أصيلة تضع اللبنة الأولى لمتحف فنانها الراحل محمد المليحي

المدينة تعد مركز إشعاع ثقافي بالمغرب وذلك لاحتوائها على أكبر معرض فني مفتوح.
الخميس 2020/11/19
فنان آمن بمدينته وساهم في إشعاعها الثقافي

أصيلة (المغرب) - تنظم مجموعة من الفنانين التشكيليين في مدينة أصيلة المغربية مشغلا فنيا ترحما على روح أستاذهم الفنان التشكيلي محمد المليحي، وذلك من 16 إلى 27 نوفمبر الجاري بقصر الثقافة، بإشراف من مؤسسة منتدى أصيلة.

ونقل بلاغ للمؤسسة عن أمينها العام محمد بن عيسى قوله “إن هذا المشغل يعتبر استحضارا روحيا وعاطفيا لروح الفنان الكبير الذي يعتبر أحد رواد تحديث الفن التشكيلي في المغرب”.

وأضاف بن عيسى أن “الأعمال التي تنجز في هذا المشغل ستكون نواة المجموعة الفنية في متحف المليحي الذي ستقيمه مؤسسة منتدى أصيلة نهاية العام المقبل”.

وأشار البلاغ إلى أن محمد المليحي وصديقه محمد بن عيسى كانا قد أطلقا، قبل أربعين سنة، مشروع أصيلة الثقافي والفني، بهدف دعم مشاريع التنمية الشاملة في المدينة.

وأوضح المصدر أن هذا الأمر بدأ في أبريل 1978 حين نظمت أول عملية لصباغة الجداريات في أصيلة شارك فيها أحد عشر فنانا مغربيا، تبعها في شهر يوليو من نفس السنة افتتاح “مشغل الحفر” بحضور الفنانين ر.أبولراش (غواتيمالا)، روبير بلاكبورن (الولايات المتحدة)، فريد بلكاهية (المغرب)، كامي بلويس (الولايات المتحدة)، سليم الدباغ (العراق)، محمد الخليل (السودان/الولايات المتحدة)، محمد المليحي (المغرب) وناصر سومي (فلسطين).

وسجل البلاغ أنه منذ ذلك الحين دأب فنانون من المغرب والأميركتين وأفريقيا وأوروبا والعالم العربي على المشاركة في هذه التظاهرة الفنية والثقافية. كما أنه تم الإعلان عن موسم أصيلة الثقافي الدولي الأول صيف ذلك العام.

محمد بن عيسى: المشغل الفني استحضار روحي وعاطفي لروح الفنان الكبير الذي يعتبر أحد رواد تحديث الفن التشكيلي في المغرب
محمد بن عيسى: المشغل الفني استحضار روحي وعاطفي لروح الفنان الكبير الذي يعتبر أحد رواد تحديث الفن التشكيلي في المغرب

محمد المليحي إذن من بناة موسم أصيلة، المدينة التي ولد فيها في ثلاثينات القرن الماضي، حيث تمكن هذا المهرجان على مدى دوراته المتعاقبة من أن يكون نادرا في أناقته لو قارناه بالمهرجانات الفنية العربية الأخرى، حيث هناك في مهرجان أصيلة شيء تفتقد إليه المهرجانات الفنية العربية الأخرى ألا وهو الحرية.

ليس من فراغ انخراط المليحي في هذه التظاهرة، المفتوحة والتي تحاول الاقتراب من الناس وتقريب الفنون والثقافة إليهم حتى في الشوارع، فقد انصب اهتمام الفنان في مرحلة من مراحله الفنية على تأثير الفن على المجتمع، وحاول استعادة دور ومكانة الفن في الحياة اليومية للناس وفي هواجسهم وعاداتهم، بعد أن أبعده ربما انفصاله عنهم عبر المغالاة في التجريب وإنكار المتلقي.

 وكان وجود صديقه محمد بن عيسى على رأس السلطة في أصيلة مناسبة لتمرين جمالي بالنسبة إلى المليحي، تمرين كان يهدف إلى أن يشارك فيه الناس العاديون بأيديهم وأبصارهم وخيالهم، وقد صنع الرجلان مدينة خيالية، لها من الحكايات ما يشبه الأمواج التي ترتطم بيابستها، غير أن كل شيء في أصيلة كان يذكر بلوحات المليحي، وكأنما الرجل صنع مدينة تشبه لوحاته أو المدينة صنعت نفسها في لوحاته.

وبمرور السنوات تطور موسم أصيلة وتمكن من أن يصبح أهم تظاهرة ثقافية وفنية لا بالمدينة فحسب وإنما في المغرب ككل إضافة إلى إشعاعه العربي والعالمي الكبير، وفي كل سنة تقدم التظاهرة التي تنظمها مؤسسة منتدى أصيلة، مجموعة من السهرات والعروض والندوات والموائد المستديرة حول مواضيع مختلفة بمشاركة مفكرين وباحثين وإعلاميين ورجال سياسة مغاربة وأجانب، في إطار اللقاءات التي تنظمها جامعة المعتمد بن عباد الصيفية. وتناقش في كل دورة ثيمة فكرية أو ثقافية راهنة بكل جرأة وتحرر.

ويتوج موسم أصيلة الثقافي الدولي في نهاية فعالياته بحفل تسليم الجوائز لسكان مدينة أصيلة. المدينة التي تقع على شاطئ المحيط الأطلسي، والتي شهدت على مدى ثلاثة عقود من الزمن تحولات هامة، فعبر منتدى أصيلة الثقافي استطاعت أن تتحول إلى قطب ثقافي وسياحي هام، يحج إليها الآلاف من المثقفين كل سنة.

وتعدّ المدينة مركز إشعاع ثقافي كبير بالمغرب عامة وبمنطقة جبالة خاصة، وذلك لاحتوائها على أكبر معرض فني مفتوح في المغرب يتمثل في أزقة المدينة وأحيائها، كما تتميز بالنمط المعماري الأندلسي الأصيل.

إنجازات هامة تحققها المدينة، ما كان لها أن تتحقق من دون الانطلاقة الأولى من مخيلة الفنان محمد المليحي وصديقه محمد بن عيسى. ونذكر أن محمد المليحي توفي أواخر شهر أكتوبر الماضي عن عمر 84 عاما، بعد دخوله لقسم العناية المركزة بأحد مستشفيات باريس على إثر إصابته بعدوى فايروس كورونا.

والمليحي من أبرز رواد الفن التشكيلي المغربي المعاصر، حيث يصفه الكاتب العراقي فاروق يوسف قائلا “يمد محمد المليحي خيطا خفيا من التأملات البصرية، ليصل إلى اللامتناهي من الأشكال التجريدية التي لا تعلن إلا عن درجة صفائها ورغبتها في أن تحلّق وحيدة، منفصلة عن أصولها الواقعية، كما لو أنها تضفي من خصالها صفات على المشاهد الطبيعية التي لا يزال المليحي يهيم في مطاردة تجلياتها، مثلما كان يفعل في طفولته وهو المولود عام 1936 في أصيلة، البلدة الصغيرة النائمة على ساحل بحر الظلمات”.

 
14