أكبر متاجر التجزئة تستسلم أمام زحف التسوق الرقمي

شركة تيسكو العملاقة لمتاجر السوبر ماركت تعلن استحداث 16 ألف وظيفة جديدة لمواكبة النمو الكبير لنشاطاتها عبر شبكة الإنترنت.
السبت 2020/08/29
تسارع كبير للتجارة الرقمية
 

بات أغلب الناس ومعظم الشركات في العالم ينظرون في اتجاه واحد في ما يتعلق بالنمط الحديث لمفهوم البيع والشراء الذي فايروس كورونا سرّع من وتيرته. فالتسوق الرقمي هو مستقبل الأجيال القادمة، لذلك فإنه لم يعد مستغربا التعايش مع فكرة تسارع وتيرة إغلاق أكبر سلاسل البيع بالتجزئة أبوابها.

باريس - يتزايد القلق الممزوج بالإحباط لدى أصحاب الأعمال والاستثمارات حول العالم من تداعيات تأثير شركات التكنولوجيا على استقرار الأنشطة التجارية بعد أن انضمت مجموعات عالمية تعمل في هذا المجال إلى قافلة طويلة من متاجر التجزئة المتضررة من التسوق الرقمي.

وساهمت جائحة كوفيد – 19 وما استتبعته من تدابير إقفال وحجر منزلي في ترسيخ التجارة الإلكترونية كجزء من العادات الاستهلاكية، مما يستلزم تحوّلاً قسرياً في النماذج الاقتصادية القائمة، قد يؤدي إلى تسريح الكثير من الموظفين.

ويختصر ما حصل يوم 18 أغسطس الجاري هذا الواقع رمزياً بطريقة كاريكاتيرية إلى حدّ ما، إذ أعلنت سلسلة متاجر التجزئة البريطانية ماركس أند سبنسر أنها ستستغني عن سبعة آلاف موظف.

وجاء ذلك قبل ساعات من إعلان مجموعة أمازون العملاقة للتجارة عبر الإنترنت توظيف 3500 شخص في الولايات المتحدة. وقد شهد فصل الصيف الكثير من الإعلانات المماثلة التي كان لها وقعٌ مدوّ في سوق العمل وخصوصاً في بريطانيا.

ووصل زحف التجارة الإلكترونية إلى مجموعة دبنهامز، ثاني أكبر سلسلة لمتاجر التجزئة في بريطانيا، والتي كشفت عن خطط لإغلاق العشرات من المتاجر الكبرى وتسريح الآلاف من الموظفين في مختلف أنحاء العالم.

وقالت دبنهامز، التي تقدمت في أبريل الماضي بطلب لإشهار إفلاسها، إنها ستقوم بتسريح 2500 موظف، فيما ستلغي جون لويس 1300 وظيفة وسيلفريدجز 450 وظيفة، وستسرّح سلسلة صيدليات بوتس 4 آلاف موظف.

مواجهة المنصات الكبيرة تشكّل تحديا كبيرا جدا، ولكنّ على تجار التجزئة، أن يفكروا في وضع خطط تتعلق بتعزيز الحضور على الإنترنت

وفي المقابل، أعلنت شركة تيسكو العملاقة لمتاجر السوبرماركت استحداث 16 ألف وظيفة جديدة لمواكبة النمو الكبير لنشاطاتها عبر شبكة الإنترنت.

ولاحظ هيرفيه جيلغ، خبير التوزيع في شركة ألفاريز أند مارسال الاستشارية في مجال تحوّل الشركات، أن التجارة الرقمية رغم كونها موجودة منذ مدة طويلة، تشهد بوضوح شديد تسارعا كبيرا جدا.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى جيلغ قوله إن “ذلك الأمر يصب في مصلحة الشركات التي تشكل الأعمال عبر الإنترنت جزءا كبيرا أصلاً من نشاطها”.

