أمضّ من أسى جيسيكا لانج

هناك مشاعر معقدة بالمقارنة مع فيلم "قاعة ليليان الكبرى". لسوء الطالع لا أحد شعر بما عانته فنانات عربيات في نهاية أعمارهن، وكيف بقين يقاومن بينما الموت يقترب منهن!
الاثنين 2024/09/30
قصة موجعة عن الفنانات في نهاية أعمارهن

أستطيع أن أجد عشرات الأسماء لفنانات عربيات كمعادل للحال الذي وصلت إليه جيسيكا لانج في الدراما الأنيقة “قاعة ليليان الكبرى” للمخرج مايكل كريستوفر.

في هذا الفيلم التلفزيوني الجديد الذي يشترك فيه الممثل بيرس بروسنان، ثمة قصة موجعة عن الفنانات في نهاية أعمارهن، عندما يجدن أنفسهن فجأة في دوامة من الإهمال والجحود ونسيان العالم لهن.

القصة الأميركية في “قاعة ليليان الكبرى” تقدم لنا الممثلة في عقدها الثمانيني وهي تقترب من الخرف عندما تنسى حوار دورها على المسرح.

فمع بقاء أسابيع قليلة على بدء العرض المسرحي لـ”بستان الكرز” كوميديا أنطون تشيخوف، نسيت ليليان بطلة المسرحية الحوار، وأصبحت غير مستقرة على قدميها، وصارت ترى زوجها الراحل يحدثها.

عندما نقارن أسى الممثلة في هذا الفيلم مع الأسى الحقيقي الذي عاشته عشرات الفنانات العربيات في نهاية أعمارهن، سنجد كما هائلا لفرط وجعه يكفي لكتابة موندراما وقصائد!

سبق وأن استوحى الكاتب فاروق محمد شيئا من هذا الأسى في مسرحيته الباهرة “ترنيمة الكرسي الهزاز” للمخرج عوني كرومي وجسدت فيها إقبال نعيم وإنعام البطاط، تلك الحيرة لشقيقتين يجدن المجتمع برمته ينفض عنهما في نهاية عمريهما الفني.

قارئ هذا المقال سيضع أمثلته العربية من عشرات الفنانات وكيف انتهى بهن الحال

الجمهور العربي أحب جيسيكا لانج بأدوارها الشهيرة للفتاة الجميلة، وأرى أنه سيحبها أكثر في دورها الجديد كسيدة في نهاية عمرها ترفض في نوع من الشجاعة العاطفية، أن تنصاع للنسيان والخرف وهي تواجه حقائق مرض نهاية العمر الذي جعلها تعيش على حافة الهاوية، بينما موعد عرض المسرحية لا يمكن أن ينتظر!

هناك مشاعر معقدة بالمقارنة مع فيلم “قاعة ليليان الكبرى”. لسوء الطالع لا أحد شعر بما عانته فنانات عربيات في نهاية أعمارهن، وكيف بقين يقاومن بينما الموت يقترب منهن!

ما أعجب جيسيكا لانج في هذه الشخصية هو أن السيناريو لا يأخذها إلى نهايتها الطبيعية. بل إلى النقطة التي تتمتع فيها العجوز بشجاعة غير عادية وقوة تحمل وصبر وقدرة على تجاوز ليلة افتتاح المسرحية.

إنه درس عظيم لجيسيكا، كما تقول، ولكل من يحيط بالمرأة في نهاية عمرها. “كان من الممتع أن ألعب هذا الدور وأن أستمر في ذلك حتى تلك النقطة ثم أقول، حسنًا، هذه هي شخصية هذه المرأة”.

إذا كانت النهاية القوية التي ينتهي بها هذا الفيلم، تبعث على القوة والأمل، لكن النهاية الحقيقية لما يعادل بطلة “قاعة ليليان الكبرى” من الفنانات العربية لا تبعث على الأسى والخيبة وحدهما، هناك ما هو أقسى عندما تشعر الفنانة التي صنعت أحلام وأمال أجيال بصوتها وأدائها الفني، أنها وحيدة بشكل مخيف ولا أحد يتذكرها بعد أن كانت موضع ولع الملايين.

قارئ هذا المقال سيضع أمثلته العربية من عشرات الفنانات وكيف انتهى بهن الحال، لكنني سأعرض عليكم مشاعر الفنانة العراقية سليمة خضير وهي تعيش شيخوخة مؤلمة.

لنتذكر زكية جورج وهي تعمل في نهاية عمرها بمعمل خياطة بحلب! أو سليمة مراد التي كانت تعيش التقدير بأروع صوره مع زوجها ناظم الغزالي، لكنها نسيت بعد رحيله.

خذوا حال أنوار عبدالوهاب ذلك الصوت الذي أوجع الأفئدة بالأغاني، كيف تعيش اليوم في مغترَبها الأوروبي البارد، وعندما قررت العودة إلى العراق لم تجد من يرحب بها أو يستذكرها فعادت خائبة.

من بمقدوره أن ينسى سيتا هاكوبيان وهي تجمع العشاق برمتهم في أغانيها، ومن بمقدوره أن يرشدنا إلى لمسة وفاء تشعر بها هذه الفنانة الرائعة في مغتربها.

حسب أمثلة هذا المقال عراقية، لفرط وجعها حد أن يصعب على جيسيكا أن تعبر عنها، إلا أنه ألم عربي مشترك، فقدر كل فنانة عربية أن تنتظر أساها، وما أثقله عندما يأتي في خريف العمر.

18