أقليات ليبيا تضاعف الضغوط على البرلمان برفض قوانين الانتخابات

موقف الأقليات المناهض للقوانين الانتخابية يجد صدى كبيرا لدى المجتمع الدولي، وخاصة عواصم غربية التي لا تخفي تعاطفها مع من تصفها بالشعوب الأصلية.
الجمعة 2023/10/20
رفض الأقليات يشكل بعدا آخر من أبعاد أزمة الانتخابات

تونس – ارتفعت أصوات الأقليات الليبية لتعلن رفضها لقانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الصادرين عن لجنة 6+6 والمصادق عليهما من قبل مجلس النواب في الثاني من أكتوبر الجاري، لتزيد بذلك الأعباء على البرلمان.

وأكد المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا رفضه التام للقوانين الانتخابية، معتبرا إياها كأنها لم تكن لافتقارها إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية والوطنية، فيما اعتبر المجلس الاجتماعي الأعلى للتوارق أن حذف حق أصحاب الأرقام الإدارية في المشاركة في الانتخابات بمثابة “فيتو” على حقوقهم المشروعة ويعد تمييزا عنصريا واضحا وصريحا لمكون أصيل.

ورجحت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن يصدر عن التُبو (مجموعة إثنية من الرُعاة الرُحّل وشِبه الرُحّل الذين يَستوطنون الجزء الأوسط من الصحراء الكبرى، على امتداد الجزء الجنوبي من ليبيا) موقف مماثل خلال الأيام القادمة بما يزيد من قدرة الأقليات على الضغط على الفرقاء السياسيين في اتجاه الدفع نحو إعادة النظر في القوانين الانتخابية.

ولاحظت المصادر أن موقف الأقليات المناهض للقوانين الانتخابية يجد صدى كبيرا لدى المجتمع الدولي، وخاصة لدى العواصم الغربية التي لا تخفي تعاطفها مع من تصفها بالشعوب الأصلية، وهو ما يضاعف التحديات أمام مجلس النواب الذي يواجه رفضا للقوانين التي صادق عليها والمتعلقة بانتخاب رئيس الدولة وأعضاء مجلس الأمة.

تقسيم الدوائر الانتخابية، كما اقترحه مجلس النواب، تأكيد على وجود نوايا غير سليمة تستهدف حقوق المكونات الليبية

وسبق للسفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند أن أكد إيمان بلاده الراسخ بضرورة تمثيل وحماية حقوق ومصالح كافة المكونات الثقافية في ليبيا، وشدد على سياسة الانخراط واسع النطاق مع الليبيين، لافتا إلى استمرار سفارة الولايات المتحدة في المناقشات الجارية مع القياديين الأمازيغ بالإضافة إلى قياديين آخرين من المكونات المجتمعية الأخرى.

وقال المجلس الأعلى للأمازيغ إن تقسيم الدوائر الانتخابية على النحو المصادق عليه من مجلس النواب هو تأكيد على وجود نوايا غير سليمة تستهدف حقوق المكونات الليبية، مطالبا بالإنصاف والعدالة في تقسيم وتوزيع الدوائر ومراعاة المعايير الدولية في ذلك.

واتهم المجلس البعثة الأممية بالمشاركة في ما سماه العبث الدستوري، معتبرا أنها أصبحت لعبة في أيدي أطراف داخلية وخارجية، وطالبها بأداء دورها في التحري وتأكيد الأخذ بالمعايير الدولية في وضع القوانين الانتخابية.

وكانت فعاليات أمازيغية من جبل نفوسة وزوارة نقلت نفس الموقف والملاحظات إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، كما اتجه وفد يضم ممثلين عن المناطق الناطقة بالأمازيغية، بكافة مكوناتها الإدارية والنخبوية والأهلية والمجتمع المدني، إلى مقر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لملاقاة رئيسها عماد السايح بهدف المطالبة بالعمل على زيادة عدد المقاعد المخصصة للمناطق الناطقة بالأمازيغية خلال الانتخابات المقبلة.

ويشير مراقبون إلى وجود مأزق حقيقي في العلاقة بين الأقليات وعموم المشهد السياسي؛ فبينما تتعرض لمحاولات تهميش من قبل الأغلبية الفاعلة، تطمح الأقليات إلى الحصول على امتيازات أكبر من حجمها، وهو ما يثير حالة من التناقض بين الطرفين.

pp

من جانبه عبر المجلس الاجتماعي الأعلى لتوارق ليبيا عن استغرابه من حذف المادة رقم 88 بالقانون رقم 27 لعام 2023 الصادر عن مجلس النواب، والتي تحفظ حق أصحاب الأرقام الإدارية في المشاركة في الانتخابات، بعد أن كانت ضمن المشروع المتفق عليه في مدينة أبوزنيقة المغربية.