ومن هذه الشركات أمازون التي ضاعفت ربحها الصافي في الربع الثاني من هذا العام، إضافة أيضا إلى زالاندو الألمانية لبيع الألبسة الجاهزة عبر الإنترنت، إذ زادت قاعدة مستهلكيها بنسبة 20 في المئة في الربع الأول من العام الجاري لتصل إلى 34 مليون مستهلك فاعل.

وكذلك حققت سلسلة متاجر التجزئة وولمارت نتائج فاقت التوقعات رغم أنها ليست الوحيدة الناشطة على الإنترنت في القطاع، إذ أحسنت الإفادة من نهضة التجارة الرقمية في الولايات المتحدة، ومن المساعدات التي قدمتها الحكومة للاستهلاك.

وبحسب شركة كانتار لدراسات السوق يعود ذلك ببساطة إلى أن “حجم التجارة الإلكترونية زاد بنسبة 41 في المئة في ثلاثة أشهر فحسب”.

هيرفيه جيلغ: التجارة الرقمية تشهد تسارعا كبيرا جدا على غير العادة
هيرفيه جيلغ: التجارة الرقمية تشهد تسارعا كبيرا جدا على غير العادة

وأشارت كانتار في يوليو الماضي إلى أن “معدّل حصّة التجارة الإلكترونية من السوق ارتفع من 8.8 في المئة إلى 12.4 في المئة في بريطانيا وإسبانيا والصين”. وأوضحت أن التجارة عبر الإنترنت في الصين باتت تشكّل “ربع الإنفاق على المنتجات ذات الاستهلاك الواسع”.

ويوضح جيلغ أن هذا التطور كان قد بدأ قبل أن يشلّ الوباءُ الاقتصادَ العالمي، لكنّ الهبوط المفاجئ للحركة بفعل تدابير الحجر أثر سلبياً بشكل كبير على متاجر المواد غير الغذائية “التي تعوّل كثيرا على نقاط البيع الميدانية”.

وقال المدير المشارك لشركة بوسطن كونسالتينغ غروب الاستشارية، ستيفان شارفيريا، إن هذا الوضع غير المسبوق “جعل كل الجهات المعنية بتجارة التجزئة تدرك أن من الضروري جدا أن تكون حاضرة على الإنترنت وقادرة على المنافسة قدر الإمكان”.

وأضاف “حتى الشركات المجهزة جيدا للتجارة عبر الإنترنت اكتشفت أنها غير مؤهلة، لا كمًّا ولا نوعا، لمواكبة “الزيادة الكبيرة في الطلب بفعل الظروف الناجمة عن الجائحة.

ويرى شارفيريا أن تطوير الشركات قدرتها في مجال التجارة الإلكترونية “يستلزم إمكانات واستثمارات كبيرة”، في وقت عانى بعض هذه الشركات تراجعا كبيرا في قدراته المالية. وإذا كانت المبالغ ستستثمر لتعزيز الحضور الإلكتروني، فهي لن تستخدم أيضا لتطوير شبكة المتاجر الميدانية.

وكان مجلس التجارة الفرنسي قد طالب الحكومة الشهر الماضي بحسومات وتخفيضات ضريبية لتمكين الشركات من الاستثمار في المجال الرقمي. وهذه التحولات ستحصل كذلك تحت ضغط الشركات العالمية الكبرى التي رسخت أصلاً حضورها على الإنترنت، ومنها أمازون.

ويقول شارفيريا إن مواجهة المنصات الكبيرة تشكّل تحديا كبيرا جدا، ولكنّ على تجار التجزئة، حتى لو لم تكن لديهم الإمكانات لمواجهة هذه المنصات بشكل مباشر، أن يفكروا في وضع خطط تتعلق بتعزيز الحضور على الإنترنت، ومنها مثلاً إقامة “تحالفات”، ومنها ما هو مع هذه المنصات نفسها.

أما جيلغ فاعتبر أن شبكة المتاجر الميدانية قد يشكّل عنصر قوة؛ فالسياح، عندما يعودون سيرغبون في التعريج على المحال الشهيرة. وفي استطاعة المتاجر أن تستمر في الرهان على “الأصالة” لجذب الزبائن، وهو عنصر لا توفره التجارة الإلكترونية.

10