أمل عرفة تعود إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بيتها المسرحي الأول

فنانة شاملة تعلمت من الرواد وما زالت تسلك دروب تعلّم الفنون.
الخميس 2023/06/01
فنانة صقلت موهبتها بالدراسة في المعهد

تعيش ذاكرة الفن في وجدان الناس فترات طويلة، فما يقدمه الفنانون لمجتمعاتهم يظل لصيقا بها، في حال كان صادقا وأمينا، وكثيرا ما حقق بعض الفنانين حضورا مميزا، منهم الفنانة السورية أمل عرفة التي قدمت عبر سنوات العشرات من الشخصيات التي سكن البعض منها في ذاكرة الناس. وقد عادت في زيارة سريعة إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لتحكي لطلابه تجربتها الفنية.

بعد التخرج بسنوات طوال حلت الفنانة أمل عرفة ضيفة على ملتقى الإبداع، الفعالية التي يقيمها المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، كنشاط أكاديمي مواز للعملية التعليمية التقليدية، يلتقي فيها طلاب جدد بقامات مسرحية فنية كبرى.

تخرجت عرفة من المعهد، وقدمت خلال مسيرتها الفنية العشرات من الأدوار في المسرح والسينما والتلفزيون والرقص والغناء. وقدمت شخصيات حظيت بمكانة خاصة في ذاكرة الناس، منها فضة في مسلسل “خان الحرير” للكاتب نهاد سيريس والمخرج هيثم حقي، وهي شخصية مغنية تعيش حياة الترحال في البراري وتتزوج من مديني من حلب لكنه يجبرها على تركها من قبل أهله، وقدمت شخصية سمر في المسلسل الكوميدي “عيلة خمس نجوم” للكاتب حكم البابا والمخرج هشام شربتجي الذي شكل من بعده خطا كوميديا خاصا في الكوميديا السورية، وشخصية دنيا في المسلسل الذي حمل عنوان “دنيا” وشاركت في كتابته. كما كتبت مسلسلات كاملة منها “عشتار” و”رفة عين” و”سايكو”، وقدمت عروضا مميزة في الغناء والرقص ثم ساهمت في حركة الإنتاج في تجربة صعبة وغير ناجحة.

بدايات واعية

محمد مفتاح: الفنانة السورية أمل عرفة ممثلة قوية وخطيرة في الأداء
محمد مفتاح: الفنانة السورية أمل عرفة ممثلة قوية وخطيرة في الأداء 

قدم عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور تامر العربيد الفنانة أمل عرفة بأنها التي لا ترضى إلا بتقديم المتميز، وأنها الفنانة التي تتفوق في أشكال عديدة في الفن. وهي التي حققت عبر مسيرتها الفنية نجاحات كبرى.

يسألها الناقد والمحاور سعد القاسم عن مشوارها وأحلام البدايات فتقول “لم أكن أفكر في احتراف التمثيل، بل كنت أحلم بأن أكون طبيبة أو مخرجة. وعندما تحاورت مع والدي كانت الفكرة بأن أذهب إلى لندن لدراسة الطب أو الإخراج. وبعد نيلي شهادة الثانوية العامة حدثني والدي عن المعهد العالي للفنون المسرحية وطلب مني أن أبقى في البلد وكذلك والدتي التي لعبت على الجانب العاطفي، معبرة عن مدى صعوبة أن أبتعد عنهما سنوات للدراسة في أوروبا. هذا ما كان بالفعل، حيث درست فن المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وتخرجت فيه وصرت ممثلة”. 

تتابع عرفة متحدثة عن كونها تجيد أكثر من نوع فني وعن إطلاق صفة ممثلة أو مغنية عليها “رغم أنني أعمل في أكثر من شكل فني كالرقص والكتابة والغناء لكنني أقولها دائما.. أنا ممثلة وهو التخصص العلمي الذي درسته وعملت فيه، والذي أحبه وأتمنى أن أحقق فيه طموحاتي الفنية الكبيرة، أنا ممثلة أولا وأخيرا”. 

أما عن طموحها إلى تقديم عمل استعراضي متكامل، كونها تجيد عددا من الفنون، فتتابع “هو حلم حياتي، لكنه حلم صعب جدا، كونه يتطلب إمكانيات مادية عالية، تبدأ من خصوصية الفكرة وماذا ستقدم وكيف، وتلعب تكاليف الإنتاج فيه -من ملابس وإكسسوارات وموسيقى وغناء ورقص وغير ذلك- دورا هاما. مستلزمات العمل في الاستعراض التي يجب أن تكون موجودة كثيرة ومكلفة. هو حلم مؤجل لكنه غير ملغى، أحيانا أفكر في أن العمر يمضي وهذا الحلم مازال غائبا، أتمنى أن يتحقق قريبا”.

