أمسكوا أحمد واتركوا التيس

شرّ البلية ما يضحك، لكن القلوب تبكي في الداخل، على الزلزال الذي ضرب سلّم القيم، فصار الشاذون والمعتوهون يملؤون فراغا رهيبا.
الثلاثاء 2025/02/11
وجه رسالة تهنئة إلى ترامب

يحكى أن عائلة ريفية بسيطة كانت بصدد تناول الإفطار في شهر رمضان، فباغتهم تيس في الغرفة، فأمر الوالد ابنه أحمد بأن يقوم لربط التيس، غير أن أحمد لما قام من مكانه صدم برأسه المصباح الكهربائي فانطفأ، فعم الظلام، وتقدم خطوة للأمام فوضع قدمه على المائدة فانقلبت وانقلبت معها صحون الإفطار، ارتفعت الأصوات، فاصطدم بالباب وعمت الفوضى، وحينها صاح الوالد: أمسكوا أحمد واتركوا التيس، لأنه أدرك أن الكائن الآدمي فعل بالغرفة أكثر من الفوضى التي كان سيحدثها التيس لو ترك على حريته وأكمل الآخرون وجبة الإفطار.

الحادثة تضرب في المأثور الجزائري لمّا يضطلع غير ذي كفاءة وأهلية بمهمة تكون أكبر منه، فيعيث فيها فوضى وفسادا ويختلط الحابل بالنابل، فيكون الوضع السابق أحسن من الوضع الجديد، ويصبح من الضروري وقفه عند حده حماية وأمنا له ولغيره.

والأدهى من ذلك أن يقوم أشخاص بمحض إرادتهم بأشياء تفوق قدراتهم الطبيعية، لعقدة نفسية أو مرض يلازمهم، فيعتقدون أنفسهم أنهم في مستوى أشياء أكبر منهم بكثير، ولعل ما قام به بعض المعتوهين في الجزائر، بتهنئة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفوزه بانتخابات الرئاسة، دليل على أن في البلاد من أمثال أحمد والتيس كثير يتوجب أن يُمسكوا، كما مسكت مصالح الأمن بمروجي الانحلال والميوعة على شبكات التواصل الاجتماعي.

حفايفة عياش، الذي يزعم أنه يرأس تنظيما مدنيا، وقد سبق له أن ترشح للانتخابات الرئاسية، وأنه دعّم الرئيس عبدالمجيد تبون في انتخابات العام 2019، ملك من الجرأة والجنون أن وجه للرئيس الأميركي دونالد ترامب رسالة تهنئة عبّر له فيها عن خالص مشاعر الود والاحترام، وتمنى له التوفيق في مهامه بالبيت الأبيض.

وفي سبعينات القرن الماضي لما كان الحزب الواحد يحكم قبضته على المشهد السياسي في الجزائر، تحكى حادثة مماثلة تتمثل في بيان تنديد أصدرته قسمة الحزب (هيئة محلية)، في إحدى البلديات النائية بـ”عجرفة وغطرسة الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية”، مما يؤكد أن أحمد والتيس، ليس نموذجا عارضا أو نادرا، بل هو فئة اجتماعية على قلتها تعكس عوالم الأوهام التي يعيشها أصحابها.

خلال إعلان موعد الانتخابات الرئاسية في 2014 و2019، التي كانت مفَصّلة على مقاس الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، تحولت ساحة ومخرج وزارة الداخلية المتواجدة بمبنى رئاسة الحكومة في شارع الدكتور سعدان بوسط العاصمة، أين يتم سحب استمارات التوقيع للراغبين في الترشح، إلى مقصد ليس لترصد من سينافس بوتفليقة، بل لالتقاط فسحة تمكن الجزائريين من الترويح عن النفس والتقليل من نكد ومشاق الحياة اليومية، لأن هناك من المجانين والمعتوهين من يجد ميكروفونات الصحافة تنتظره، فيدلون بتصريحات مجنونة تعكس المشهد المجنون.

شرّ البلية ما يضحك، لكن القلوب تبكي في الداخل، على الزلزال الذي ضرب سلّم القيم، فصار الشاذون والمعتوهون يملؤون فراغا رهيبا، ويتجرؤون على استحقاقات لا تعنيهم بتاتا، ولم يبق إلا أحمد والتيس يختصران المشهد ويعبران عن أزمة اجتماعية وجد فيها أمثال حفايفة عياش، مكانا ليعبثوا بما تبقى.

كان بالإمكان تفهم منسوب الجرأة والجنون، التي يملكها هؤلاء لو تعلق الأمر بتصرفات فردية معزولة، لكن أن يتحول إلى محاولة لصناعة أو التأثير في الشأن العام، فذلك إشارة إلى اختلال خطير أفرزته ديمقراطية شكلية وفراغ رهيب في بنية المجتمع، نجم عن استقالة أو إقالة النخب الحقيقية.

هل يدري الرئيس تبون، أن حفايفة عياش، أيده في الانتخابات الرئاسية، وهل يعلم دونالد ترامب، برسالة التهنئة التي وجهها له، حقيقة التسليم بفوضى التيس أهون بكثير من فوضى أحمد.

18