أوبك+ في مهمة ليست سهلة لمجاراة مرحلة ما بعد ترامب

التقطت صناعة النفط العالمية فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية بالكثير من القلق الممزوج بالغموض جراء ما أعلنه المرشح الديمقراطي من سياسات خلال حملته تجاه هذا القطاع، الذي يعاني من مطبات كادت تفقده توازنه منذ تراجع أسعار الخام. ومع اقتراب دخول الرئيس الـ46 للولايات المتحدة إلى البيت الأبيض تبدو مهمة منظمة أوبك والمنتجين خارجها في ما يعرف بأوبك+ ليست سهلة لمجاراة استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة.
لندن/دبي- لطالما أراد الرؤساء الأميركيون أن تكون الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا عندما يتعلق الأمر بالنفط، وبعد فوز المرشح الديمقراطي بهذا المنصب، فإن المحللين يعتقدون أن لديه أجندة مماثلة ولكن مع تركيز إضافي على الطاقة النظيفة.
وخلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، باتت الولايات المتحدة أكبر منتج للطاقة في العالم، متجاوزة السعودية وروسيا، وهما اللتان تقودان تحالف أوبك بلس في إنتاج الخام، كما أصبحت مُصدرا للنفط، عند تضمين المنتجات المكررة مثل الديزل ووقود الطائرات والبنزين.
والآن وبعد أن انتهت الانتخابات، أمام بايدن فرصة سانحة لتنفيذ التغييرات السياسية التي وعد بها تجاه صناعة النفط، وهذا ما يجعل المنتجين في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشركائهم من خارجها يترقبون بقلق الخطط المزمعة تنفيذها.
وترجح باتي دوم المحررة المتخصصة في الأسواق في شبكة “سي.أن.بي.سي” الأميركية أن تكون أجندة بايدن عكس إرث سلفه دونالد ترامب في ما يتعلق بالمناخ لتحقيق بعض المكاسب السهلة، مثل إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس، لكنها ستصبح أكثر تعقيدا حيث تقوم إدارته بالمزيد من تقليص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري نحو الصفر.
خسارة الصديق ترامب
أبدى أعضاء رئيسيون في أوبك خشيتهم من تجدد التوترات داخل تحالف أوبك بلس في ظل رئاسة بايدن للولايات المتحدة، وقالوا إنهم سيفتقدون ترامب الذي تحوّل من انتقاد المنظمة إلى مساعدتها في تطبيق خفض ضخم غير مسبوق على إنتاج النفط.
ويقول دانييل يرغين نائب رئيس آي.أتش.أس ماركت إن الولايات المتحدة باتت مستقلة في قطاع الطاقة، فتسعة رؤساء منذ ريتشارد نيكسون كانوا يطالبون باستقلال الطاقة، وقد “حققنا ذلك أخيرا، والآن سنرى ما سيحدث”.
ووفقا لبيانات الحكومة الأميركية، بلغ إنتاج الولايات المتحدة من النفط ذروته عند 13.1 مليون برميل يوميا هذا العام، قبل أن ينخفض بسبب أزمة الوباء، ليصل لفترة إلى أقل من عشرة ملايين برميل يوميا، لكن متوسط الإنتاج كان بحدود 10.6 مليون برميل يوميا خلال الأسابيع الأربعة الماضية.
وقد يُحدث بايدن تغييرات في العلاقات الدبلوماسية مع ثلاثة أعضاء رئيسيين في أوبك، وهي السعودية، أكبر منتج في المنظمة، وإيران وفنزويلا الخاضعتين لعقوبات، وكذلك مع روسيا، المنتج الرئيسي غير العضو في أوبك، باعتبارها أكبر منتج للنفط بين الدول المتحالفة مع المنظمة، في إطار ما بات يعرف بمجموعة أوبك بلس.
وأدت العقوبات الأحادية الجانب التي فرضها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على إيران وفنزويلا إلى سحب حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا من النفط الخام من الأسواق الدولية، أي ما يزيد قليلاً عن 3 في المئة من الإمدادات العالمية.
وحجب التطبيق الصارم للعقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا الملايين من براميل النفط عن السوق، وإذا قرر بايدن تخفيف الإجراءات على أي من البلدين في الأعوام المقبلة فإن زيادة الإنتاج قد تزيد من صعوبة مضاهاة العرض للطلب من جانب أوبك.
وأكد بايدن مرارا أنه يفضل الدبلوماسية متعددة الأطراف على العقوبات الأحادية التي فرضها ترامب، لكن هذا قد لا يعني تخفيف العقوبات قريبا. وخلال حملته، قال إنه سيعود إلى الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015 إذا عاودت طهران الالتزام به.
وكان ترامب انسحب من الاتفاق في 2018، ليعيد فرض العقوبات التي قلصت صادرات إيران النفطية. ويخشى البعض في أوبك من أن تزيد عودة الإمدادات الإيرانية تخمة المعروض ما لم تقابلها تخفيضات في أماكن أخرى، ولديهم بواعث قلق حيال استمرار مشاركة موسكو في أوبك بلس.
وكانت وكالة رويترز قد حصلت على معلومات من مصدر في أوبك قبل اتضاح نتيجة الانتخابات قال فيها إن “عقوبات إيران قد يعاد تقييمها وعندئذ ستعود إلى السوق، ومن ثم ستعود تخمة المعروض وسيكون اتفاق الخفض الحالي في خطر”.
