أوساط الأعمال اللبنانية في مأزق استفحال شحة الدولار

نمو اقتصادي متدن وعدم استقرار سياسيي يبطئان المصادر التقليدية للنقد الأجنبي ومن بينها السياحة والعقارات.
السبت 2019/09/21
الشلل يضرب أوصال الأنشطة الاقتصادية

أثار نقص السيولة النقدية وخاصة الدولار في السوق اللبنانية مخاوف أوساط الأعمال من تفاقم الأزمة بشكل أكبر في الفترة المقبلة، في ظل القيود المفروضة على عمليات السحب من البنوك خشية الانزلاق في منحدر تآكل احتياطات المركزي، والتي أجبرت بعض الشركات على إيقاف نشاطها مؤقتا.

بيروت - يختزل النقص الحاد في السيولة النقدية من الدولار جبل الأزمات والتحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد اللبناني رغم التدابير الطارئة للبنك المركزي للحيلولة دون استفحال الأزمة في النظام المصرفي.

ودفع شحّ الدولارات في السوق الرسمية الكثير من الشركات وخاصة العاملة في قطاع المحروقات إلى التوقف عن النشاط بشكل اضطراري هذا الأسبوع.

ونسبت وكالة رويترز لفادي أبوشقرة، المتحدث باسم موزعي الوقود، والذي قاد إضرابا بيوم واحد الخميس الماضي “لا نريد افتعال أزمة.. القطاع ينزف”.

وأضاف “يدفع لنا الزبائن بالليرة اللبنانية، لكننا نريد الدولارات لندفع للمستوردين. من أين نحصل على الدولارات إذا كانت البنوك لا تعطينا”.

وأدى الركود في الاقتصاد المحلي وتباطؤ اللبنانيين بالخارج في ضخ الدولارات إلى تراجع احتياطات مصرف لبنان المركزي من النقد الأجنبي، وهو ما جعل من الصعب على الشركات شراء الدولارات الذي تحتاجها من البنوك.

ويقول البعض إنهم اضطروا للذهاب إلى مكاتب الصرافة التي تبيع بسعر أعلى من السعر الرسمي البالغ 1507.5 ليرة مقابل الدولار.

ولم يشهد لبنان مثل تلك الصعوبات المالية منذ الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد من 1975 إلى 1990.

وأثار الضغط المطرد مخاوف بشأن استقرار لبنان، حيث توجد توترات سياسية، محلية وإقليمية، لم تكن أبدا بعيدة عن السطح، إضافة إلى نحو مليون لاجئ سوري تستضيفهم البلاد.

ولا تزال البنوك في لبنان تبيع الدولارات بسعر الصرف الرسمي، لكن أصحاب بعض الشركات يقولون إنهم لا يستطيعون الحصول على كميات الدولارات التي يحتاجونها.

ويثقل كاهل لبنان دين عام من أعلى المعدلات في العالم عند 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، وهو ما أجبر الحكومة على إعلان حالة طوارئ اقتصادية في محاولة للسيطرة على ماليتها العامة.

وقال وزير المالية علي حسن خليل في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي “الوضع الاقتصادي صعب لكننا لسنا دولة منهارة على المستوى المالي”.

وأضاف “نعم، لا يوجد الكثير من السيولة في العملات الأجنبية في أيدي الناس في السوق، ولا يزال سعر صرف الدولار ثابتا في البنوك”.

ولكن اتحاد المصارف اللبنانية أكد أن البنوك تلبي طلبات النقد الأجنبي والدولارات متاحة، في الوقت الذي أشار فيه المركزي إلى أن البنوك بمقدورها الاستفادة من إمداداتها الدولارية لتلبية طلبات الزبائن.

وقال رياض سلامة حاكم مصرف لبنان لرويترز “عندما يكون لدى البنوك نقص، فإنها تشتري الدولارات من المركزي”.

علي حسن خليل: لا يوجد الكثير من السيولة من العملات الأجنبية بأيدي الناس
علي حسن خليل: لا يوجد الكثير من السيولة من العملات الأجنبية بأيدي الناس

ورغم ذلك، قال ثلاثة مصرفيين اتصلت بهم رويترز، إن هناك حدا أقصى للدولارات التي يستطيعون بيعها مقابل الليرة.

وقال مصرفي بارز، طلب عدم الكشف عن هويته حتى يتحدث بحرية، “يعطي البنك المركزي حصة يومية من الدولارات لكل بنك لكن الناس يطلبون من البنوك دولارات تزيد عن تلك الحصص”.

وأوضح أنها “المرة الأولى في تاريخ القطاع المصرفي اللبناني التي لا تتم فيها تلبية الطلب على الدولارات في السوق بهذه الطريقة”.

وقالت المصادر المصرفية إنه لا توجد مشكلة في السحب من حسابات الودائع بالدولار أو الليرة.

وقالت مصرفية، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأنها ليست مخولة بالحديث علانية في المسألة، “ليست المشكلة في شح الدولارات، وإنما في الطلب المرتفع”.

