أوروبا تقضم تفاحة أبل بأثر رجعي

يرجح محللون أن يكون قرار المفوضية الأوروبية بإلزام شركة أبل بتسديد فاتورة ما اعتبرته تهربا ضريبيا، مجرد القمة الطافية من جبل الجليد، وأن تمتد تداعيات القرار إلى المئات من الشركات، وخاصة المتعددة الجنسيات مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت وستاربكس وفودافون، التي تدفع ضرائب لا تكاد تذكر، من خلال اتخاذ بعض الملاذات الضريبية الأوروبية مقرا لها.
الخميس 2016/09/01
حان وقت القصاص الضريبي

بروكسل – تحبس المئات من الشركات العالمية أنفاسها بانتظار تطورات قرار المفوضية الأوروبية بإلزام شركة أبل الأميركية بتسديد 13 مليار يورو (14.5 مليار دولار) لحكومة إيرلندا، بسبب المزايا الضريبية “غير القانونية” التي حصلت عليها من إيرلندا، حيث لم تدفع سوى أقل من 1 بالمئة من إيراداتها كضرائب.

ويمثل القرار نقلة نوعية كبيرة في تحقيقات المفوضية بشأن الامتيازات الضريبية التي تقدمها حكومات دول الاتحاد الأوروبي للشركات المتعددة الجنسية، والجهود العالمية لمكافحة التهرب الضريبي، التي تفجرت منذ فضيحة أوراق بنما.

وقالت مارغريته فيستـاغر مفـوضـة شـؤون المنـافسة الأوروبيـة إن “أيـرلندا منحت أبـل مزايا ضريبية غير قانونيـة وهو مـا أتـاح للشركـة سداد ضرائب أقـل كثيرا ممـا دفعتـه الشركات الأخرى طـوال سنـوات عديـدة”.

وأضافت أن “هذه المعاملة الانتقائية أتاحت لأبل سداد ضريبة شركات بمعدل 1 بالمئة فقط عن أرباحها في أوروبا خلال عام 2003 ثم انخفض المعدل تدريجيا ليصل إلى 0.005 بالمئة في 2014” أي نحو 50 يورو فقط على كل مليون يورو من الأرباح.

وتشكو الكثير من الحكومات الأوروبية من أن الكثير من الشركات الكبرى التي تحقق عوائد كبيرة على أراضيها لا تدفع أية ضرائب، من خلال لجوئها إلى ثغرات قانونية تسمح لها باتخاذ مقر في ملاذ ضريبي مثل إيرلندا أو لوكسمبورغ، التي تمنحها مزايا ضريبية.

تيم كوك: بروكسل تحاول إعادة كتابة تاريخ أبل في أوروبا وقلب النظام الضريبي الدولي

وعلى سبيل المثال، كانت عاصفة كبرى قد تفجرت في بريطانيا قبل عامين حين أظهرت بيانات أن سلسلة مقاهي ستاربكس لا تدفع أية ضرائب تذكر في بريطانيا، رغم أنها تحقق عوائد بمليارات الدولارات على أراضيها.

وينطبق الأمر على المئات من الشركات وخاصة المتعددة الجنسيات مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت وفودافون، التي ترتبط باتفاق ضريبي مع بعض الملاذات الضريبية يمنحها تسهيلات مفرطة ويسمح لها بالعمل في البلدان الأخرى دون دفع أية ضرائب.

وتشكو الشركات المحلية التي تدفع ضرائب باهظة مثل شركات التجزئة المحلية، تسكو وجون لويس وغيرها في بريطانيا، على سبيل المثال، من المنافسة غير العادلة مع شركات مثل أمازون الأميركية للتجارة الإلكترونية، التي تعرض أسعارا منخفضة لبضائعها، لأنها لا تدفع أية ضرائب تذكر.

وأطلقت المفوضية الأوروبية في 2014 تحقيقا بشأن نظام لوكسمبورغ الضريبي لمعاملة فرع شركة أمازون لديها، بسبب وضع حدود للأرباح الخاضعة للضرائب، يعفي جزءا كبيرا من أرباحها من الضرائب في لوكسمبورج، ويسمح لها بعدم دفع ضرائب في الدول الأخرى، التي تبيع بضائعها فيها. ومازال التحقيق مستمرا.

وفي ديسمبر الماضي فتحت المفوضية تحقيقا بشأن النظام الضريبي الذي وضعته لوكسمبورج لسلسلة مطاعم ماكدونالدز، لتصبح رابع شركة أميركية تخضع لتحقيقات المفوضية الأوروبية بشأن معاملتها الضريبية. ومازال التحقيق مستمرا أيضا. كما أمرت المفوضية بلجيكا في يناير الماضي باسترداد حوالي 700 مليون يورو كضرائب غير مسددة من 35 شركة متعددة الجنسية تمكنت من خفض حجم أرباحها الخاضعة للضرائب وفقا لنظام ضريبي يعرف باسم “فقط في بلجيكا” دون أن تتمتع الشركات المحلية بهذا النظام. وطالبت المفوضية كل الدول الأعضاء في الاتحاد وعددها 28 دولة بتقديم قائمة بكل الشركات التي حصلت على معاملة ضريبية خاصة خلال الفترة من 2010 إلى 2013 ومن الممكن أن تتحول التحريات إلى تحقيقات رسمية بصورة أكبر.

مارغريته فيستاغر: دبلن أتاحت لأبل سداد 0.005 بالمئة فقط كضرائب على الأرباح في 2014

ويقول محللون إن تداعيات القرار يمكن أن تمتد إلى مئات الشركات الكبرى والمتوسطة، وربما آلاف الشركات الصغيرة، التي تشحن بضائعها إلى جميع البلدان الأوروبية من ملاذات ضريبية داخل الاتحاد.

أما شركة أبل فقد أكدت عزمها استئناف الحكم الأوروبي وقالت إن النزاع الضريبي مع الاتحاد الأوروبي بشأن المزايا الأيرلندية قد يستغرق سنوات قبل الوصول إلى تسوية نهائية. واتهم تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل المفوضية الأوروبية بمحاولة “إعادة كتابة تاريخ أبل في أوروبا وتجاهل القوانين الضريبية الأيرلندية وقلب النظام الضريبي الدولي في هذه العملية”.

الغريب أن حكومة إيرلندا رفضت بشدة القرار، الذي يدر عليها 13 مليار يورو، بسبب خشيتها من انسحاب جميع الشركات التي تتمتع بالمزايا الضريبية على أراضيها، إذا فقدت تلك المزايا، وقد أعلنت بالفعل أنها ستطعن بذلك القرار.

وتصر حكومة دبلن على التزامها بالقواعد العادلة وأنها لا تمنح أبل معاملة تفضيلية. وتوظف الشركة حوالي 6 آلاف موظف في مكاتبها بمدينة كورك الأيرلندية وهو ما يزيد عن 1 بالمئة من سكان المدينة.

وقال وزير المالية الإيرلندي مايكل نونان إن على دبلن “الدفاع عن كرامة نظامها الضريبي والتصدي لمحاولة المفوضية التجاوز في القواعد المنظمة للدعم الحكومي والاختصاص الضريبي السيادي للدول الأعضاء”.

10