"أماني".. فيلم يعالج قضية عمل الأطفال في سوريا

تشكل المشكلات الاجتماعية منجما للكثير من الأفكار التي تقدمها السينما في إنتاجاتها، وللطفل حصة كبرى من اهتمامات منتجي السينما. ومن هذه الإنتاجات فيلم “أماني” الذي قدمته المؤسسة العامة للسينما في سوريا، والذي يعالج بطريقة موضوعية قضية عمالة الأطفال التي صارت أحد ملامح المجتمع السوري في مرحلة ما بعد الحرب.
تزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال (12 يوليو) وبتضافر جهود المؤسسة العامة للسينما، وهي من القطاع الحكومي في سوريا، مع فريق شمس التطوعي، وهو جهة أهلية في سوريا، قدم الفيلم الروائي القصير “أماني” وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما ومن تأليف وإخراج محمد سمير طحان.
يسلط الفيلم الضوء على موضوع عمالة الأطفال وخطورتها على الناشئة في سوريا، وهي الشريحة التي دفعت أكبر الأثمان نتيجة الحرب التي دارت ولا تزال في سوريا. حيث انتهكت معظم المفاهيم المتعلقة بالطفل، وصار في محط الأخطار الاجتماعية والحياتية التي أودت به إلى انزلاقات خطرة هددت حياته وكيانه المجتمعي.
ضحايا الحرب
يقدم فيلم “أماني” للمخرج طحان صورة عما يعيشه طفل يدعى كريم (حمود أبوحسون) في بيت أهله، ومعاناته من العنف الأسري أولا جراء معاملة زوج والدته القاسي معه (جمال العلي) وتاليا من مخاطر إجباره على ترك المدرسة والتوجه نحو العمل معه في مهنة نبش القمامة، وهي المهنة التي لاقت رواجا وتوسعا فيما بعد الحرب السورية داخل المجتمع.
على خط مواز، يقدم الفيلم تقاطعات درامية كانت خلفية للحدث الرئيس، منها والدته المرأة المكسورة والمنهزمة المستسلمة وكذلك شقيقته الصغيرة الحالمة. وكذلك شخصية كاتب يخط رواية له في بيت قريب من مجال عمل الصغير، والذي يتعرف إليه صدفة من خلال رمي مسودات روايته في القمامة التي تعرف الصبي على قصة الفتاة أماني.
أماني هي شخصية في ذهن الكاتب تعاني من قسوة زوج والدتها، ويعتقد الطفل كريم أنها حقيقية. وعندما يعرف أنها ليست إلا فكرة في ذهن الكاتب يصاب بالصدمة وينتهي حلمه بأن يكون المخلص لها، وكأنه خسر حربا قبل أن تبدأ.
في جدلية الكاتب والطفل، يلقي طحان الضوء على موقف المثقف مما جرى ويجري في سوريا، إذ يقف الكثير من المثقفين منظرين لما كان ويرون الموضوع من وجهة نظر إحادية، بحيث لا يعيرون اهتماما لما يجري على أرض الواقع. فالكاتب المثقف لم يجد في واقع الطفل وأحلامه المؤلم إلا أنه أوحى له بنهاية جديدة موحية للرواية في نظرة نرجسية لما كان.
دور الكاتب قدمه الفنان السوري المخضرم أسامة الروماني، في أول ظهور سينمائي له بعد غياب ما يزيد عن الأربعين عاما بعد تقديمه فيلم المغامرة مع المخرج محمد شاهين، في الفيلم المأخوذ عن رواية سعدالله ونوس “مغامرة رأس المملوك جابر”.
وكان الفنان الروماني الذي لم يمهله القدر لمشاهدة فيلمه قد بين عن مشاركته بالفيلم حينها “عقود مرت، وكان هاجس السينما ملحا بأن ثمة أملا قادما سيأتي وسوف يكون هنالك متسع لتقديم شيء فيه. وها هي الفرصة تأتي، مع شباب تيقنوا من هدفهم، فصنعوا عالما سينمائيا جديدا مليئا بالحيوية والأمل”.
وقال الروماني الذي رحل عن عالمنا منذ أيام قليلة “فيلم أماني، لامس شغاف قلبي، أحببته لأنه يقدم عالم الأطفال البريء الجميل، ولأنه يقدم صوتهم في عالم اليوم المليء بالضجيج، العلاقة بين الطفل والكاتب في الفيلم توشحها الحياة بخطوطها التي قد لا تكون جميلة دائما، لكنها حقيقية، إنها الحياة”.