وعن دور الثقافة في حياة الفنان ترى أمل عرفة أن “الثقافة هي الحصن الذي يحمي الفنان ويؤهله لكي يكون مسايرا لعصره وبالتالي قادرا على مواكبة حركة التغير في الحياة، فالثقافة هي التي يجب أن يعمل عليها دائما وهي التي تأتي من خلال القراءات الكثيرة. كانت سنوات الدراسة في المعهد الفترة التي حفلت بمعظم القراءات التي حققتها في حياتي المهنية، في تلك الفترة كنا نقرأ الكثير وكنا نتبارى من يقرأ أكثر، وهو الأمر الذي سيكون أصعب بكثير بعد سنوات التخرج حيث ستقل إلى حد بعيد القدرة على القراءة بسبب انشغالات العمل والتصوير. الثقافة تأتي من خلال القراءة وكذلك من خلال الوعي بالحياة وما تقدمه من تفاصيل في يومياتنا المختلفة. وهنا قد يخطئ الإنسان في تقييم نفسه وتكون النتيجة سلبية”.

وأوضحت “الفنان يجب أن يكون واعيا بالمكان الذي يحتله والمسار الذي حققه ولا يصح أن يغتر بما حقق. وكما يقال: لو دامت لغيرك ما آلت إليك. فكلام المديح والألقاب التي تمنح للفنانين في كل اتجاه يقال للجميع، وهذا ما يؤكد فكرة أن الوعي الشخصي للفنان هو ثقافة يجب أن يمتلكها ونحن بحاجة إلى العيش بها، وأعتقد أننا في منطقتنا بحاجة ماسة إلى موضوع قبول الآخر، وأن نعي بأن نجاح الآخر ليس مخيفا لنا، وهو ليس خطرا آتيا لكي يأخذ من نجاحنا وطريقنا”.

تامر العربيد: فنانة لا ترضى إلا بتقديم المتميز، تتفوق في أشكال عديدة في الفن
تامر العربيد: فنانة لا ترضى إلا بتقديم المتميز، تتفوق في أشكال عديدة في الفن

وفي إجابة عن سؤال عن دور المخرج في العمل وكيف يعمل الممثل على بناء الشخصية تبين الفنانة أمل عرفة أن “المخرج هو من يؤمّن التماهي أو الإبداع النهائي للعمل ويخلق حالة ‘هارموني’ تتناغم فيها جهود فريق العمل من حيث الأزياء والضوء والديكور وغيرها من عناصر السينوغرافيا، وهو الذي يمتلك التصور النهائي عن العمل في ذهنه، ويحاول تقديمه للجمهور من خلال تعاون كل الطاقات الفنية الخلاقة المكملة له للوصول إلى مكان يحقق رؤية الجميع بما يخدم مقولات النص الفكرية”. 

وتستدرك “أما عن بناء الشخصية الدرامية فلا بد من التأكيد على أن زمن الدراسة في المعهد يختلف عن زمن ما بعده، فخلال الدراسة قد يستلزم العمل على بناء شخصية محددة ثلاثة أو أربعة أشهر. لكن الأمر يختلف تماما في تفاصيل العمل الحقيقي، فربما فرض ظرف العمل تحضير شخصية محددة خلال يوم واحد، نجهز لها الملابس والماكياج وكافة تفاصيلها النفسية والشكلية ونصورها فورا، هي عملية تشبه المحرقة لسرعتها وحيويتها، ولكن على الفنان أن يكون حاضرا ومستعدا وأن يقاوم الفوضى التي تحدثها، فإما أن يحرق الفنان الوقت أو أن يحترق به”. 

من هنا تكمن، وفق أمل عرفة، “أهمية المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق والكفاءة المهنية العالية التي يقدمها لطلابه، كونه حضّر الممثل لكل المتاعب التي يمكن أن يواجهها في المستقبل، كما أن بعض الفنانين يقدمون يد العون. هنا يبرز مكان الممثل في المعهد وبكونه من دفع من عمره أربع سنوات ليتعلم حرفة التمثيل، سيكون رافعا الرأس وهو يتغلب على متاعب العمل وسيدخل الأجواء وهو جدير بالمهنة”.

وكانت محاولات أمل عرفة مبكرة في الكتابة، فكتبت للصحافة المحلية السورية كما قدمت لوحات لمسلسل “بقعة ضوء”، بأسماء أشخاص آخرين، ثم انتقلت إلى تقديم نصوص درامية تلفزيونية كاملة وطويلة. 

