أقصر الطرق لقتل فضول الأطفال إرغامهم على الصمت والتزام الدرس

يتجاهل أغلب المعلمين فضول الأطفال عند إلقاء الدرس، ولا يجيبون على الاستفسارات التي تخرج عن موضوع الدرس في جميع مدارس العالم تقريبا، مما يدفع الأطفال الذين يحاولون طرح أسئلة حول الأشياء التي تثير فضولهم إلى تعلم الإبقاء عليها بداخلهم عندما يكونون في المدرسة، وتضيع بذلك فرص ثمينة لتعلمهم وإبداعهم.
نيويورك – أشارت دراسة أميركية حديثة إلى أن الأطفال يحتاجون إلى من يشجعهم على إلقاء الأسئلة سواء في المنزل أو في المدرسة، لأن الأطفال الفضوليين يقدمون أداء أفضل من غيرهم.
ودقق باحثون من مستشفى “سي.أس موت” للأطفال بجامعة ميشيغان، في درجة الفضول لدى 6200 طفل، كجزء من برنامج الدراسة الطويلة للطفولة المبكرة.
وسلّط كتاب جديد عنوانه “كيف تنجح في المدرسة”، ألفته الكاتبة والصحافية ويندي برلينر مع الكاتبة جوديث جود، الضوء على المسألة، وحاولت المؤلفتان أن تجمعا فيه كل ما يجب أن يعرفه الآباء والأمهات عن أهمية الفضول لدى أطفالهم.
وعملت الباحثتان على تحديد مستويات الفضول عندما كان الأطفال في سنوات حياتهم الأولى وفي مرحلة ما قبل المدرسة، وذلك بزيارة العائلات وطرح أسئلة على مختلف الأفراد.
ثم حرصتا على تسجيل مستوى الصغار في القراءة والرياضيات وطبيعة سلوكهم في رياض الأطفال وفي السنة الأولى من المدرسة، ووجدتا أن الأطفال الأكثر فضولا كانوا أصحاب الأداء الأفضل.
تشجيع الفضول لدى الأطفال، خاصة الذين ينتمون إلى بيئات أفقر على الصعيد المعيشي، أمر مهم
وبالإضافة إلى ذلك، وجدت الباحثتان أن الأداء المدرسي الجيد يرتبط بالفضول أكثر من القدرة على التركيز.
وقالت برلينر على سبيل المثال، يجلس الأطفال الصغار في القسم بينما يستعد معلمهم لتدريسهم عن الطقس بصور للغيوم، وفي خارج الفصول الدراسية، يظهر البرق عبر السماء المظلمة ويسمع الرعد من بعده، ويلاحظ الأطفال الفضوليون ذلك ويحاولون فهم ما يجري من حولهم، لكن المعلم يسكتهم ويشتت انتباههم بصوره، وليست هذه الطريقة التي قررها واضع الدرس لتعليم الصغار عن الطقس، ويمكن أن يتكرر هذا المشهد في أي مدرسة تقريبا.
وأضافت “لا يجب أن يرفض المعلم فكرة تشتيت العاصفة الرعدية لانتباه الأطفال، بل يجب أن يتفاعل مع الأسئلة التي قد يطرحها التلاميذ حول تلك العاصفة”.
وتابعت موضحة “يحتاج المعلمون الذين يركزون على تطوير التركيز والسلوك الجيد لتحسين الأداء الأكاديمي إلى أن يأخذوا تطوير الفضول بعين الاعتبار”.
وقال طبيب الأطفال التنموي والسلوكي في مستشفى “سي.أس موت” للأطفال، الدكتور براشي شاه، وهو الباحث الرئيسي في الدراسة وباحث مساعد في جامعة ميشيغان “قد يكون تشجيع الفضول لدى الأطفال، خاصة الذين ينتمون إلى بيئات أفقر على الصعيد الاقتصادي، أمرا مهما. ويعدّ الفضول أساسا للتعلم المبكر ويجب أن نركز عليه أكثر عندما نخطط لتحسين الأداء الدراسي”.
ويمكن أن يبدو عدد الأسئلة التي يطرحها الطفل كثيرة، لكنها تمثل إحدى الطرق الحاسمة التي يتبناها الإنسان ليتعلم. وفي سنة 2007، وجد الباحثون الذين عملوا على تسجيل الأسئلة التي طرحها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 شهرا و 5 سنوات أنهم طرحوا معدل 107 سؤالا في الساعة. وكان الطفل الواحد يسأل ثلاثة أسئلة في الدقيقة.