وأكد المجلس في بيان أن هذا القرار بمثابة “فيتو” على حقوق التوارق في ليبيا وحرمانهم من حقوقهم المشروعة ويعد تمييزا عنصريا واضحا وصريحا لمكون أصيل، معلنا رفضه لما وصفه بالقانون “المعيب والأبتر” والذي صيغ على هوى المتعصبين وينسجم مع رؤاهم وتطلعاتهم.

ودعا المجلس لجنة 6+6 إلى أن توضح للرأي العام ما إذا كان نص هذا القانون هو ذاته الذي توافقت عليه في اجتماعات بوزنيقة أم أن تغييرات وتبديلات أدخلت عليه.

وقال المكتب الإعلامي لمجلس الدولة إن وفدا من شيوخ وأعيان التوارق قدم الأربعاء لرئيس المجلس محمد تكالة أسباب اعتراضهم على القوانين الانتخابية التي لم تنصفهم.

وفي عدة مناسبات شدد التوارق على ضرورة إشراك المكونات الثقافية في العملية السياسية والتمثيل المتساوي للجنوب في المؤسسات الليبية، وأبدوا تشبثهم بمطالبهم طويلة الأمد بشأن المحرومين من المكونات الثقافية في الجنوب بمنحهم الحقوق الكاملة كمواطنين، وضمان تمثيل المرأة في البرلمان من خلال حصة 30 في المئة.

رفض الأقليات يشكل بعدا آخر من أبعاد الأزمة السياسية التي تتمحور حاليا حول الموقف من القوانين الانتخابية التي رفضها مجلس الدولة وانتقدتها الحكومة ودعت البعثة الأممية إلى إعادة النظر فيها

وكانت شخصيات بارزة من التوارق نادت في عريضة تقدمت بها إلى المبعوث الأممي عبدالله باتيلي بضرورة تنفيذ ما جاء في الفقرة 8.2 من المادة الأولى من الاتفاق السياسي الموقع في جنيف على خارطة الطريق للحل الشامل في ليبيا بشأن معالجة مسألة الأرقام الوطنية قبل الانتخابات القادمة، وطالبت بإشراك أسرهم المقيدة في السجلات المؤقتة بمصلحة الأحوال المدنية كما شاركت في انتخابات المؤتمر الوطني سنة 2012.

وفي إحاطته أمام مجلس الأمن الاثنين الماضي أشار باتيلي إلى العراقيل التي تعترض تطبيق قوانين الانتخابات، ومنها أن “حذف المواد التي تسمح لحاملي الأرقام الإدارية بالتسجيل والتصويت -والتي كانت مدرجة في نسخة يونيو من مشروع القوانين الانتخابية- قد يزيد التحديات التي تواجه تنفيذ الانتخابات في جنوب البلاد ويحد من شمول الانتخابات”.

وينحدر أصحاب الأرقام الإدارية من مختلف القبائل، خصوصا في الجنوب الليبي حيث يقدر عددهم بـ17 ألف عائلة ومعظمهم من التوارق والتبو وبعض القبائل العربية مثل الحساونة وأولاد سليمان وغيرها من القبائل التي خرجت من ليبيا في فترة الاستعمار الإيطالي وعادت تباعا بعد الاستقلال عام 1951 أو في بداية السبعينات من القرن الماضي، وأطلق عليها اسم “عائدون” وتم التعامل معها بكثير من الحذر، وخاصة مع المكونات التي تمتلك امتدادات كبيرة في دول الجوار الليبي ولاسيما التوارق والتبو بزعم اندساس عناصر غير ليبية للاستيطان في البلاد تحت غطاء اجتماعي.

ويشكل رفض الأقليات للقوانين الانتخابية بعدا آخر من أبعاد الأزمة السياسية التي تتمحور حاليا حول الموقف من القوانين الانتخابية التي رفضها مجلس الدولة وانتقدتها حكومة الوحدة الوطنية ودعت البعثة الأممية إلى إعادة النظر فيها.

وكانت المفوضية الوطنية العليا للانتخاب أعلنت في التاسع من الشهر الجاري تسلّمها قانوني انتخاب رئيس الدولة ومجلس الأمة اللذين اعتمدهما مجلس النواب في الثاني من الشهر الجاري، معربة عن تطلعها إلى “توافق الأطراف السياسية على استكمال متطلبات إنجاز العملية الانتخابية، وتمهيد الطريق أمام المفوضية لتحمّل مسؤولياتها”.

1