كانت بدايتها مع مسلسل “دنيا” الذي قدمته على جزأين، وعن ذلك تقول “أحببت الكتابة، أشعر بأنها تكمل الحالة الإبداعية التي أطمح إلى تقديمها. أعتقد أن هنالك فكرة ما يجب أن تقدم أحيانا، وتكون على غير شكل الدراما أو الغناء أو الرقص وأن مكانها الطبيعي هو الكتابة، فأقوم بكتابتها فورا وتقديمها كنص أدبي مستقل. في محاولتي الأولى ‘دنيا’ استفدت كثيرا من المخرج عبدالغني بلاط الذي علمني الخطوات الأولى في فن الكتابة، وهي مرحلة تأسيسية استفدت منها لاحقا، ومازلت أعتمد على هذه القواعد والإشارات فيما أكتب. لكن الكتابة مسألة شاقة ومتعبة وهي تتغير باستمرار، فما كتب قبل ثلاثين أو عشرين عاما لا يصلح الآن، الحياة اختلفت وكذلك سبل الكتابة عنها”.

شخصيات متلونة

◙ ما قدمته خلال  مسيرتي الفنية مع الزملاء  هو مرحلة وخطوة واحدة  لتكريس حالة متفاعلة  في الفن السوري
ما قدمته خلال  مسيرتي الفنية مع الزملاء  هو مرحلة وخطوة واحدة  لتكريس حالة متفاعلة  في الفن السوري 

شاركت أمل عرفة في العديد من الأعمال، منها أعمال في التمثيل والرقص والغناء والكتابة، فقد قدمت مشروعا غنائيا مبكرا بأغنية وطنية “صباح الخير يا وطنا” مع الفنان فهد يكن، كما قدمت في فن الرقص استعراضا ضمن مهرجان دمشق السينمائي في إطلاق إحدى دوراته وكان الحفل من إخراج جمال سليمان، كذلك قدمت لوحات استعراضية في مهرجان الأغنية السورية.

تقول عن ذلك “أرى أن الفن متصل بعضه ببعض، وكل الفنون تتكامل مع بعضها البعض، ما أقدمه هنا قد يعززه فن آخر هناك. والفنان خاصة الممثل يجب أن يقدم كل أنواع العمل -تراجيدي، كوميدي…- وهو يقوم بذلك بعد دراسة وافية لمكونات الشخصية ثم يقدم طروحاته الخاصة بها”.

وقدمت أمل عرفة في تاريخها الفني العشرات من الشخصيات التي أدتها بشكل جعلها دائمة الحضور في وجدان الناس. ففي الجانب الكوميدي قدمت شخصية سمر في “عيلة خمس نجوم” وكذلك دنيا في مسلسل “دنيا”، ورمزية في مسلسل “كسر الخواطر”، كما قدمت شخصيات هامة في المسلسل الكوميدي الشهير “بقعة ضوء”، منها المرأة الثرثارة التي تتحدث دائما حتى بعد موت زوجها، وفي الأدوار التراجيدية قدمت شخصية فضة في مسلسل “خان الحرير” وحققت به جماهيرية كبرى. كذلك قدمت شخصية منيرة في مسلسل “أسعد الوراق” وغادة في مسلسل “غزلان في غابة الذئاب”.

وترى أمل عرفة أن “جيلها الفني قد تلقى العلوم المسرحية من المؤسسين وأنه معني بتقديم المزيد من الجهد لكي تنقل هذه المعرفة والخبرة الفنية إلى أجيال لاحقة، سنقوم بدورنا بنقل التجربة إلى المزيد من الأجيال اللاحقة. ما قدمته خلال مسيرتي الفنية مع الزملاء هو مرحلة وخطوة واحدة لتكريس حالة متفاعلة في الفن السوري. والممثل سيكون أكثر نجاحا عندما يكون أكثر صدقا مع نفسه وعمله بما يقدمه للجمهور”.

وفي شهادته عنها قال الممثل المغربي الشهير محمد مفتاح “عندما عملنا معا في مسلسل ‘ربيع قرطبة’، علمت أنها ستكون شريكتي في المشاهد، وسمعت أنها ممثلة قوية وخطيرة، فانخلع قلبي، في اليوم الثاني سألت مخرج العمل الراحل حاتم علي عن أمل وعمّا إذا كانت ممثلة خطيرة في الأداء؟ فقال: نعم، هي ممثلة خطيرة اخترتها لكي تتلاءم مع خطورتك وتكونان ثنائيا فنيا ناجحا”.

 

14