أنقرة تسعى لتجريب "أس – 400" وباتريوت في النزاع السوري لأهداف مختلفة

تعيش تركيا حالة من «التيه» العسكري بعد أن سببت لها الصفقة التي أبرمتها مع روسيا حول منظومة الصواريخ أس – 400 الكثير من المشاكل حيث أكدت واشنطن أنها تدرس تقديم الدعم الذي طلبته أنقرة المتمثل في تزويدها بصواريخ باتريوت. لكن ذلك يبقى رهين توافق المنظومة الأميركية مع الروسية في وقت يحتدم فيه الصراع بين دمشق وأنقرة حيث تسعى الأخيرة إلى استعمال المنظومتين معا في الحرب السورية لأهداف مختلفة.
إسطنبول (تركيا)- قال جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص بسوريا، الخميس، إن شراء تركيا أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية أس- 400 مصدر قلق كبير لواشنطن، وذلك في وقت تحاول فيه أنقرة حشد الدعم الأميركي والأوروبي لمواجهتها مع روسيا والجيش السوري في إدلب. وبالرغم من حديثه عن وجود قلق أميركي حيال صفقة تركيا مع روسيا لم يُخف جيفري محاولات بلاده بحث سبل دعم أنقرة التي تكبّدت خسائر فادحة في سوريا.
ويُرجع متابعون أسباب عدم مساعدة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتركيا في سوريا إلى عدم توافق منظومة الصواريخ أس- 400 مع دفاعات الناتو، وكذلك مقاتلات الشبح من طراز أف- 35 الأميركية.
وتبدو واشنطن منقسمة بسبب طلبات تركيا من ناحية وتحركاتها الميدانية والتجارية والعسكرية من ناحية أخرى حيث قال جيفري مخاطبا لجنة معنية بإدلب في إسطنبول “لا يوجد إجماع في الآراء بواشنطن بشأن ما يجب عمله وسرعة القيام به. لا يزال الأمر قيد البحث”. ووصف مسألة أس- 400 بأنها “مصدر قلق بالغ للكونغرس الأميركي ولمؤسستنا الدفاعية”.
ويؤكد خبراء عسكريون أميركيون أن صواريخ باتريوت الأميركية التي تريد أنقرة أن تزوّدها بها واشنطن لا تتوافق مع المنظومة الروسية التي تحصلت عليها تركيا.
ويرى متابعون للشأن التركي والسوري أن أنقرة تريد استخدام سلاح الولايات المتحدة وروسيا معا في النزاع السوري حيث تحارب الأكراد الذين كانوا يتمركزون في الشمال السوري بالسلاح الروسي، بينما تواجه قوات النظام وحلفاءه الروس وطائراتهم بمنظومة الصواريخ الأميركية.
وتؤكد هذه التخمينات ازدواجية الخطاب الذي تعتمد عليه أنقرة حيث تحاول الحفاظ على علاقة الود التي تجمعها بموسكو وعدم إغضاب الولايات المتحدة للتمكن من الحصول على السلاح الأميركي وبالتالي يكون لدى تركيا سلاح العدوين، الولايات المتحدة وروسيا، في الساحة السورية، وهو ما يبدو مرفوضا في واشنطن.
وكانت تركيا قد خاضت في وقت سابق عمليات عسكرية ضد الأكراد شمال شرق سوريا، واحتاجت آنذاك إلى دعم أوروبي وأميركي دبلوماسيا ودعم روسي عسكريا. وهو ما تحقق لها حيث لم تعارض الولايات المتحدة، عكس العديد من الدول الأوروبية، التوغل التركي في الأراضي السورية بينما تتباهى أنقرة بمنظومتها التي اشترتها من روسيا لضرب الأكراد.
وتأتي تصريحات المسؤول الأميركي في وقت تسعى فيه أنقرة إلى تحجيم قدرات النظام السوري وحليفه الروسي الجوية بعد أن تلقت ضربات قاصمة من سلاح الجو السوري الذي قتل في ضربة واحدة 34 جنديا تركيّا استهدفت نقطة مراقبة في إدلب.
