تمثل لغة الروح التي تنطق بلسان الفن الجميل
الهاشمي لا ترى فرقا في معاني الفنون لأن جميعها تمثل لغة الروح التي تنطق بلسان الفن الجميل

العرب: إيمان الهاشمي أول إماراتية تؤلف الموسيقى الحديثة، من كان وراء هذا الإنجاز أو الإبداع؟

إيمان الهاشمي: أولا التلحين موهبة ربانية تأتي بالفطرة، أما بالنسبة إلى التعليم فهو الوجهة الصحيحة لصقل هذه الموهبة. وتعلّم التلحين من دون وجود هذه الهبة الإلهية يكاد يكون مستحيلا، حتى وإن نجح الشخص في تقديم لحن ما فربما يصل إلى الأذن خاويا أو لا روح فيه.

ثانيا لا يمكن لأيّ إنسان أن يبدع دون دعم المقربين إليه من الأهل والأصدقاء ولذلك أهلي وأصدقائي كانوا اللبنة الأولى التي دعمتني ووضعت قدميّ على الطريق الصحيح، وبالطبع لا أنسى دور دولتي الحبيبة التي كان لها الفضل الأكبر في دعم المواهب وخاصة القوى الناعمة على أراضيها، فالإمارات بيئة إبداعية من المستحيل على من يعيش عليها ألا يبدع.

العرب: وما هو أول مؤلف موسيقي لك؟

إيمان الهاشمي: أول مقطوعة كانت لأمّي فهي أول جمهوري منذ منَّ الله عليّ بهذه الموهبة، وكذلك توجد مقطوعة لأبي الغالي ولكل فرد من أفراد أسرتي الحبيبة وأصدقائي المقربين أيضا، ولا يمكن ألا أذكر مقطوعتي التي ألفتها لـ”بابا زايد” في ذلك الوقت من الزمان.

الحقيقة أن أول ظهور إعلامي لي كان في عام 2001، في المجمع الثقافي بالحفل الذي كان يقيمه المجمع، وذلك بمناسبة عودة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من رحلة علاج، فطلبوا مني أن أعزف وأعجبوا بأدائي، وإحساسي العميق بالنغمات، فقد كنت أريد أن أعبّر ببراءة عن فرحتي بعودته سالما من خلال لحن بسيط عزفته أوتار قلبي، وللمرة الأولى عزفت مقطوعة موسيقية عنوانها «بابا زايد» أمام الجمهور.

الموسيقى والروح

ب

العرب: كيف تمزجين الموسيقى الشرقية والغربية، وتبرعين في تحقيق انصهار بين أنواع مختلفة من الموسيقى. حدثينا عن تجربتك ورحلتك الموسيقية؟

إيمان الهاشمي: لا أعلم ماهية الآلية التي تدور بداخلي ولكنني أمزج بين الموسيقى العربية والغربية بحكم الفطرة والموهبة وعشقي وولعي الكبير بالموسيقى. فمثلا مقطوعة «صوت الصمت» والتي احتوت على أصوات البيانو والناي والتشيللو قمت لاحقا بتوزيعها للأوركسترا، وقد لاقت نجاحا كبيرا، أما مقطوعة «قصة حبي» فمزجت فيها بعض آلات التي لم أكن قد استخدمها من قبل، وقمت بعزفها في إيطاليا في معرض إكسبو 2015 وكنت أول إماراتية تمثل بلدها وتعزف ألحانها خارج الدولة.

أما مقطوعة «رحل مع الهاجس» فهي لحن قريب من قلبي مزجت فيه آلة البيانو مع العود والساكسفون في مقطوعة واحدة، كما مزجت آلة البيانو مع الجيتار في مقطوعة «لست وحيدا» وعزفت مقطوعة «النجاح» بتشجيع من الموسيقار نصير شمه عازف العود والملحن العراقي، وشاركته في عزفها في بيت العود عام 2011، وهنالك أيضا مقطوعة «الشهيد» التي نالت إقبالا كبيرا، وهو إهداء لجميع شهدائنا الأبرار، واستخدمت فيها الآلات الموسيقية العسكرية فقط واستبعدت آلة البيانو تماما.

