أول دراسة عربية قانونية تضع حلولا لمشكلة المنشطات الرياضية

يتصاعد التحذير من أضرار تعاطي المنشطات الرياضية في العالم على الرغم من أن معظم شركات الدواء العالمية توقفت عن إنتاجها، منذ أوائل التسعينات، إلا أن خطرا جديدا ظهر عندما بدأ رياضيون يتعاطون الاسترويدات البنائية الاندروجينية المنتجة للاستخدام الحيواني، وظهور صناعة كاملة للاسترويدات البنائية الاندروجينية المزيفة بحيث تحتوي الأقراص أو الامبولات المزورة على أي مركب بدءا بالنشا أو الزيوت النباتية وانتهاء بمواد شديدة السمية.
لكن هذه المشكلة ما زالت تؤرق الأطباء والمشرعين، وخصوصا في الدول العربية لغياب الوعاء التشريعي الذي يحتويها، ما دعا خبيرا في قوانين مكافحة المنشطات إلى وضع أول دراسة عربية تتناول هذه المشكلة وتضع الحلول لها.
ويقترح الخبير أحمد سـعد أحمد الدفراوي، وهو مواطن عراقي كان يسكن الأعظمية، قبل تهجيره وعائلته من بلده، في حديث لـ“العرب” إنشاء مختبر عربي موحد للكشف عن تعاطي المنشطات، واستحداث برامج تلفزيونية تتناول مواضيع تعاطي المنشطات الجسدية على شاشات قنوات رياضية عربية رصينة تمتلك قاعدة شعبية، وتنظيم منافسة رياضـية عربية تقدم فيها أعلى جائزة نقدية، بالإضافة إلى جوائز تقديرية قيادية في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية للرياضيين العرب الذين لم تسـجل بحـقهـم أي حالة لانتهاك قواعد مكافحة المنشطات.
|
واستطاع الدفراوي، في دراسة مقارنة أصدرها هذا العام بعنوان (المسؤولية الجزائية عن تعاطي المنشطات الجسدية في الألعاب الرياضية وآثارها في القانونين الأردني والعراقي)، أن يقـدم تصـورا قانونيا حقيقيا حول صـلاحية (المنشِّـطات الجسـدية)، كأداة لتنفـيذ فعـل الانتحـار، وأن يؤصل لفـظ (التعاطـي) لهذه المنشطات بدلا عن كلمتي (الاسـتخدام أو الاسـتعمال) عند الحديث عن توظيف المواد المنشِّـطة في الجانب الرياضـي، بصفته توظـيفا محظـورا، بينمـا يتوجـب اختيار كلمـتي (اسـتخدام أو اسـتعمال) للحديث عن توظيف المنشِّـطات للأغـراض العلاجـية، عاقدا المقارنة، بصفة علمية قانونية أكاديمية، بين نظامين قانونيين مختلفـين، هما: نظام (المدونة العالمية لمكافحة المنشِّطات) التأديبي من جانب، ونظام (التشريع الجزائي)، الذي يمثله (قانون العقوبات)، بقسميه العام والخاص من جانب آخر، في كـيفية تعاملهمـا مع قضية تعاطي المنشِّطات.
وعلى الرغم من أنه يرى وجود محددات قانونية في القانونين العراقي والأردني ومعاييـر تسعف من يستعين بها في تحديد الوصف القانوني لأنشّطة تعاطي المنشّـطات في الرياضة، إلا أنه يقول إن هذه المحددات لا تحيط بالمشكلة ولا تقدم الحلول الجذرية لها، فالمادة (410) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل، تنص على: “بالعـنف أو بإعطـاء مـادة ضـارة….”، وتقابلها المادة (330) من قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 والمعدل بالقانون رقم (8) لسنة 2011، تنص على أن إعطـاء المواد المنشّـطة للاعـبين يدخـل ضـمن معـنى (المـادة الضـارة).
وقـدّمـت الدراسة، التي وضعها الدفراوي، تصـنيفـا للمنشّـطات بالاعـتماد على ما جـاء به (المعـيار الدولـي لقائمـة المـواد والطرق المحظـورة لعـام 2010)، وهو المرجعـية الوحـيدة لمعرفـة المـواد المنشّـطة التي ورد اسـمها ضـمن قوائـم الحظر، كما قدمت الدراسـة حـلولا قانونية عملية لمشكلات وثغرات تشريعية واقعية، موجودة في نظامي (المدونة العالمية التأديبي)، و(التشريعات الجزائية)، مضيفا شـخصا جـديدا إلى (الطاقـم المعـاون للاعب)، وهـو: (مالك الصـالة الرياضـية أو الملعـب الرياضـي)، ليتحمل المسؤولية عن تعاطي الرياضيين هذه المنشطات في صالته أو ملعبه.
