أعطيني "قلبك" يا بوكبة

عادة ما تنسب المواقف والخيارات الشخصية مجازا إلى القلب، كونه نواة الجسم الآدمي، فالاعتقاد السائد لدى الكثيرين أن مصدر القرارات الجريئة والحاسمة هو القلب، ولذلك يكون صاحبه محل استعارة، على أمل استلهام تلك الطاقة التي شحذت صاحبها على اتخاذ قرار معين، فيقولون في الجزائر والمنطقة المغاربية عموما “أعطيني قلبك”.
هو ليس مجرد كاتب أو اعلامي أو ناشط في القطاع الثقافي، بل نموذج لا يحدث أن تجده غاضبا أو متشائما أو مستكينا، حتى في ذروة ظروفه الصعبة إن سمحت لك علاقتك به معرفتها، ولذلك كسب خاصية إنسانية نادرة تميز بها القليل، خاصة في هذا القطاع الذي يعرف يوميا رمي العشرات للمنشفة.
ظهر عبدالرزاق بوكبة، طريح الفراش في مستشفى برج بوعريريج على مرتين، متأثرا بنوبة تعب وكورونا، وطبيعي جدا أن يحظى شخص مثله بتعاطف الجمهور الأدبي والفني وتضامنه، لكن غير الطبيعي هو تلك العودة السريعة إلى ميدان النشاط الأدبي والفني التطوعي، بدل الاستسلام إلى فترة نقاهة أو الأفكار السلبية التي تنتاب الكثير في مثل حالته.
الرجل ليس أجيرا عند أيّ من المؤسسات الوصية على القطاع الثقافي والفني، لكي تفترض إمكانية ضغط المستخدم على أجيره من أجل العودة السريعة إلى منصبه أو الاشتغال دون إجازة، بل هو متطوع، متبرع، لإشباع غريزة مزمنة لديه لخدمة أيّ عمل وحتى مجرد إيحاء ثقافي أو فني.
وعلى عكس النخب الثقافية والفنية المنجذبة إلى إغراءات القصور والأضواء، فقد صنع بوكبة، لنفسه تغطية مستمرة على شبكات التواصل الاجتماعي، والتفاعل المتواصل مع طاقات وكفاءات معزولة، عملت الجغرافيا والإعلام على تهميشها، فجاب الجزائر طولا وعرضا، مؤطرا أو مساهما أو موجها، فأنتج بذلك أسلوبا في دمقرطة الإبداع والإنتاج الثقافي والفني، وكان أبا روحيا للكثير من الأشخاص والجمعيات الناشطة.
لم يبلغ من العمر عتيا، فهو شاب في ذروة الإبداع والإنتاج، لكن خبرته المتراكمة من مراحل حياته من القرية إلى المدينة، ومن برج بوعريريج إلى العاصمة، ومن حمام وسط العاصمة وإضراب التلفزيون، إلى مفاصله الإبداعية والعودة إلى برج بوعريريج لبداية مرحلة مفعمة بالنشاط والحيوية، لا تجد بوكبة، لا غاضبا ولا متعصبا ولا متشائما أو مستكينا، فأيّ إرادة وأيّ عزيمة وأيّ ذهن يحمل هذا الرجل؟
يمكن لبوكبة، أو هو مطالب بأن يوسع رحلة الإبداع والعطاء إلى “قلبه” فيعيره للبعض من أجل استعادة قواهم ومعنوياتهم من أجل العودة إلى ميادينهم ومواجهة العراقيل التي تعترضهم، فلا إكراهات الحياة ولا ضغوطات العيش ولا بيروقراطية الإدارة ولا فخاخ الحاسدين أثنته عن الاضطلاع برسالته، وهو نفَس يحتاجه كل قلب ينبض في جسد صاحبه من أجل أن يصبح كقلب بوكبة.