 أما مقطوعة «فقط من أجلك» فقد قمت بإعادة توزيعها مؤخرا من عزف منفرد على البيانو إلى أوركسترا كاملة، وبالمناسبة لست محترفة في قراءة النوتة الموسيقية، ولكن أعرف أساسياتها بحكم الخبرة والمزاولة، فهنالك العديد من الموسيقيين البارعين الذين لم يقرؤوا النوتة مثل: ياني وبول مكارتني، ولكنني أؤمن بوجوب صقل المواهب، فقد ساعدني ولعي بالقراءة كثيرا حيث تعلمت وقرأت كتبا كثيرة في مجال الموسيقي.

على غرار الكثير من الفنانين العالميين تقر إيمان الهاشمي أنها ليست محترفة في قراءة النوتة الموسيقية

 أما عن التأليف فأنا أقوم بتلحين خط البيانو أولا في الغالب، ثم أسمع داخليا خط الآلة الأخرى، فأقوم بإضافة الآلة المناسبة ثم أضيف الآلة الثالثة والرابعة، وهكذا.. إلى أن تكتمل المقطوعة الموسيقية بشكل أوركسترالي كامل.

العرب: ينظر إلى الموسيقى دائما على أنها وسيلة للترفيه، حتى في نطاق واسع من العالم المتقدم حضاريا. لكنها جنس إبداعي له علاقته العضوية بالثقافة، ما هي رؤيتك الفكرية للموسيقى؟

إيمان الهاشمي: حسنا، الموسيقى والروح البشرية خليط واحد وجزء لا يتجزأ، ومن هنا أجزم بأن تفاعلي مع الألحان فطري وخالص، وممتلئ بأبجدية مستقلة بحروفها لتقرأها الأذن قبل العين، أما من حيث الثقافة فالموسيقى لغة الروح الإنسانية بالأساس وهي تمثل حضارة من يمارسها، وتميز الشعوب عن بعضها بألحانها وفي نفس الوقت توحدهم ولذلك لا يمكن أن تكون هنالك ثقافة من دون وجود موسيقى في داخلها.

موسيقات مختلفة

ب

العرب: الموسيقى كان لها تأثيرها العميق في حضارات العالم القديم جميعها، مثلها مثل المسرح والشعر. هل تعتقدين أن هذا التأثير تراجع؟ وما هي الأسباب؟

إيمان الهاشمي: كما نعلم جميعا بأن العصور الموسيقية اختلفت مع مرور الزمان وقد قمت بشرح ذلك بالتفصيل في كتاب كتبته عن تاريخ الموسيقى ابتداء من العصور الوسطى وعصر النهضة والعصر الباروكي والعصر الكلاسيكي والعصر الرومانسي وانتهاء بالعصر الحديث، وكل عصر له خصائص ومميزات تختلف عن العصور الأخرى. ومن هذا المنطلق لا أرى أيّ تراجع للموسيقى مطلقا، وإنما مجرد اختلاف بسبب مواكبة العصر التكنولوجي والتقنيات الحديثة وغيرها.

العرب: لماذا نادرا ما يوجد نقّاد موسيقيون، أو أنهم لا يوجدون أبدا، ليحللوا الموسيقى ويستنبطوا منها فكرا أو يعالجونها بالفكر. هل الأمر راجع إلى المستوى التجريدي للموسيقى؟

إيمان الهاشمي: ببساطة لأن الموسيقى تحاكي مختلف الأذواق فما يعجبني قد لا يعجب غيري وما يعجب غيري قد لا يعجبني، الموسيقى نسبية حتى في الشخص ذاته فقد يحب سماع لون ما في وقت ما ولا يحب سماع نفس اللون في وقت آخر، وما قد يصفه البعض بالإزعاج قد يراه البعض ذروة الجمال والدليل في موسيقى الروك الصاخبة.

والجدير بالذكر الملحن الأميركي الراحل جون كيج الذي كان يعزف بعد أن يضع المسامير بداخل البيانو ليثبت للجمهور أن الموسيقى بشتى أنواعها جميلة حتى أن ألحانه الغريبة استخدمت في أفلام الرعب، ولا ننسى أن الصمت بحد ذاته موسيقى، ففي حفل موسيقي فعلي وعلى المسرح دخل العازف ولم يلمس البيانو أساسا ثم خرج عند انتهاء مقطوعته الصامتة التي لم يعزفها.

