أعمال درامية تضرب أخلاق الأسرة العربية في مقتل

كانت الأعمال الكوميدية دائما وسوف تظل وجبة خفيفة ومحببة لدى الكثير من الأسر العربية، كونها توفر الابتسامة والمتعة والبهجة للمشاهد، إلا أن الأمر الآن أصبح مختلفا، حيث صدمت العديد من تلك الأعمال أذواق ومشاعر المشاهدين بما احتوته من إيحاءات جنسية وبذاءات لفظية وسخريات من المرأة، ما دفع الآباء والأمهات إلى إبعاد صغارهم عن تلك المسلسلات.
الاثنين 2017/07/10
مسلسلات صادمة

الأعمال الكوميدية التي قُدمت في شهر رمضان بلغ عددها 8 مسلسلات حملت في غالبيتها أسماء لافتة للنظر وغير معتادة، من ذلك عناوين مثل “هربانة منها” لياسمين عبدالعزيز، و”خلصانة بشياكة” لأحمد مكي، و”ريَّح المدام” لأحمد فهمي، وهي أسماء تحمل إيحاءات اجتماعية سلبية، وتم تغيير العديد منها بأمر الرقابة قبل عرضها.

كان من أكثر الأمور التي رفضها الجمهور الاستفاضة في استخدام الألفاظ البذيئة ذات المضمون الجنسي، والتي تحض على العنف ضد النساء والتحرش الجنسي.

في مسلسل “ريّح المدام” مثلا تكررت كلمة “الاغتصاب” في مشهد واحد أربع مرات، وفي مشاهد أخرى استأجر الزوج لزوجته بلطجية لضربها، ورغم محاولة صنّاع الدراما إضفاء الطابع الكوميدي إلا أن المحتوى جاء سخيفا ولم يكن مضحكا على الإطلاق.

في مسلسل “عفاريت عدلي علّام”، للفنان عادل إمام، تعمّد إمام استخدام الإيحاءات الجنسية في الكثير من المشاهد، إضافة إلى فقر المحتوى وبعده تماما عن الكوميديا المبنية على القصة الواضحة المعالم والحوار الجيد، ورسخ في مسلسل “لمعي القط” (من بطولة ابنه محمد عادل إمام) مبدأ البلطجة مع استخدام الألفاظ البذيئة بكثرة ما أدى إلى انصراف الكثير من المشاهدين عن كلا المسلسلين.

كررت ياسمين عبدالعزيز في مسلسل “هربانة منها” نفس الأداء الحركي وطريقة التحدث المستخدمة في كافة أعمالها، مع تركيزها أيضا على استخدام الإيحاءات الجنسية، وتجسيد السيدة المصرية الشعبية بشكل ساخر وغير واقعي، ومن ثم إبراز صورة المرأة بشكل لا يليق بها.

في مسلسل “خلصانة بشياكة” لأحمد مكي، والذي كان محور حلقاته الصراع بين الرجال والنساء من خلال حرب جارية بينهما لإظهار أيهما الأقوى، تم تصوير النساء على أنهن تافهات سطحيات لا يتركز اهتمامهن إلا على المكياج فقط، وكان ثمة حرص على إبراز أن الرجل أقوى وأهم من المرأة.

المجلس القومي للمرأة في مصر (هيئة حكومية)، أدان في بيان صحافي أسلوب الحوار في الأعمال الدرامية واستخدام الألفاظ البذيئة والإيحاءات الجنسية وانتشار السبّ بالأم، واعتبر البيان أن في ذلك إهانة بالغة للمرأة وتقليلا من مكانتها في المجتمع ونيلا من كرامتها، وسيؤدي إلى خلق أجيال لا تُقدّر المرأة أو تحترمها، ما يتسبب في تفكك الأسرة وتدهور الأخلاق وانحطاط الذوق العام.

وأعلنت مبادرة “نساء من مصر” التي تهتم بطرح النماذج المضيئة من النساء المصريات الناجحات، اعتراضها على المعنى الكامن وراء تلك المشاهد التي ترسخ العنف ضد المرأة في مجتمع ذكوري يتعامل معها كجسد فقط.

