أكشن أحمد العوضي ينقذ دراما "فهد البطل"من الابتذال

حقق مسلسل "فهد البطل" للنجم المصري أحمد العوضي نسب مشاهدة مرتفعة خلال عرضه في موسم رمضان الماضي، ولا يزال يحظى بإشادات النقاد والمتابعين، ويعود ذلك إلى مشاهد الأكشن والقتال التي عمقت حدة الصراعات الاجتماعية وأنقذت الحبكة الدرامية من السقوط في فخي التكرار والسطحية.
تدور أحداث المسلسل المصري “فهد البطل” الذي عرض خلال رمضان الماضي وأخرجه محمد عبدالسلام حول شخصية فهد، الحرفي الذي يعمل في مصنع رخام بمنطقة شق الثعبان بعد هروبه من عائلته في الصعيد بسبب الظلم الذي تعرض له، ثم يقع في حب زميلته كناريا، بينما تتصاعد التوترات بسبب المنافسة بينه وبين والدها في سوق الرخام، التي تعيق علاقتهما. هذه الدراما من تأليف محمود حمدان، وبطولة كل من أحمد العوضي وميرنا نورالدين ومحمود البزاوي وأحمد عبدالعزيز ولوسي وصفاء الطوخي.
ينطلق المسلسل في رحلة درامية تعبر أروقة الانتقام العائلي وتجارة المخدرات، مستمدًا جذوره من السرد الكلاسيكي الذي اشتهرت به أعمال الصعيد المصرية، إذ يتجلى الصراع بين العائلات في قلب مصنع رخام بمنطقة شق الثعبان، حيث يعمل فهد بعد هروبه من ظلم أهله، ليتشابك مصيره مع كناريا، ابنة أحد خصومه، فينسج العمل خيوطا مألوفة من الثأر والخيانة، تضفي عليه لمسة حديثة عبر تجارة الممنوعات، في محاولة لخلق توازن بين التقاليد والواقع المعاصر، ويظهر هذا العمل المصري التشابه مع مسلسل “الشرقي والغربي” المغربي في موضوع الصراعات العائلية، حيث يحمل كلاهما طابعًا محليًا يعكس بيئته، غير أن “فهد البطل” يعاني أحيانًا من تكرار الأحداث دون تجديد يميزه، كون الدراما المصرية سباقة في هذا النوع من القصص الدرامية.
وتتعثر بداية المسلسل في تقديم مشاهد تفتقر إلى الواقعية، فتظهر كرسوم متحركة أكثر منها دراما حية، إذ يبرز مشهد سقوط المولود في النهر كمثال صارخ، حيث يتحول الطفل إلى دمية مكشوفة المعالم، تُحمل بطريقة لا تليق برضيع حقيقي، وينعكس هذا الضعف في الإخراج على الانطباع الأول للمشاهد الذي من السهل أن يشعر بالانفصال عن الحدث بدلاً من الانغماس فيه، ويمتد هذا النقص إلى مشهد “العوض”، حيث تتضح المبالغة في الإنتاج دون تركيز على المنطق أو الإقناع، فتبدو اللحظات الأولى غير متماسكة وتترك خلفها تساؤلات حول جدوى الجهد المبذول.
ويتحسن الإيقاع السردي مع تقدم الأحداث، فتنطلق الحلقة التي يتشاجر فيها فهد مع رجال المنطقة كمحطة تحول، وتصعد التوترات تدريجيًا، وتتكشف دوافع الشخصيات بسلاسة أكبر خاصة في الإيقاع، فتتألق المشاهد القتالية، كتلك التي تنقذ فيها كناريا فهد من هجوم رجال شامل، فتضفي حيوية على العمل وتبرز بطولة فهد.
وفي هذه المرحلة ينجح المؤلف محمود حمدان في تصعيد الصراع ويمنح المشاهد لحظات تشويق تكاد تعوض تعثر البداية، غير أن التمهيد الضعيف يظل عائقا يحد من قوة الانطلاقة، بينما تتهاوى الخاتمة في محاولة لكسر التقليد، فتأتي بمقتل راوية وسجن فهد كنهاية غير متوقعة، إذ سعى المخرج محمد عبدالسلام إلى تقديم رؤية مأساوية تخرج عن مسار الانتصار المعتاد، لكن تنفيذ الفكرة أخفق في إحكام الحبكة الدرامية، حيث يظهر مقتل راوية مفاجئًا دون مبرر درامي كافٍ، وكان أشبه بصدمة مصطنعة بدلاً من نتيجة طبيعية للأحداث، خاصة أن كل ذلك يتبعه سجن فهد الذي يترك شعورًا بالفراغ الدرامي، ولم تقدم نهاية المسلسل توضيحا مرضيا لنهاية الصراعات المطروحة، كعلاقة فهد بكناريا أو انتقامه من عمه. ورغم أن العمل نجح في خلق نهاية غير تقليدية، لكنها جاءت نهاية تفتقر إلى التمهيد اللازم لتصبح مقنعة، وعوضا عن ذلك بدت نهاية عشوائية ومنفصلة عن سياق القصة.
وتأرجح أداء الممثلين بين القوة والضعف، فيبرز أحمد العوضي في دور فهد بحضور طاغٍ يجسد البطل الصعيدي المظلوم، وتألق في المشاهد القتالية والدرامية، ما منح الشخصية قوة جذبت المشاهد حركيا على الأقل، بينما قدمت ميرنا نورالدين أداءً مقبولًا لشخصية كناريا، إذ حمل لمسة عاطفية تناسب الدور، لكن كتابة الشخصية حدت من تألقها.