الموسيقى والروح البشرية خليط واحد وجزء لا يتجزأ، ومن هنا فإن تفاعل الفنانة مع الألحان فطري وخالص

في جميع الأحوال بالتأكيد هناك من يشجع وهناك من يقمع، وهذا طبيعي عند حدوث أي تغيير، فالموسيقار العالمي بيتهوفن ذاته واجه الكثير من الانتقادات في عصره، حينما نقل الموسيقى من العصر الكلاسيكي إلى العصر الرومانسي، لكنه أثبت جدارته وأصبح اسمه مثالا للإبداع رغم مرور أكثر من 193 عاما على وفاته، ولذلك أجدني أنصت جيدا للنقد البناء وأهتم بالآراء التحسينية وأتشبث بمن يشجعني، والأهم من كل ذلك أنني أتبع صوت التشجيع في داخلي.

العرب: دولة الإمارات اليوم بدأت تنتج موسيقيين كما أنها تحترف إنتاج وتقديم الموسيقى بكافة أنماطها. هل الأمر يعود فقط لاهتمام الدولة بالموسيقى والفن؟

إيمان الهاشمي: دولة الإمارات كوكب للإبداع فهي منارة المواهب للعالم أجمع، وبالتالي كيف لا تُولى الموسيقى اهتماما عظيما في هذا البلد العظيم.

رسالة حب وسلام

ب

العرب: إيمان الهاشمي ليست موسيقية فقط وإنما هي أيضا كاتبة وأديبة وشاعرة ورسامة، ماذا يعني لك هذا التنوع الجميل؟

إيمان الهاشمي: لا أرى فرقا في معاني الفنون، لأنها جميعا لغة الروح التي تنطق بلسان الفن الجميل، وهذا في حد ذاته أجمل رابط يربط جميع الفنون ككل، فتبدو وكأنها في جلسة حوارية بين الأرواح باختلاف الطرق التي تتحدث بها.

 أنا أرسم إذا شعرت برغبة في احتضان الريشة والألوان وتقبيل جبهة لوحتي البيضاء من حين إلى آخر، أما الكتابة فهي جوهري الأساسي، وقد أصدرت ستة كتب إلى الآن، وقد سعيت إلى إظهار مدى الجمال الموسيقي في اللغة العربية، فتشعر وكأنك تقرأ الموسيقى بالكلمات ومن دون نوتة، فهو اتجاه جديد في أساليب الكتابة يميل إلى الديناميكية التي تعتمد على التلاعب بالحروف والكلمات، وذلك لمناقشة بعض القضايا الاجتماعية والإنسانية بطريقة ساخرة لم يعهدها القارئ من قبل.

ولذلك لديّ جملة شهير عادة ما أقولها “أكتب غالبا، ألحن أحياناُ، أرسم نادرا، وأحب دائما”.

العرب: إيمان الهاشمي مفتونة بالموسيقى، إلا أنك تحملين شهادة البكالوريوس في الموارد البشرية بتقدير امتياز، فكيف توازنين بين الأمرين؟

إيمان الهاشمي: في الواقع أنا أيضا حاصلة على ماجستير آداب في فنون الاتصال والعلاقات العامة الإستراتيجية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وأستعد بإذن الله تعالى لإعداد الدكتوراه في فلسفة الاتصال، أما عن التوازن فهذا أمر ليس بالسهل وليس بالصعب فالفراغ آفة العصر، والحمد لله لا أترك وقت فراغ لي أبدا كما أن التوفيق أولا وأخيرا هو من عنده سبحانه وتعالى.

العرب: إلامَ تطمح المبدعة إيمان الهاشمي مستقبلا سواء في الموسيقى أو الأدب؟

إيمان الهاشمي: حاليا كل طموحاتي الأدبية والفنية بأن يعم السلام في الأرض، ولا أستطيع التفكير بغير الإنسانية ونشر الخير والحب والتفاهم والتعايش بين البشر.

10