وقالت مصادر في سبع شركات استيراد اتصلت بها رويترز، طلبت عدم الكشف عن أسمائها خشية تضرر أنشطة أعمالها جراء الحديث علانية، إنها تجد صعوبة أو مزيدا من التكلفة في الحصول على الدولارات.

وقال مستورد جلود إن البنوك تستغرق أياما لتحويل الشيكات بالليرة إلى دولارات، “وفي بعض الأحيان يقولون لنا آسفين، لا نستطيع تغييرها”.

ويبدو أن القيود المالية هي أحد الأسباب الرئيسية لأزمة شح السيولة، فالليرة مربوطة عند مستواها الحالي مقابل الدولار الأميركي منذ أكثر من عقدين.

وتعهدت الحكومة مرارا بالإبقاء عليها كما هي لأنها تريد تجنّب خفض لقيمة العملة قد يلحق ضررا بمدخرات الناس والقدرة على الإنفاق.

وقام سلامة، الذي يشغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ نحو ربع قرن، بتعزيز الاحتياطات منذ عام 2016 من خلال سلسلة من الإجراءات، من بينها اجتذاب تدفقات بأسعار فائدة مرتفعة على الودائع الكبيرة الطويلة الأجل. لكن ذلك امتص سيولة من البنوك.

ووسط نمو اقتصادي متدن وعدم استقرار سياسي، تباطأت المصادر التقليدية للنقد الأجنبي ومن بينها السياحة والعقارات وتحويلات اللبنانيين المقيمين في الخارج.

وهبطت الاحتياطات الأجنبية للمصرف المركزي، بما في ذلك الذهب، إلى نحو 15 بالمئة من أعلى مستوى لها على الإطلاق الذي سجلته في مايو من العام الماضي، إلى 38.7 مليار دولار في منتصف سبتمبر الحالي.

وقال البنك المركزي إنه تلقى 1.4 مليار دولار في أواخر أغسطس من مودعين من القطاع الخاص.

وفي انعكاس لضغوط متزايدة على المالية العامة للبنان، خفضت وكالة فيتش مؤخرا تصنيفها للدين السيادي للبلاد إلى عالي المخاطر، بينما أبقت ستاندرد أند بورز غلوبال تصنيفها الائتماني عند بي/بي سالب، لكنها حذرت من احتمال خفضه، قائلة إنها تعتبر أن احتياطات النقد الأجنبي كافية لخدمة دين الحكومة “في الأجل القصير”.

وفاقم وزير المالية الأربعاء المخاوف من انجرار البلاد إلى حافة الإفلاس مع تسجيل مستويات صادمة للنمو واحتمال اللجوء مرة أخرى إلى الاستدانة من الأسواق الدولية.

وقال حينها إن “النمو عاد إلى الصفر إن لم يكن سلبيا، وهذا ما زاد الضغط على مصرف لبنان المركزي بتأمين العملات الصعبة، فضلا عن أن تراكم العجز أثّر على الاستهلاك وزاد من الركود الاقتصادي”.

ورغم ذلك كله، تصر السلطات على أنها قادرة على الالتزام بسداد جميع ديون البلاد بكافة العملات.

وأكد خليل أن “لبنان ملتزم بسداد التزاماته وهو يقوم بذلك بالعملات كافة، ولم نتأخر يوما عن أداء التزاماتنا ولو ساعة واحدة”.

وفي العام الماضي، تعهدت دول أجنبية ومانحون بتقديم 11 مليار دولار إلى برنامج للاستثمار في البنية التحتية اللبنانية مدته 12 عاما، بشرط أن تنفذ الحكومة إصلاحات.

38.7 مليار دولار احتياطات مصرف لبنان المركزي من العملة الصعبة في منتصف سبتمبر الجاري

وقالت ذهبية جوبتا المحللة المختصة بشؤون لبنان لدى ستاندرد أند بورز “ربط العملة ربما يصبح على المحك إذا لم نر التزاما سياسيا قويا وتنفيذا للإصلاحات التي أُعلن عنها والتي قد يجري دعمها بصرف بعض أموال المانحين”.

والدولار والليرة عملتان متداولتان بشكل قانوني في لبنان، وهو مستورد صاف للسلع مع حاجة دائمة للدولارات لتمويل العجز التجاري والحكومي.

ومع زيادة الطلب على الدولار ترفع بعض شركات الصرافة المبلغ المطلوب من الليرة اللبنانية مقابل الدولار بشكل أعلى من هوامش الربح المحددة من مصرف لبنان المركزي.

وقال مالك شركة لبنانية للملابس إنه توقف عن استيراد خامات هذا الصيف ويعتمد الآن على مصادر إمداد محلية، ملقيا باللوم على ضعف الطلب وقلة تحويل العملة المحلية إلى الدولار في البنوك لتلبية الحاجة إلى العملة الصعبة.

وقال مستورد مشروبات كحولية “أصبح الحصول على الدولارات عملية صعبة حاليا. البنك مُصر على عدم تغيير العملة إلى دولارات. علينا أن نذهب إلى مكتب للصرافة”.

وأضاف أن شركته، التي تستورد منتجات بنحو عشرة ملايين دولار سنويا، لم تخفّض حتى الآن الواردات.

11