في المقابل ظهرت كارولين عزمي بأداء باهت في دور راوية، ولم تنجح في نقل مأساة الشخصية رغم إمكانياتها الدرامية وموهبتها، بينما تفوقت صفاء الطوخي في تجسيد شخصية وفاء بأداء قوي، رغم أن المكياج غير الاحترافي شوه صورتها وظهر مبالغًا فيه وغير متناسب مع السياق أو الشخصية، في حين دعم محمود البزاوي وأحمد عبدالعزيز العمل بأداء متماسك، ونجحا في تعزيرز الشخصيات المعرقلة للبطل بثقل يؤجج الصراعات.
وتباين الإخراج تحت يد محمد عبدالسلام، حيث نجحت المشاهد القتالية في جذب الانتباه بمهارة نسبية، بينما تعثرت اللحظات العاطفية والرمزية في نقل المعنى. ويمكن القول إن مسلسل “فهد البطل” تجربة تجمع بين التشويق والصراع العائلي، لكنه يعاني من بداية متعثرة ونهاية غير محكمة، مع تفاوت في الأداء والتنفيذ، ما يجعله موجهًا لعشاق الدراما الشعبية دون أن يصل إلى مصاف الأعمال الاستثنائية في هذا المجال.
وتصدر المسلسل قوائم المشاهدات في موسم رمضان 2025، إذ شهد هذا العام منافسة قوية بين الأعمال الدرامية، لكن هذا المسلسل استطاع أن يحتل المركز الأول في النصف الثاني من الشهر وفي القائمة الإجمالية للمسلسلات الأكثر مشاهدة على مدار رمضان، متفوقًا على أعمال بارزة مثل “ولاد الشمس” الذي أبهر الجمهور بقصته القوية وتصدر المشاهدات في النصف الأول من شهر رمضان، بينما حافظ “فهد البطل” على جاذبيته منذ البداية، إذ جاء في المركز الثاني في النصف الأول بعد مسلسل “ولاد الشمس”، ثم قفز إلى الصدارة لاحقًا، ما يعكس شعبية أحمد العوضي المتزايدة ونجاحه في جذب الجمهور بقوة، في حين أظهرت قوائم المشاهدة تنوعًا بين أعمال أخرى مثل “وتقابل حبيب” و”حكيم باشا” و”الكابتن” التي حافظت على أداء ثابت، لكن “فهد البطل” بقي الاسم الأبرز الذي أكد تفاعل الجمهور الكبير معه وسط تنوع اهتماماته بين الدراما الاجتماعية والأكشن والرومانسية.
وتتكرر تيمات الدراما المصرية في السنوات الأخيرة في إطار موضوعات محددة، أبرزها قصص الانتقام العائلي في الصعيد، والتي تحمل طابعًا تقليديًا متجذرًا في الثقافة المحلية، إذ تتركز هذه الأعمال غالبًا على صراعات بين عائلات متخاصمة، وتكون دوافع الصراع عادة مرتبطة بالشرف أو الأرض أو الثأر، وتتطور الأحداث عبر جيلين أو أكثر، لتبرز التضحية بالأبناء أو الأحفاد في سبيل الحفاظ على كبرياء العائلة أو استعادة مكانتها، ويعاني هذا النمط رغم جذوره الثقافية العميقة من الرتابة بسبب تكرار السيناريوهات نفسها، مثل مشهد القتل العَمدي أو الخيانة الداخلية، مع إضافة عناصر حديثة مثل التكنولوجيا أو السفر إلى الخارج لمحاولة تجديد القالب، لكن دون الخروج فعليًا من دائرة التكرار.
وتتجه الدراما المصرية أيضًا نحو قصص المافيا وتجارة المخدرات بشكل متزايد تجعلك كأنك تشاهد مسلسلا تركيا حيث تتشابك هذه العوالم المظلمة مع الصراعات العائلية بين طبقات اجتماعية متباينة، كعائلة غنية تسيطر على السوق السوداء وعائلة فقيرة تسعى للصعود على حساب الضعفاء. كما تصور هذه الأعمال الثراء السريع كوسيلة للقوة، لكنها تؤدي في النهاية إلى انهيار النسل العائلي، إما بالخيانة أو الموت أو السجن، وتتحرك الشخصيات في هذه السياقات بين الطمع والخوف، مع التركيز على تناقضات المجتمع بين الفقر والثراء، لكن بعض النقاد يرون أن الاعتماد المفرط على هذه القوالب أفقد الدراما بعضًا من تنوعها، فأصبحت الحبكات متوقعة والحلول تقليدية، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرتها على الابتكار مستقبلًا.
ومحمد عبدالسلام مخرج مصري، شارك في العديد من الأعمال الفنية المتنوعة، إذ عمل مخرجا منفذا في فيلم “تصبح على خير” ومخرجا مساعدا في مسلسل “البرنس”، كما قدم أعمالاً بارزة مثل مسلسلات “رحيل” و”حكايات جروب الدفعة”، بالإضافة إلى دوره كمخرج في مسلسل “لؤلؤ”، وشارك مساعد مخرج أول في مسلسلات مثل “نسل الأغراب” و”ولد الغلابة”، وكذلك مخرجا منفذا في فيلم “جواب اعتقال”.
كما عمل أيضا مساعد مخرج أول في أعمال أخرى مثل مسلسلات “الأسطورة” و”الداعية” و”ذات (بنت اسمها ذات)”، ومخرجا مساعدا في مسلسلات مثل “ساحرة الجنوب” و”سجن النسا”. وشارك في أفلام، مثل “18 يوم” و”واحد صفر” و”كركر”، كمساعد مخرج، ما يعكس خبرته الواسعة في المجال الفني وتنوع إسهاماته بين الإخراج المباشر ومساندة فرق الإنتاج.