أوروبا أمام تحدي القتال بمفردها دون دعم الولايات المتحدة

الاتحاد الأوروبي يعمل في مشروعات مشتركة لتطوير الأسلحة لكنه يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل ليكون له أي استقلال عسكري عن واشنطن.
الأربعاء 2020/11/18
عقبات أمام الاستقلالية الدفاعية 

بروكسل- قد يكون زمن دونالد ترامب ماضيا إلى نهايته، لكن اجتماع وزراء الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع لمناقشة مستقبل الدفاع عن القارة سيبعث برسالة مفادها أن التكتل تعلم الدرس: أوروبا تحتاج إلى أن تكون قوية بما يكفي لأن تقاتل بنفسها.

وسيتلقى اجتماع وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي عبر الهاتف يومي الخميس والجمعة، أول تقرير سنوي للتكتل عن القدرات الدفاعية المشتركة، وهو التقرير الذي من المتوقع أن يكون أساس جهد تقوده فرنسا في فترة ما بعد بريكست وما بعد ترامب لتحويل الاتحاد الأوروبي إلى قوة عسكرية قائمة بذاتها.

ويقول دبلوماسيون أوروبيون إن الرئيس المنتخب جو بايدن لن يستمر في مواجهات سلفه الكلامية مع الحلفاء، لكنه لن يغير الرسالة الأميركية الأساسية القائلة إن أوروبا تحتاج للإسهام بنصيب أكبر في الدفاع عنها.

8 مليارات يورو التخصيصات الأوروبية لتطوير صناعة الأسلحة

وأكد دبلوماسي فرنسي “لم نعد نعيش في الواقع القديم الذي كان يمكننا أن نقول فيه إن رئاسة دونالد ترامب لم تحدث، وأن العالم كما كان قبل أربع سنوات”، فيما أشار مسؤول في الاتحاد الأوروبي إلى أن فوز بايدن “نداء لأوروبا للاستمرار في بناء دفاع مشترك عن الاتحاد الأوروبي، وأن تكون حليفا مفيدا وقويا أيضا لحلف شمال الأطلسي”.

ويعمل الاتحاد الأوروبي منذ ديسمبر 2017 على تطوير قوة عسكرية أكبر بشكل مستقل عن الولايات المتحدة. ووقفت فرنسا بالأساس وراء هذا الجهد باعتبارها القوة العسكرية الكبيرة الوحيدة الباقية في الاتحاد الأوروبي بعد بريكست.

وخلال عضوية بريطانيا، اتجهت لندن إلى مقاومة دور عسكري أكبر للاتحاد الأوروبي، مركزة عوضا عن ذلك على حلف شمال الأطلسي باعتباره المنتدى الرئيسي للدفاع الأوروبي.

ويتيح خروجها فرصة لباريس للضغط من أجل طموحات قديمة لاضطلاع الاتحاد الأوروبي بدور أكبر في الدفاع، وذلك في ظل وجود دعم أكثر حذرا من برلين.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع مجلة الأحد “لن تحترمنا الولايات المتحدة كحلفاء إلا إذا كنا جادين في موقفنا وكانت لنا السيادة على شؤوننا الدفاعية”.

وكان ترامب مناوئا على الملأ لحلف شمال الأطلسي، وكان ينتقد باستمرار الدول الأوروبية بسبب إنفاقها القليل جدا على الدفاع، ووصف الحلفاء الذين ينفقون أقل من اثنين في المئة من الناتج القومي على الدفاع بأنهم “مقصرون”. لكن الإدارات الأميركية السابقة أيضا طالبت أوروبا بإنفاق أكبر.

فرنسا تقود جهودا لتحويل الاتحاد الأوروبي إلى قوة عسكرية قائمة بذاتها
فرنسا تقود جهودا لتحويل الاتحاد الأوروبي إلى قوة عسكرية قائمة بذاتها

وفي مقال مشترك لوسائل الإعلام الأوروبية والأميركية الاثنين، قال وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني إنهما يلتزمان “بجعل الشراكة العابرة للمحيط الأطلسي أكثر توازنا”.

وفي أواخر الأسبوع الماضي، قال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي لسفراء الاتحاد الأوروبي في حديث خاص، إن التكتل يحتاج إلى “ممارسة لغة القوة، لا أن يتحدث بها فقط”.

ويقول خبراء إنه في حين يعمل الاتحاد الأوروبي بالفعل في مشروعات مشتركة وسيخصص ثمانية مليارات يورو (9.46 مليار دولار) اعتبارا من العام المقبل لصندوق لتطوير الأسلحة، فإنه يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل ليكون له أي استقلال عسكري عن واشنطن.

وتثور خلافات كذلك بين فرنسا وألمانيا في وقت ينظر فيه إلى ألمانيا باعتبارها أكثر تشاؤما إزاء المبادرات خارج حلف شمال الأطلسي.

وقالت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارينباور إن الأوروبيين لا يمكنهم أن يأملوا في بديل لأنظمة الأسلحة النووية الدفاعية الأميركية، مشيرة إلى أن أوروبا على سبيل المثال، تعتمد بما يقرب من 100 في المئة على الولايات المتحدة في ما يتعلق بالدفاع بصواريخ باليستية، فضلا عن أن الأميركيين يوفرون الجزء الأكبر من الأسلحة النووية.

وترى كلوديا ميجور، الخبيرة الأمنية في مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية وكريستيان ميلينغ، من باحثي الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية في مسائل الدفاع، أن الجيش الأوروبي المشترك “مشروع سابق لأوانه”.

وتقولان في بحث مشترك “المشكلة الرئيسية هي أن لدى باريس وبرلين أهدافا مختلفة من تنفيذ هذه المبادرة. فحالما تنتقلان من الأقوال إلى الأفعال، سينشأ بينهما احتكاك وتوتر”.

الرئيس المنتخب جو بايدن لن يستمر في مواجهات سلفه الكلامية مع الحلفاء، لكنه لن يغير الرسالة الأميركية الأساسية القائلة إن أوروبا تحتاج للإسهام بنصيب أكبر في الدفاع عنها

وتضيفان “القيادة الألمانية الحالية ترى في الجيش الموحد خطوة أخرى نحو التكامل السياسي للكتلة، وطريقة إضافية لضمان السلام بين الدول الأعضاء. بينما في باريس، ينظرون إلى الجيش الأوروبي الموحد كعنصر إضافي في الاتحاد الأوروبي للدفع بمصالحه في مناطق نفوذه.. هناك فرقان دقيقان آخران يعقّدان تنظيم جيش أوروبي موحد: أولاً، وجود جيش واحد يختلف كليا عن حصيلة تجميع جيوش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. فالأمر يحتاج إلى إنشاء قيادة وتنسيق قتالي وبالطبع إلى المال”.

ولذلك يبقى تكوين جيش أوروبي موحد في باب الطموحات ويبقى الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى الدعم و الحماية الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

ويؤكد خبراء على إيجاد المزيد من التعاون والتكامل الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي خاصة في مجال الدفاع، ليس فقط في الصناعات العسكرية، بل بالتسلح والتدريب والمهام القتالية من خلال المناورات ودمج بعض الوحدات العسكرية، رغم عامل اللغة، وهذا ما فعلته ألمانيا وهولندا.

5