أنا الأغبى يا بابا

محسوبكم، وبالمفهوم المتعارف عليه، مدرّس فاشل، لذا، ابتدعت لعبة طريفة لطفليّ إبراهيم وسارة، بقصد التسلية والتخفيف من ضغط التحضير للامتحانات هذه الأيام.
أسميت اللعبة "مسابقة الغباء المستفحل"، وتتمثل في أن أطرح عليهما أسئلة، ويكون الفوز فيها لصاحب الجواب الأكثر تطرفا في الغباء، أما الفائز فيكافئ بعلبة شوكولا كاملة غير منقوصة.
ترك كل منهما كتابه على يمينه، وتسابق الاثنان إلي في بهجة ونشاط قائلين في تباه وحماس شديدين "أنا أنا الأغبى.. لا أنا الأغبى يا بابا".
حسنا، سنبدأ بالأسئلة التي سوف تكون الأجوبة عليها كتابية على لوح كل منكما، والمطلوب هو السرعة دون تسرع، مع مراعاة عدم الغش وتجنب التذاكي.
سؤال: 1+1؟
برهوم: 0
سوسو: لم أفهم السؤال يا بابا.. ألم أقل لك إني أغبى خلق الله
سؤال: ما هي عاصمة تونس؟
برهوم: أوغادوغو
سوسو: بوركينا فاسو
سؤال: ما هو أكبر حيوان يطير؟
برهوم: الإنسان
سوسو: الفيل.. الفيل يا ملك الزمان. ـ وبحركة مسرحية ـ
واستمرت الأسئلة التي تتوسل الغباء، تتبعها أجوبة تنشد ما هو أغبى منها، قرابة ربع ساعة، في جو من الضحك والحبور، إلى أن أُعلنت النتائج وكانت على النحو التالي كما جاء في تقرير لجنة الحكم التي أترأسها بمفردي: نظرا لتدني مستوى غباء الطرفين المتنافسين، تحجب لجنة التحكيم في مسابقة الغباء المستفحل، جائزتها الأولى لتمنح جائزتها الثانية، وبالتساوي، بين المتنافسين، والمتمثلة في علبة شوكولا، يُقتطع منها ثلثها لفائدة اللجنة المنظمة والمشاريع والتبرعات الخيرية.
بعد إعلان النتائج، أسدل الستار على هذا المهرجان الأسري المصغّر، عاد الطفلان إلى مراجعة الدروس بنكهة تحمل مذاق الشوكولا، وعدت بدوري إلى طرح أسئلة حارقة على نفسي، لم يخفف من مرارتها سوى طعم الشوكولا.
لماذا لا يكون الفوز في غالبية بلادنا العربية إلا للأغبياء؟ ما الفرق بين المتغابي والمتذاكي، ولمن الغلبة في نهاية المطاف؟ لماذا نحب الانتصار دائما، حتى وإن كان في مجالات الغباء والقبح والفقر الذي لم نجد أكثر منه قبحا، لكن شخوصه وأبطاله ليسوا كذلك؟
تذكرت أبي العامل الكادح الذي كان يحملني صغيرا على كتفيه حين أحصل على جائزة امتياز في المدرسة، أنشد على مسامعه محفوظات الشعر الذي لم أكن أفهم معظمه، ويسمعني هو القصص العجيبة والطريفة، وكثيرا ما كان يدعي بطولتها.. وأرى الأفق أكثر رحابة، وتكاد تلامس أصابعي الشمس.
نم قريرا وكثيرا يا أبي.. هذا العالم لم يعد رحبا، لكنه يتسع للحمقى والأغبياء والحاقدين كل يوم.
الطفل الذي كانت قامتك تزداد به طولا، مازال يضحك ملء شدقيه، وملء هذه السماء التي تبدو آيلة للسقوط لولا الشقاوة التي تسكننا ونسكن فيها.