أندي وارهول فنان متعدد المواهب حول المهملات والسلع إلى أعمال فنية

"فنان القمامة" الذي أصبح نجم تصميم الإعلانات في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
الجمعة 2025/06/13
من رسام المهملات إلى رسام أشهر الإعلانات

أندي وارهول أحد أبرز رموز حركة البوب آرت في القرن العشرين، فنان متمرد تميز بأسلوبه الفريد الذي حول الأشياء اليومية إلى أعمال فنية. ما جعل بعض النقاد يرون في فنه ثورة ضد النخبوية الفنية، بينما اتهمه آخرون بالسطحية. رغم ذلك، يُعتبر اليوم شخصية محورية غيّرت مفاهيم الفن الحديث.

في عام 1968 اقتحمت الكاتبة الأميركية النسوية المتطرفة فاليري سولاناس محترف الفنان الأميركي أندي وارهول وأطلقت النار عليه لأنه لم يقم بتنفيذ فيلم من تأليفها.

أصابته الكاتبة إصابة بالغة، كما أصابت الرصاصات التي أطلقتها عدة لوحات فنية ومن ضمن اللوحات التي أصيبت أربع لوحات لمارلين مونرو من أصل خمس لوحات كان قد رسمها وارهول لها عام 1964 بعد وفاتها بعامين. أما اللوحة الخامسة التي لم تصب برصاص سولاناس فأسماها وارهول “لقطة مارلين الزرقاء الرزينة” هذه اللوحة التي ستصبح لاحقا من أغلى اللوحات في العالم حيث بيعت منذ ثلاثة أعوام في مزاد كريستيز الشهير بنيويورك بمبلغ 195 مليون دولار وهو من أكبر الأرقام التي تباع به لوحة فنية على مر العصور، محطمة بذلك الرقم القياسي الذي حققته لوحة “نساء الجزائر” للرسام الإسباني بابلو بيكاسو التي بيعت عام 2015 بمئة وثلاثة وسبعين مليون دولار.

رسام سلع استهلاكية

◄ أندي وارهول رسم المواد الاستهلاكية للمجتمع الأميركي المعاصر كنوع من النقد لثقافة الاستهلاك التي ازدادت في المجتمع بكثرة

◄ في سنوات ستينات القرن الماضي انتقل أندي وارهول إلى رسم صور المشاهير من نجوم الفن والسياسة كألفيس بريسلي ومارلين مونرو وإليزابيت تايلور

كان هذا أكبر رقم تحصل عليه لوحة فنية في التاريخ بعد لوحة “المسيح المخلص” لفنان عصر النهضة ليوناردو دافنشي لتأتي بعدها لوحة الفنان، وصديق أندي وارهول المقرب، ميشيل باسكيات المسماة “الجمجمة” وتباع بمئة وعشرة ملايين دولار، وهو أيضا يعد مبلغا كبيرا بالنسبة للوحة فنية لكنهم لم يصلوا إلى سعر “لقطة مارلين الزرقاء” التي هي عبارة عن لوحة لوجه مارلين مونرو تظهر فيها وهي تبتسم بهدوء مأخوذة عن صورتها للملصق الدعائي لفيلم “نياغارا” عام 1953، وأدت فيه شخصية روز الجميلة زوجة المحارب القديم جورج لوميس الكبير بالسن والذي تخونهُ مع باتريك عشيقها وتخطط لقتله معه فتكتشف بولي، العروس الجديدة التي جاءت إلى شلالات نياغارا لقضاء شهر العسل مع زوجها راي كاتلير، الأمر مما يعرض حياتها للخطر.

استوحى أندي وارهول لوحته من ملصق هذا الفيلم، وعلى ما يبدو أن الصورة أثارت إعجابه كثيرا حتى اعتمدها في لوحة وأضاف عليها ألوانه حيث لون شعر مارلين بالأصفر ووجهها بالوردي وظلل عينيها بالأزرق الفاتح كلون خلفية اللوحة وشفاهها بالأحمر الغامق وفي أذنيها قرطين باللون الفضي.

كانت هذه اللوحة واحدة من سلسلة لوحات بدأ وارهول برسمها منذ العام 1962 العام الذي توفيت فيه مونرو، وكلها مأخوذة من صورة الفيلم نفسه مع اختلاف الألوان في كل نسخة. كانت أول لوحة هي “مارلين ديبتش” وهي عبارة عن خمسين صورة مكررة لوجه مونرو في اللوحة التي قسمت إلى قسمين؛ قسم ملون وقسم باللونين الأبيض والأسود، بواسطة الطباعة الحريرية التي كان يستخدمها وارهول بفنه، ثم رسم في العام نفسه لوحته الشهيرة الأخرى مارلين الذهبية وهي لوحة لوجه مارلين نفسه مطبوعة بالشاشة الحريرية على قماش مطلي باللون الذهبي استخدم أندي فيها حبر الشاشة الحريرية على طلاء البولمير الاصطناعي على القماش فكانت النتيجة هذه اللوحة.

بعدها بعامين أي في عام 1964، أكمل وارهول مشروعه هذا الذي بدأه عن مونرو وأسماه لقطات مارلين وهو عبارة عن لوحة جمعت الوجه نفسه بأربع أقسام وكل قسم لون بلون معين وأطلق على كل واحدة منها لقب اللون الطاغي عليها فمرة أسماها “مارلين الحمراء” ومرة “البرتقالية” ومرة “الخضراء”، فكانت مونرو بالنسبة له على حد قوله مثلها مثل أي سلعة استهلاكية وضعت على رفوف المتاجر وهو الذي كان مهووسا بتحويل هذه السلع إلى فن شعبي بدأه برسم زجاجة الكوكا كولا الشهيرة عام 1962، فأثار دهشة النقاد والجمهور على حد سواء لكنهم أعجبوا بفنه الجديد الخارج عن المألوف الذي ابتكره.