ولم يخف المصدر قلقه حين أكد أنه يوجد أيضا خطر انسحاب روسيا من اتفاق أوبك بلس وهو ما يعني انهيار الاتفاق، إذ أن ترامب هو الذي أقنع موسكو بالمشاركة.
خطر عالمي
يقول بايدن عن روسيا إنها مصدر أخطر تهديد عالمي تواجهه واشنطن وتعّهد أثناء حملته الانتخابية بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية. وهذا الكلام يعطي سببا كافيا للمحللين بأن الرئيس الجديد سيغيّر أسلوبه مع كبار المنتجين ولو أنه سيحافظ على العلاقات الاستراتيجية لبلاده مع الرياض، التي تقود تحالف أوبك بلس.
وشارك ترامب في أبريل الماضي، في محادثات أفضت إلى اتفاق تعاونت بموجبه منظمة أوبك والسعودية مع منتجين حلفاء بقيادة روسيا لإجراء خفض ضخم غير مسبوق على معروض النفط في ظل تفشي فايروس كورونا الذي عصف بالطلب.
وتدخل الرئيس المنتهية ولايته وضغط سياسيا على السعودية وروسيا لإنهاء نزاع أوقد شرارة حرب أسعار أفرزت خططا لكلا البلدين لزيادة الإنتاج بينما كانت الجائحة تقود إلى قيود على السفر ومن ثم على طلب الوقود.
وكانت النتيجة اتفاقا عالميا غير مسبوق لتقليص المعروض النفطي حوالي 20 مليون برميل يوميا، بما يعادل نحو عشرين في المئة، وقد اتفق تحالف أوبك بلس وحده على خفض قدره 9.7 مليون برميل يوميا.
وبالنسبة لترامب، تمثل الدافع في رفع أسعار النفط العالمية والحيلولة دون حدوث إفلاسات للشركات العاملة بالقطاع وفقد مئات الآلاف من الوظائف في صناعة الطاقة الأميركية قبيل الانتخابات.
ويعتبر ترامب نصيرا قديما لصناعة النفط والغاز، وقد ألغت إدارته لوائح بيئية ورفضت الرأي العلمي السائد في ما يتعلق بارتفاع درجة حرارة الأرض من جراء الانبعاثات.
وقد انتقد الرئيس ترامب مساعي أوبك لرفع الأسعار وحثّ الأعضاء على ضخ المزيد. ولم يُقر مشروع قانون مناهض لمنظمة أوبك عُرف باسم “نوبك” طُرح للمرة الأولى قبل سنوات رغم اكتسابه بعض الزخم مع بداية رئاسته.
وقال مصدر كبير في أوبك، وهو عضو حليف للولايات المتحدة، لرويترز “أصبح ترامب صديقنا.. بعد التحول التاريخي في المواقف.. من نوبك إلى فن الصفقة”، مشيرا إلى اتفاق أوبك بلس بارتباط مع كتاب شهير من تأليف الرئيس المنتهية ولايته نُشر في 1987.
عواقب وخيمة
لقد أقام ترامب علاقة وثيقة مع السعودية أكبر منتج في أوبك، وخاصة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي تعتمد بلاده على الأسلحة الأميركية والتعاون الاستراتيجي في مواجهة إيران، التي نشرت أذرعها في دول المنطقة وخاصة في العراق وسوريا واليمن.
ورغم معارضة الإدارة الأميركية السابقة في البداية، شرع تحالف أوبك بلس في دعم أسعار النفط منذ 2017، وأي تطورات تهدد مستقبل التحالف قد تُضعف السوق، وهو ما ستكون له عواقب وخيمة على أوبك والمنتجين الآخرين والحكومات والمتعاملين.
وانخرط ترامب في شؤون أوبك بنشاط أكبر من أي من أسلافه، إذ دأب على التغريد في حسابه على تويتر للتعليق على قرارات الإنتاج وتحركات سعر النفط، في حين من المتوقع أن يحتفظ بايدن بمسافة بينه وبين المنظمة.
وقال شكيب خليل، وزير النفط الجزائري لعشر سنوات ورئيس أوبك السابق، “أرى أن بايدن سيكون أكثر اعتمادا على المشورة المتخصصة من مستشاريه ولن يلجأ إلى الإدارة التفصيلية على غرار ترامب”. وأضاف “لن تكون لبايدن العلاقة الدافئة مع بوتين التي يبدو أنها لترامب”.
لكن رغم تصريحات بايدن عن العلاقات الأميركية السعودية، من المستبعد فتح صفحة جديدة تماما. وأبلغت مصادر خليجية ودبلوماسية رويترز أن فوز بايدن لن يقوّض تحالفات قائمة منذ عقود.
ورحب مصدر مطلع على سياسة النفط الإيرانية بفوز بايدن، لكنه شكك في أن يرفع العقوبات سريعا. وسيعطي هذا أعضاء أوبك بلس فترة كافية لتعديل اتفاقهم بما يفسح المجال لمزيد من النفط الإيراني.
وقال “حتى إذا رُفعت العقوبات عن إيران، فسيستغرق الأمر من شهرين إلى أربعة أشهر كي تعود صادرات النفط الإيرانية إلى مستويات ما قبل العقوبات لأسباب فنية.. لذلك، أمام أوبك بلس وقت كاف للاتفاق على سقف إنتاج جديد”.