أضخم ميزانية في تاريخ ليبيا: 37 مليار دولار مقابل استمرار الانقسام الحكومي

المساواة بين حكومتَيْ حماد والدبيبة انتصار للبرلمان.
الجمعة 2024/07/12
انتصار لحكومة حماد والبرلمان

صادق مجلس النواب الليبي بالإجماع على اعتماد مخصص إضافي للميزانية العامة للدولة لعام 2024، بقيمة 88 مليار دينار (18.3 مليار دولار) لترتفع الميزانية العامة الموحدة إلى 180 مليار دينار (37 مليار دولار)، وبذلك تكون أول ميزانية بهذا الحجم في تاريخ ليبيا.

وكشف التصديق على الميزانية الجديدة عن وجود توافقات تحت الطاولة بإشراف القوى الدولية المؤثرة وعلى رأسها الولايات المتحدة، كما يؤكد أن الهدف وإن كان ظاهريا حل الأزمة المالية المتفاقمة في البلاد إلا أنه يخفي أهدافا أخرى من بينها استمرار الواقع الحالي على ما هو عليه بما يؤدي إلى تكريس الانقسام الحكومي والسياسي بين طرابلس وبنغازي.

ويرى مراقبون أن الجانب المنتصر من العملية ككل هو مجلس النواب الذي فرض إرادته على الجميع بعدم التعامل المباشر مع حكومة عبدالحميد الدبيبة التي كان قد سحب ثقته منها منذ سبتمبر 2021، والمساواة بينها وبين الحكومة المنبثقة عنه، وفرض المساواة أيضا بين الحكومتين في الموارد المالية المسندة إلى كل منهما، وتمكين الجيش الوطني من ميزانية تقدر بحوالي أربعة مليارات دينار.

ومن غير المعروف ما إذا كانت الولايات ومن خلفها أوروبا تسعيان من خلال هذه الاسترضاءات لاحتواء اندفاع قائد الجيش المشير خليفة حفتر المتزايد إلى روسيا، خاصة مع تأخر الإعلان عن تعاون رسمي بين روسيا والسلطات شرق ليبيا كانت قد تحدثت عنه تقارير غربية قبل أشهر.

وكان لافتا حجم الميزانية خاصة أن مجلس النواب كان قد أثار جدلا واسعا في 2021 عندما اقترحت حكومة الدبيبة 110 مليارات دينار، حيث قال إنها “تفوق احتياجات المرحلة”.

وقالت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد إن الميزانية العامة لعام 2024 التي قدمتها واعتمدها مجلس النواب أول أمس الأربعاء “موحدة لكامل التراب الليبي”، وإنها راعت فيها “جميع الملاحظات المطلوبة من جميع الأطراف”، دون أن تكشف عن هوية الأطراف التي كان لها دور في تحديد الميزانية.

واعتبرت الحكومة أن التصديق على هذه الميزانية “سينعكس إيجابيا على جميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن شأنه أن يعزز مبدأ الشفافية في الإنفاق العام ووفقًا للقانون المالي للدولة”، وعبرت عن تطلعها لأن تكون هذه الخطوة هي “الخطوة الأولى على طريق توحيد جميع مؤسسات الدولة أسوة بالمؤسسات المالية ومصرف ليبيا المركزي”.

وكان عضو مجلس النواب صالح فحيمة قال في بيان إن المجلس صوت لصالح اعتمادات إضافية للميزانية بقيمة 88 مليارا و976 مليونا و490 ألف دينار، فيما أكد رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب عمر تنتوش أن الميزانية التي تم اعتمادها لم تتضمن أي زيادة لأي قطاع، واقتصرت الزيادات على تسوية أوضاع العسكريين المتقاعدين.

وفي المقابل رفض المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ومقره العاصمة طرابلس، الخميس الميزانية التي أقرها مجلس النواب المتمركز في شرق البلاد، وحذر من زيادة الانقسام وإهدار المال العام.

عمر تنتوش: الميزانية التي تم اعتمادها اقتصرت الزيادات على تسوية أوضاع العسكريين المتقاعدين
عمر تنتوش: الميزانية التي تم اعتمادها اقتصرت الزيادات على تسوية أوضاع العسكريين المتقاعدين

وجاء الرفض في رسالة وجهها رئيس المجلس محمد تكالة إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في بنغازي.

وقال المجلس إن “تمادي مجلس النواب في تجاوزاته وإدارته الشأن العام بإرادته المنفردة لن يقود إلا إلى مزيد من الانقسام”.

وذكر أن الميزانية البالغة نحو 179 مليار دينار ليبي “مبلغ مالي غير مسبوق”.

وكان تكالة قد حذر قبل التصديق على الميزانية من خطورة هدر المال العام والمقدرات العامة وتداعياته، محملا القائمين على هذا المال مسؤولية آثار ذلك السلبية على المجتمع والبلاد، داعيا كل ذي مصلحة إلى الطعن في قانون الميزانية الذي صدر بالمخالفة أمام القضاء المختص.

وانتُخب مجلس النواب في عام 2014، بينما تم تشكيل المجلس الأعلى للدولة في إطار اتفاق سياسي أبرم عام 2015 وجرى اختيار أعضائه من البرلمان المنتخب في عام 2012.

وللمجلس الأعلى للدولة، وهو هيئة استشارية، كلمة في المسائل السياسية الرئيسية بموجب بنود اتفاق عام 2015.

وأكد المجلس في الرسالة على “رفضه التام لما تم إقراره في جلسة مجلس النواب… ويعدها غير ذات أثر قانوني”.

وبحسب أوساط ليبية لم يعد موقف المجلس الأعلى للدولة ذا أهمية في ظل التوصل إلى التصديق على ميزانية سيتم توزيعها على الحكومتين المتنافستين على حكم البلاد، وهما حكومة عبدالحميد الدبيبة في غرب البلاد وحكومة أسامة حماد في منطقتي الشرق والجنوب. كما أن هذا الحدث لا يمكن عزله عن توافقات دولية تتأكد بالخصوص من خلال دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتأثير العملي لواشنطن ولندن وباريس الذي أدى إلى إقناع محافظ مصرف ليبيا المركزي بأهمية التنسيق مع مجلس النواب لحلحلة أزمة ميزانية الدولة لعام 2024.

وتأتي هذه الخطوة لتنسف ما راج من أنباء خلال الفترة الماضية بشأن اقتراب التوصل إلى تفاهمات بخصوص تشكيل حكومة موحدة تنهي الانقسام وتشرف على الانتخابات المؤجلة منذ سنوات.

1