كان وارهول أول فنان يحول المهملات إلى فن، وهو الذي أطلق عليه “فنان القمامة” في بدايته وكان النقاد والفنانون يتندرون حين يأتون على ذكره حيث يقولون “إنه يركض نحو القمامة أكثر من الجرذان نفسها”، ليحول كل ما تقع عليه يده إلى فن.

في مرحلة لاحقة انتقل من جمع المهملات إلى رسم المواد الاستهلاكية للمجتمع الأميركي المعاصر كنوع من النقد لثقافة الاستهلاك التي ازدادت في المجتمع بكثرة، ومن أشهر رسوماته لوحة “حساء كامبل” عام 1968، تحتوي اللوحة على عشر صور مكررة لعلبة الحساء الملونة بالأبيض والأحمر مما أثار إعجاب الشركات التجارية فبدأت تجتذبه إليها بفضل الشهرة التي أطلقها لمنتجاتها الشهيرة أصلا.

وفي سنوات ستينات القرن الماضي انتقل إلى رسم صور المشاهير من نجوم الفن والسياسة كألفيس بريسلي ومارلين مونرو وإليزابيت تايلور ولاحقا مايكل جاكسون مستخدما أسلوب الطباعة الحريرية على القماش، فدمج الصور الفوتوغرافية بالألوان الزيتية لينتج خليطا فنيا ينتمي إلى تيار البوب آرت “الفن الشعبي” هذا الفن المولود من رحم الثقافة الاستهلاكية للسلع، حيث قال وارهول عن فنه هذا “الاستهلاك أكثر أميركانية من التفكير، وأنا أميركي.”

تعاقدت معه شركات الإعلانات الكبرى في عصره لتصميم لوحاتها الإعلانية فأصبح نجم المرحلة في حينها بفنه الجديد والذي كان يستخدم فيه تقنية حديثة ابتكرها بنفسه وهي استخدام جهاز لتكبير انعكاس الصور الفوتوغرافية على قطعة قماش معلقة على الجدار ثم يبدأ بطلاء القماش دون تحديد العناصر بقلم الرصاص وهو ما جعل لوحاته أقرب إلى التصميم الغرافيكي أكثر من قربها من الرسم الكلاسيكي.

نشأة الفن الشعبي

◄ في ستينات القرن الماضي رسم وارهول صور المشاهير كمارلين مونرو ومايكل جاكسون مستخدما الطباعة الحريرية
في ستينات القرن الماضي رسم وارهول صور المشاهير كمارلين مونرو ومايكل جاكسون مستخدما الطباعة الحريرية

ظهر مصطلح “البوب آرت” لأول مرة عام 1954 في مقالة للناقد الفني البريطاني لورانس ألواي بعد أن شاهد كلمة “pop” مكتوبة على اللوحة التي عرضها الفنان إدواردو باولوزي في الاجتماع الذي عقد في لندن في خمسينات القرن الماضي، والذي ضم فنانين وكتابا ومعماريين وألقى فيها باولوزي محاضرة طويلة عن الثقافة البصرية السائدة في وقته موجها نقدا لاذعا للثقافة الاستهلاكية التي بدأت تنتشر بكثرة في المجتمع المعاصر، حيث قام بعرض لوحته الشهيرة المسماة “كنت ألعوبة رجل غني” التي استخدم فيها أسلوب الكولاج وتظهر في منتصفها فتاة إعلانات مرتدية فستانا أحمر وبجانبها كتبت كلمة “pop ” بخط أسود واضح وكانت هذه البداية الحقيقية لولادة التيار الفني الجديد المسمى البوب آرت في بريطانيا والذي انتقل لاحقا إلى الولايات المتحدة الأميركية وازدهر على يد أندي وارهول وأصدقائه من الفنانين وعلى رأسهم ميشيل باسكيات.

وكان وارهول متنوع الاهتمامات ومتعدد المواهب فبالإضافة إلى كونه رساما كان أيضا موسيقيا ومصورا فوتوغرافيا ومخرجا سينمائيا، حيث صنع أفلاما كثيرة كانت تجريبية بمعظمها بدأ مع فيلمه الطويل “النوم” عام 1963، صور فيه الشاعر الأميركي جون جيورنو نائما لمدة خمس ساعات وبعدها بعام أنتج فيلمه الصامت “إمباير” عام 1964 وهو عبارة عن لقطات بطيئة لمبنى إمباير ستيت في نيويورك ومدته ثماني ساعات.

عام 1966 صنع فيلمه الذي حقق نجاحا تجاريا كبيرا “فتيات تشيلسي” ومدته ثلاث ساعات واستخدم به تقنية الشاشة المنقسمة، وبالإضافة إلى صناعة الأفلام اهتم وارهول بالفيديو كثيرا حيث صنع المئات من الساعات المصورة لمواضيع متنوعة فولد على يده فن “الفيديو آرت” الذي أصبح فنا مستقلا لاحقا، لكن شيئا من كل هذه الإنجازات لم يحقق له الشهرة التي حققتها له رسوماته لنجمة هوليوود الكبيرة مارلين مونرو فارتبط اسمه باسمها ارتباطا وثيقا.

◄ من أشهر رسوماته لوحة "حساء كامبل" عام 1968، تحتوي اللوحة على عشر صور مكررة لعلبة الحساء الملونة بالأبيض والأحمر
من أشهر رسوماته لوحة "حساء كامبل" عام 1968، تحتوي اللوحة على عشر صور مكررة لعلبة الحساء الملونة بالأبيض والأحمر

 

14