وتقول واشنطن إنها لن تستطيع تقديم الدعم المطلوب لتركيا لطالما لا تتوافق منظومة أس- 400 مع دفاعات الناتو ومع منظومة صواريخ باتريوت الأميركية التي تطلبها أنقرة لإيقاف نزيف قواتها في إدلب. وقال جيفري الذي لوحت بلاده في وقت سابق بفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة أس- 400 إن الولايات المتحدة عرضت بالفعل مساعدة إنسانية، وإنها تتشارك المعلومات مع تركيا وتضغط على الحلفاء الأوروبيين لتقديم مساهمة كبيرة.
وأضاف جيفري أن بلاده مستعدة لتزويد تركيا بالذخيرة والمساعدات الإنسانية في شمال غرب سوريا الذي يشهد قتالا متصاعدا يُخشى أن يتحوّل إلى مواجهة مباشرة بين تركيا التي تدعم فصائل مسلحة وروسيا حليفة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال جيفري للصحافيين في إقليم هاتاي على الحدود التركية إن الولايات المتحدة ستعمل على التأكد من تجهيز العتاد الأميركي الصنع للجيش التركي.
ومن جانبه قال السفير الأميركي لدى تركيا ديفيد ساترفيلد في نفس المؤتمر الصحافي إن واشنطن تبحث طلب أنقرة للحصول على دفاعات جوية، لكنّ حدوث ذلك يبقى رهين تقييمها لشراء تركيا منظومة الأس- 400. وقال “نحن مستعدون لتقديم الذخيرة لتركيا” مضيفا أن المسؤولين الأتراك “شددوا” على مساعدات إنسانية.
وتأتي هذه المستجدات في وقت يحتدّ فيه الصراع في إدلب السورية حيث أسقطت تركيا العديد من الطائرات السورية هناك، فيما ردّت دمشق بالمثل من خلال إسقاط طائرات مسيرة للجيش التركي، وتواصل استهداف الجنود الأتراك ما أسفر عن مقتل جنديين الخميس. ومن جهته قال ساترفيلد دون الخوض في تفاصيل إن واشنطن تدرس طلب تركيا الخاص بالحصول على دفاعات جوية في ظل شراء منظومة أس- 400 الروسية.
تصريحات جيفري تأتي في وقت تسعى فيه أنقرة إلى تحجيم قدرات دمشق بعد أن تلقت ضربات من سلاح الجو السوري
وقال جيفري إن الولايات المتحدة “تتشاور بشكل مكثّف مع الأتراك، وسندرك طبيعة المواقف الدبلوماسية التي سيتخذونها عندما يتوجه الرئيس التركي لمقابلة نظيره الروسي فلاديمير بوتين”. وتجد أنقرة اليوم نفسها حائرة لاسيما بعد شروعها في وقت سابق في تسلم قطع وصواريخ الأس- 400 والتي باتت مصدر قلق لتركيا.
وجعلت هذه الصفقة، التي أبرزت عند إبرامها توافقا تركيا روسيّا غير مسبوق، حلفاء أنقرة يبتعدون عنها حيث خيّروها بين البقاء في الناتو أو الحفاظ على تحالفها مع روسيا.
وبالرغم من الإنذارات الأميركية التي رافقت عملية شراء أنقرة لمنظومة أس- 400 فإن تركيا تحدت واشنطن وتجاهلت تحذيراتها بشراء المنظومة الروسية.
وحذّرت الولايات المتحدة تركيا في أغسطس الماضي من “عواقب سلبية” إذا لم تتخلّ عن شراء منظومة أس- 400 الصاروخية الروسية التي تعتبر الإدارة الأميركية أنّها تتعارض مع رغبة أنقرة في شراء طائرة الشبح الأميركية الجديدة من طراز أف- 35.