وفي مقابل ذلك وجدت الأبحاث التي أجرتها سوزان إنجل، وهي مؤلفة كتاب “العقل الجائع: منابع الفضول في الطفولة”، أن الأسئلة تقل بمجرد أن يتوجه الأطفال إلى المدرسة. وعندما عمل فريقها على تسجيل الأسئلة التي تطرح في الفصول الدراسية، وجدوا أن أصغر الأطفال سنا في المدرسة الابتدائية في الضواحي الأميركية يطرحون بين سؤالين وخمسة أسئلة في غضون ساعتين. والأسوأ من ذلك، استسلم الأطفال مع تقدمهم في السن، وتخلوا عن فكرة طرح الأسئلة تماما.
وكشفت البحوث أنه لم يطرح تلاميذ أحد الفصول أي سؤال على مدرسهم لساعتين في سنتهم السادسة في المدرسة، وكانت أعمارهم تتراوح بين 10 و11 سنة.
وفي حالة أخرى، رفعت إحدى طالبات الصف التاسع يدها وسألت عما إذا كان هناك أي مكان في العالم “دون فن”، لكن المعلمة أوقفتها في منتصف الجملة، وقالت “زوي، لا تسألي أي سؤال الآن. حان وقت التعلم”.
وأوضحت إنجل، وهي أستاذة في علم النفس التطوري في كلية ويليامز في ماساتشوستس “عندما تزور المدارس في أنحاء كثيرة من العالم، يصعب عليك تذكر حقيقة أنها مليئة بالأطفال المفكرين النشطين، حيث لا يتحدث الطفل عما بداخله. ويبدو حسن سلوكهم وأدائهم من الأمور الأكثر أهمية للكثيرين في الفضاء التعليمي. وغالبا ما تدفع المؤسسات التعليمية الفضول جانبا”.
وأضافت “مع عمل المربين على منع الأطفال الصغار من طرح الأسئلة، نجد الطلاب المتفوقين الذين درسهم باحثون أميركيون في سنة 2013 أقل فضولا، لأنهم كانوا يرون الفضول كخطر على نتائجهم المدرسية. وكانت الأسئلة التي طرحوها تهدف إلى تحسين نتائجهم، في حين كانت الأسئلة التي طرحها الطلاب الأكثر فضولا تهدف إلى فهم الدرس على مستوى أعمق.
وقالت برلينر “بالطبع، يشجع بعض المعلمين الفضول، وكانت إنجل تأمل في رؤية ذلك في كل مدرسة تزورها. ولكن، عادة ما يكون الأمر متعلقا بفرد اختار الابتعاد عن خطط منهجية. ونذكر الخطّة المعتمدة في المدرسة كمثال على ذلك”.
لا يتحدث الطفل عما بداخله ويبدو حسن سلوكه وأدائه من الأمور الأكثر أهمية لكثيرين في الفضاء التعليمي
وأضافت موضحة “في سبتمبر المنقضي، اتخذت الحضانة خطوة جذرية وقررت التخلي عن معظم الألعاب التي كانت مخصصة للأطفال بعمر السنتين واستبدالها بمجموعة من صناديق الكرتون والعلب والأواني والمقالي والهواتف القديمة والغلايات وأجهزة الكمبيوتر لتعزيز الاحتمالات الإبداعية”.
وانطلق الأطفال نحو الأشياء الجديدة فورا، ونجحوا في تشييد أعمدة وسفن فضائية مع صناديق من الورق المقوى وتظاهروا بإجراء محادثات مع أشخاص خياليين على الهواتف القديمة. واستخدمت المفاتيح القديمة لفتح الممالك الخيالية، ولم يطالب معظم الأطفال باللعب القديمة.
وقال مدير الحضانة، مات كالدويل، إن الآباء والأمهات والمدرسين المتشككين اقتنعوا بالتغيير بسبب ارتفاع درجات الإبداع والمحادثات بين الأطفال.
وتابع “يحب الأطفال نسخ ما يفعله البالغون. فالأطفال فضوليون ويرغبون في اكتشاف عالمهم بذلك. تقتل المدرسة الفضول. متى يحصل الأطفال على فرصة لطرح أسئلة حول الأشياء التي تهمهم؟ بمجرد أن يسجلوا في المدرسة الابتدائية، عليهم أن يصمتوا ويتعلموا. إنه ليس خطأ المعلمين الذين يحملون الكثير من الأهداف لتحقيقها في ساعات الدوام المحدودة”.
ومن جانبه قال بول هوارد جونز، وهو أستاذ في علم الأعصاب في جامعة بريستول، والذي زار الحضانة لمراقبة الأطفال الذين يلعبون مع أشيائهم الجديدة، إن البشر يتعلمون من المواقف الجديدة. وأكد على أن الفضول مهم لتحقيق تلك العملية.
وأضاف “يجب تشجيع الأطفال على طرح الأسئلة على الرغم من أن ذلك قد يشكل تحديا للمعلم. نحتاج إلى تخصيص بعض الوقت لطرح الأسئلة خلال اليوم. لا يوجد وقت في المدارس للإبداع والفضول”.