وتابع “أشكر الفرصة التي أتاحت لي العمل مع السينما السورية بعد غياب عقود طوال، وهي فرصة لي كي أتعرف على طاقات جميلة من شبابنا السوري المبدع، الذي قدم ومازال الكثير في تاريخ الفن السوري العربي” .محمد سمير طحان مؤلف ومخرج الفيلم يرى أن “مشكلة عمالة الأطفال كبيرة ومتشعبة، ويجب التنسيق بين العديد من الجهات لكي نقاوم وجودها. فالطفل بحاجة إلى عالم يحقق أحلامه وتطلعاته للأمام. أحاول في فيلمي الجديد تقديم مثال آخر على الظروف القاهرة التي تواجه أطفالنا في بيئتنا الحالية. وأشكر كل من كان معنا في الفيلم بدءا من الجهة المنتجة المؤسسة العامة للسينما إلى فريق العمل والجمهور الذي حضرنا اليوم”.
أما بطل الفيلم الطفل حمود أبوحسون فقال عن مشاركته بالفيلم وطبيعة الدور الذي قدمه “أحببت فكرة الفيلم وأن الأحلام لا تموت، الطفل وجد في جو قاس وصعب، وهو يحب القراءة والتعلم، لكنه يجبر على تركهما، ومع ذلك فإنه قاوم وقدم جهدا في ذلك، واستطاع أن يفعل شيئا من أحلامه مهما كان صغيرا”.
إشارات سينمائية
قدم الفيلم دلالات بصرية، وشت بنمط تفكير سينمائي محدد، فالأطفال الصغار الذين يفترض أن يكونوا في المدارس، يظهرون في الفيلم في مكب القمامة بين الجرافات الضخمة التي تزيل أكوام المخلفات وتضعها في السيارات لترحليها خارج المدينة، بينما يمسك أحد رجال المهنة وسط هذا القبح عوده لكي يغني “يا وابور قلي رايح على فين”، وهي صرخة كان صداها واضحا لدى جمهور الفيلم أن حاضر المجتمع الآن يكاد يشبه واقع هذا المكان المليء بالقبح، والذي لا يعرف الناس كبارا وصغارا أين يتجه بهم.
كذلك يقدم الفيلم دلالات حوارية منطلقا من اسمه أماني في جدلية وجود هذه الأمنيات من عدم بقائها.
ولم يقدم الفيلم منفردا في حفل الإطلاق، بل تضافر وجوده مع جهد قدمه فريق شمس التطوعي، وهو من الفرق المجتمعية التي نشطت خلال فترة الحرب في سوريا، حيث عمل مع غيره على تقديم أنشطة اجتماعية تتعلق بتقديم جهد توعوي أو داعم لجهود الأسرة في تقديم المساعدة والإسناد للكثير من الأسر التي تعرض أبناؤها للتهجير أو الحرمان من التعليم والغذاء والمأوى، حيث قُدمت جهود في الرعاية الطبية والتعليمية والدعم النفسي.
وقدم الفريق خلال الشهر الجاري، ضمن حملة “أوقفوا عمالة الأطفال” عملا تطوعيا بدأ في الأول من الشهر واستمر حتى الثاني عشر منه، في اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، وفيه تم إطلاق الفيلم.
عن ذلك تقول رئيس فريق شمس التطوعي بريهان جنبلاط “عمالة الأطفال هي مشكلة كبرى في مجتمعنا، خاصة في زمن ما بعد الحرب، وهي تستلزم تضافر كل الجهود في سبيل حماية الأطفال من المخاطر التي تفرضها ظروف العمالة القاسية. هؤلاء الأطفال هم المستقبل، ولو كنا نريد مستقبلا جيدا لوطننا فيجب أن نعتني بهم جميعا وأن نحميهم من مخاطر الحياة، ومنها عمل الأطفال الذي يشوه حياتهم مبكرا”.
يذكر أن الفيلم من تمثيل أسامة الروماني، جمال العلي، حمود أبوحسون، نجاح مختار، صباح السالم، عادل أبوحسون، مادونا حنا، مضر عساف والطفلتين روسيل إبراهيم وأليسار نعمان.