الكثير من الأمهات أكدن أن هذه الدراما تؤثر بشكل على طريقة تفكير أطفالهن وتجعلهم يتفوهون بألفاظ بذيئة

وفي مسلسل “لالالاند” بطولة دنيا سمير غانم، كان هناك أيضا اعتراض على السخرية المستمرة من السمنة المفرطة للفنانة شيماء سيف، التي أدت في المسلسل شخصية فلاحة اسمها هانم، ورغم أن الشخصية كوميدية إلا أن النقاد رأوا أن السخرية الزائدة من الوزن الزائد لها يمكن أن تسبب ألما للمشاهدين من أصحاب السمنة، وتؤصل لفكرة السخرية من هؤلاء الأشخاص، خصوصا وأن نسبة عالية من الأطفال شاهدوا المسلسل. ورغم اهتمام البعض من الفضائيات بوضع تنويه عن الشريحة العمرية التي يمكنها مشاهدة تلك الأعمال إلا أن الكثير منها لم يهتم بوضعها، بينما رأى عدد من النقاد أن هذه الأعمال لا تصلح أصلا للمشاهدة، لا من الصغار ولا من الكبار، ووصفوها بـ”السخيفة”.

واتهمت الناقدة الفنية خيرية البشلاوي تلك الأعمال بفراغ المحتوى والسطحية، بالإضافة إلى استخدامها ألفاظا غير لائقة تدخل إلى البيوت دون استئذان ما يؤثر سلبا على الأطفال والشباب ويعزز لديهم استخدام مصطلحات غريبة توفرها لهم تلك الأعمال على لسان أبطالها.

وأضافت البشلاوي لـ”العرب” أن تلك الأعمال خيبت الظن بها فنيا وكانت دون المستوى من حيث القصة والمحتوى الدرامي، واقتصرت على مجموعة من “الإفيهات” و”القفشات” غير المضحكة دون أي مراعاة للذوق العام.

ولفتت إلى أن ذلك يؤدي إلى ترويج صورة غير حقيقية عن المجتمع المصري، وأكدت أنها لم تكمل مشاهدة أي من تلك الأعمال حتى النهاية بل اكتفت بمشاهدة حلقات قليلة من كل عمل ثم انصرفت عندما اكتشفت ضآلة محتواها وفقرها الكوميدي.

الكثير من الأمهات أعلنّ عن غضبهن من خلال الصفحات النسائية على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تجمع تحت مظلتها الآلاف منهن، وأكدن أن هذه الدراما تمثل خطورة كبيرة على أطفالهن الصغار وتؤثر بشكل كبير على طريقة تفكيرهم وتجعلهم يتفوهون بألفاظ بذيئة محاكاة لأبطال هذه الأعمال، وأكدت الكثيرات منهن أنهن منعن أطفالهن من مشاهدتها.

قالت إحدى الأمهات “تفاجأت بطفلي وهو يسألني ماذا تعني كلمة ‘اغتصاب\'”، ثم أوضحت لـ”العرب” أن طفلها عمره أربعة أعوام فقط، وكان يشاهد معها مسلسلا من المفترض أنه عائلي ومسموح للأطفال بمشاهدته، وأكدت أنها لم تستطع الإجابة عليه فغيّرت مجرى الحديث، ولكنها عادت لتقول “أنا واثقة من أن تلك الكلمة ستظل في ذهن ابنى وتلح عليه ولن يرتاح إلا إذا وجد الإجابة عليها”.

قالت سامية خضر أستاذة علم الاجتماع، لـ”العرب”، إن التلفزيون وما يُطرح فيه له تأثير عظيم على كل أفراد الأسرة، وبالتأكيد فإن أكثر شريحة يقع عليها الضرر الأكبر هم الأطفال الذين يكونون بمثابة “أسفنجة” تمتص بسهولة شديدة كل ما تشاهده أو تسمعه، وبالتالي تتكون شخصية الطفل من خلال تلك التراكمات السمعية والبصرية التي تستقر بعقله، مؤكدة أنه حتى إذا لم يتفوه الطفل بهذه الألفاظ أمام الأسرة في حالة منعه واعتراضها فإنها ستظل كامنة بداخله إلى أن يتفوّه بها ويظهرها أمام أصدقائه.

وأوضحت أن الدور الرقابي على تلك الأعمال التي تُعرض على الشاشة غائب تماما من قبل الجهات المعنية، وشددت على ضرورة تمرير هذه الدراما قبل عرضها من خلال “فِلتر” (مصفاة) أخلاقية ودينية، بحيث لا يتم السماح فقط إلا بما يناسب المبادئ والأخلاق الشرقية لمجتمعاتنا حتى لا تكون النتيجة خلق أجيال مشوهة دينيا وفكريا ومفرغة من القيم التي تحث على الأخلاق الكريمة.

المجلس القومي للمرأة في نهاية تقريره الذي أصدره عن الأعمال الرمضانية وتناولها لصورة المرأة، طالب بأن تهتم الدراما بنشر الأخلاق والقيم، وأن تسلط الضوء على النماذج النسائية الناجحة في المجتمع المصري وما أكثرها، وأن تحث على احترام المرأة باعتبارها شريكا فعالا في المجتمع.

21