ورأى أن أكبر المعوقـات لاتخـاذ تدابير صارمة ضـد متعاطي المنشّـطات ومروجـيها تتمـثّل في انتـفاء الوعاء القانوني (التشـريع الجزائي الخاص)، الذي يجرم تعاطي المنشطات رياضـيا، ويجرم ترويجها، منوها إلى أنه لا يمكن توجيه أصابع الاتهام لمتعاطي المنشطات ومروجيها في حال غـياب نص قانوني.
|
وعن كيفية التصدي لظاهرة تعاطي المنشِـطات بالوطـن العربي والعـالـم، قال الدفراوي: عربيـا يمكن التصـدي لظاهرة تعاطي المنشّـطات من خلال اللجان الأولمبية الوطنية بالتنسـيق مع الاتحادات الرياضية المحلية المشـرفة على رياضة من الرياضات، وتحتكم هذه اللجان إلى قواعد المدونة العالمية لمكافحة المنشّـطات في حال أنها صـادقت عليها واعتمدتها، كما يكون باستطاعة تلك اللجان تطبيق ما جاء من أحكـام في مدوناتهـا الوطنية، إن وجدت طبعـا، وبالمقابل، تخـلو المجموعات العقابيـة العربيـة من أي تشـريع جزائي خاص يتبنى مسـاءلة من يتعاطى المواد المنشّـطة في الألعـاب الرياضـية جزائيـا. أما دوليا فيمكـن حصر الأسـاليب والأدوات الدوليـة، بالأدوات التشـريعيـة، وهي مجموعة القرارات والتشـريعات القانونيـة جزائية كانت أم تأديبية، تسـنّها دولة من الدول أو منظمة مختصة في مجال مكافحة المنشّـطات للتصـدي لظاهرة تعاطي المنشّـطات رياضـيا، ومن أمثلـة الأدوات التشـريعية (المدونـة العالميـة لمكافحـة المنشّـطات)، وهناك الأدوات المؤسـسـية، إذ تضطلع مؤسـسات وهـيئـات دوليـة ووطـنية بالتصـدي لظاهرة تعاطي المنشّـطات أو اسـتخدام الطرق المحظـورة رياضـيا، وعلى رأس هذه المؤسـسـات والهيئـات، وكالـة (ونسكو)، وأيضـا (الوكالـة العالمـية لمكافحـة المنشّطات)، فضلا عن الأدوات الرقابية.
ويحدد الفرق بين تعاطي المنشّطات والمخدرات بالنسبة للرياضـيين بأن التعاطي المستمر للمنشّطات يقود إلى إتلاف الأعضـاء الداخلـية لجسـم الإنسان مثل الكبد والقلب، بينما يتسبّب التعاطي المسـتمر للمخدرات بالتأثـير على مراكز الحـس في الجسـم وإتلاف خلايا الدمـاغ شـيئا فشـيئا، مؤكدا أن الآثار السلبية لتعاطي المنشطات الجسدية الخاصة بالرجال تتسبب في نشوء العدوانية وعصبية المزاج لدى متعاطيها وتضرّر الكليتين وتلف أوعية القلب وارتفاع ضغط الدم وحـدوث الوفـاة، فيما تتحدد الآثار السلبية لتعاطي المنشطات الجسدية الخاصة بالنساء بحدوث الاسترجال، وعدم انتظام الدورة الشهرية، واختلال هرمونات جسـم المرأة.
وأشار الدفراوي إلى أن الآثار السـلبية الضـارة لا تمس حياة الفرد فحسـب، وإنما تمس استقرار المجتمـع وتعكّـر صفوه، فإصابة فرد من أفراد المجتمع بأحد هذه الأمراض يؤثر حتما في عائلته، والبـدء بعلاجه يتطلّـب نفقـات باهظة تؤثر سلبا على اقتصاد المجتمع.
ويوصي الدفراوي بإدخال مواضيع مكافحة تعاطي المنشطات الجسدية ضمن المناهج الدراسية في المدارس الثانوية في الدول العربية، والعمـل على إنجـاز مشـروع قانـون جزائـي خـاص يناقـش نهـوض المسـؤوليـة الجزائيـة بطريق تعـاطي المنشّطات في الألعـاب الرياضية حصرا، وزيادة الاهتمام من قبل الشراح للأحكام العامة المتعلقة بقوانين العقوبات في البلدان العربية، لتناول المسؤولية الجزائية الناجمـة عن تعاطي المنشّطات بالشـرح والتحـقيق في مؤلفاتهـم، وكـتبهـم، ومـقالاتهـم، وبحوثهـم القانونية، وضرورة عـقـد النـدوات العلمـية القانونيـة والـدورات الـتدريبيـة وورش العمـل (للمحامـين، والمـدربـين الرياضـيين، بـل وحـتى للأطـباء العامـلين مـع الفـرق الرياضـية)، بهـدف زيادة معلوماتهم عن قضية تعاطي المنشّـطات في الألعـاب الرياضـية.