أنطونيو ماتشادو الشاعر الذي غيرت زوجته طريقته في الكتابة

عمان – يقدم كتاب “خطوات وأروقة وقصائد أخرى يليه حقول قشتالة” للشاعر أنطونيو ماتشادو ترجمة عربية جديدة قام بها خالد الريسوني لواحد من رموز الحداثة الشعرية الإسبانية.
إن المسار الشعري لماتشادو ينطلق من الشعر باعتباره رصدا للزمني الذي يتحقق عبر اللغة وخارج الزمن. إذ يتوسل أحيانا بالذاكرة ليعيد ترتيب الوجود، وأحيانا أخرى يتوسل بالحلم وبالحياة في حركيتهما وتداخلهما لينسج لنا فرادة القصيدة في رحلتها الاستكشافية عبر مجاهل الوجود واللغة وهما تحاوران ذكريات الطفولة بإشبيلية وصور الشباب وهو يخطو بإصرار باتجاه الحب والحرية في أرض قشتالة.
ولد ماتشادو بإشبيلية 1875، في كنف أسرة مثقفة، ليبرالية وتقدمية من جهة أبيه، وقد أثر أبواه وأجداده بشكل عميق في حساسيته وفي اختياراته وفي تنشئته، وهو بالكاد يذكرهم في أعماله.
وكان ماتشادو يتمتع بموهبة لا توصف، وكان شعره جزءا من جيل 1898 في إسبانيا، وقد تأثر كذلك بشقيقه مانويل ماتشادو، الذي كان هو الآخر شاعرا.
كما نقرأ في النصوص المترجمة في هذا الكتاب الصادر عن دار خطوط وظلال بعمان، نلاحظ تأثير حياة الشاعر بشكل كبير في قصائده، إذ انعكست تفاصيل تنقلاته ودراسته والشعراء والأدباء الذين عاصرهم عليه بشكل لافت، وهو الشاعر الذي ثار على كل من أثروا فيه ليخط لنفسه نهجا خاصا.

أفكار وعبارات ماتشادو ظلت تركة للبشرية
وتميزت حياة الشاعر الجامعية بتأثير بعض أساتذته الذين حافظ على علاقته بهم بما فيها من عاطفية وحب كبير وعرفان بالجميل، ومع ذلك، لم يشعر مطلقا كما بيّن أكثر من مرة بالراحة في الكلية أو المدرسة وما تقدمانه؛ وهذا ما اعترف به في سيرته الذاتية قائلا “ليس لدي أي أثر سوى النفور الشديد من كل شيء أكاديمي”.
وعكس أنطونيو في أعماله ذكريات طفولته وأسفاره وحبه ومغامراته متحديا الأطر الرومنسية التي كانت متداولة بشدة في الأدب الإسباني أواخر القرن التاسع عشر، وقد ألف مجموعة بعنوان “ذاكرة الطفولة” وهي من بواكير كتبه الشعرية، تأكيدا على أهمية النهل من الطفولة التي رافقت حتى قصائده المتمردة لاحقا.
وخلال السنوات الأولى من حياة الشاب ماتشادو عاش لحظات خاصة خلدها من خلال الكتابة ومن بين هؤلاء شخصية والده الذي كان في مكتبه، والأماكن التي كان يتردد عليها في أيامه البريئة.
وكان الاتجاه الشعري للحداثة هو ما يميز نصوص الشاعر في بداياتها، فقد اعتاد على الكتابة بطريقة غامضة ومكررة، مثلما فعل في قصائد العزلة التي نُشرت عام 1903، والتي رسخت اسمه كواحد من التجارب الشعرية الجادة حينها.
لقد تعامل مع الرومانسية وتفكيره العميق ببراعة، مكنته من التميز مقارنة بأبناء جيله، إذ تميزت نصوصه بما قدمته من التقاطات ساحرة للبيئة وكآبتها بكلمات مختارة بعناية.
من الحنين إلى الماضي والأصالة واليوتوبيا التي كانت سمات الاتجاه الأدبي لشعراء مطلع القرن الماضي، وكانت أيضا أساسا لظهور بعض إنتاجات ماتشادو نفسه؛ مستوحى من إسبانيا وحبه لزوجته ليونور، نجد الشاعر ينقلب على نفسه ليخوض في مناطق فلسفية رحلة شعرية قاسية.
الرومانسية انقلبت لاحقا عند الشاعر إلى قصائد مشحونة بألم عنيف، فمن الواضح أن ماتشادو انعكست مشاعره بعد موت زوجته وتقهقر أمنياته للمضي قدما كما أنها كانت تثير الأمل في كثير من الكتابات.
وبدأ مرحلة جديدة مع كتابه “كامبوس دي كاستيلا”، وهو كتاب قصائد نُشر عام 1912، يُعبَّر فيه عن طبيعة الأراضي الإسبانية والحياة الصعبة فيها، ويصف واقعا مأساويا.
وكانت خصائص الحداثة واضحة في قصائده ولو أنه كان يرسخ إبداعه من باب الكآبة واللغة الأرستقراطية، إلا أنه اهتم بأدق التفاصيل حتى أن قصائده تشابه في أحيان كثيرة اليوميات أو اللقطات السينمائية.
وسيطرت الرمزية وأسئلتها الوجودية على قصائد ماتشادو، التي اختار منها الريسوني نصوص الكتاب الجديد للشاعر، الذي استغل في نصوصه كل التفاصيل محولا إياها إلى شعر يشبه السيرة الغنائية، فيما حاول الحفاظ على الموسيقى في أبياته، هكذا كان أسلوبه الذي رسخ حميمية كبيرة في شعره، الذي وإن انطلق من الذات فإنه لا يكتفي بها.
وظلت أفكار وعبارات ماتشادو تركة للبشرية، بدأ هذا الكاتب المسرحي والشاعر الإسباني، وهو عضو في الحركة الأدبية أطلق عليه اسم الجيل 98، في التيار الحديث، وتحول في وقت لاحق إلى شاعر غنائي مع محتوى رمزي وفلسفي. فيما اعتبرت أعماله من بين أهم الأعمال في الأدب الإسباني لما امتازت به من رؤية واضحة وأسلوب فريد.
