أصدقاء للإيجار لتعويض انشغال الأبناء

بدأت خدمات تأجير الأصدقاء تجد أرضية للانتشار في بعض المجتمعات العربية كوسيلة علاج فعالة بالنسبة للمصابين بالوحدة المزمنة وكخيار ناجح للباحثين عن التعاطف والعناية والفاقدين لمشاعر دفء الأسرة أو حتى لأولئك الساعين لتعويضها من خلال التعاطي مع أشخاص يبدون اهتماما ولو ظاهريا فقط.
شباب عرب اتخذوا من تغيرات مفهوم الأسرة وسيلة للربح المالي، ولعب دور مجتمعي في الوقت ذاته، وقاموا بتأسيس شركات هدفها توفير الصديق لمن لا يجد من يسمعهالقاهرة- تعاني بعض الأسر العربية من اختلال في المقومات الأساسية مع غلبة تعقيدات الحياة على المشاعر، وانحسار اهتمام الأبناء بآبائهم وأمهاتهم مع التقدم في العمر، وأصبح الوالدان من كبار السن في موقف صعب، حال فقدان أحدهما للآخر واكتمال رحيل شبكة الأصدقاء.
اتخذ شباب عرب من تغيرات مفهوم الأسرة وسيلة للربح المالي، ولعب دور مجتمعي في الوقت ذاته، وتم تأسيس شركات هدفها توفير الصديق للقيام بدور يتراوح بين البوح والفضفضة لمن لا يجد من يسمعه.
تزايدت عملية تقديم خدمات تأجير الأصدقاء في المناسبات كاصطحابهم في اجتماع عمل أو التسوق أو القيام بخدمات أسرية مثل رعاية الأطفال وكبار السن، أو حتى توفير صديقة تقوم بتمثيل دور الفتاة التي يرتبط بها الشاب عاطفيا والظهور معه في المناسبات.
وصلت شرائح الخدمات المقدمة إلى “التفريغ النفسي” للمساعدة على تخطي ضغوط العمل ومنع تسربها إلى محيط الأسرة فتشعل خلافات داخلها، فمثلا في حال يعمل أحد الزوجين مع مدير فظ يمكنه تأجير صديق لتوبيخ المدير هاتفيا ورد الاعتبار للزوج الموظف ومنحه الشعور براحة نفسية.
يرحب كبار السن بتلك الخدمات، رغم دفاعهم المستميت عن مفهوم الأسرة وتقاليدها، لأن الحاجة تولد الاختراع وتدفع إلى خوض التجربة فيختارون تأجير صديق بدل المعاناة من مرارة الوحدة.
يقصد أسعد، وهو طبيب أمراض باطنية مصري تجاوز السبعين عاما، عيادته يوميا من أجل التحدث مع المرضى فقط وملء فراغ الوقت بعد وفاة زوجته وسفر ابنيه للعمل في الولايات المتحدة. ولا يهدف أسعد إلى الربح من عمله حيث يتقاضى أجرا رمزيا يكفي لدفع رواتب العاملين في عيادته.
أسعد واحد من مئات الآلاف الذين اجتذبتهم صفحات إلكترونية تزايدت أدوارها باستمرار، لتستحدث خدمات تمكن الشخص من قضاء وقت أطول مع أفراد عائلته بدل إنجاز البعض من الشؤون، كالوقوف في طوابير المصالح الحكومية التي تضيع فيها الساعات، أو القيام ببعض الأعمال المنزلية التي تستغرق وقتا.
ظل أسعد لمدة عامين في المنزل، عرف فيهما أن الوحدة أخطر ما يهدد الإنسان في السن المتقدمة، بعد تفكك الأسرة. يقول لـ”العرب”، إن “الوقت مر عليّ بطيئا وشعر أني أعيش فقط في انتظار الموت لذلك اتخذت قرارا بالنزول لعيادتي لاستعادة الدفء في حياتي”.
تشترك الانتقادات لفكرة أصدقاء الإيجار في كونها منقولة عن المجتمعات الغربية التي تتوافر فيها شركات تمكن أي شخص من ملء استمارة بيانات شخصية، تخص الحياة والعمل والهويات ونوعية الصديق المطلوب واستعراض الأشخاص المتاحين والمستعدين لتأجيرهم وهوياتهم ومواهبهم ودرجة تعليمهم وأعمارهم.
يمكن اصطحاب الصديق إلى الغذاء أو ممارسة الرياضة، أو تعلم هواية جديدة، أو عند التعرف على أناس جدد، أو اصطحابه في مناسبة رسمية أو اجتماعية، كما تتيح الخدمات المقدمة التعرف على كافة هويات الأصدقاء والأمور التي يبرعون فيها لاختيار عناصر مشتركة أو مساحة للحوار المتبادل بينهما.
يشير علماء النفس إلى أن الشعور بالوحدة عندما يتحول إلى مرض مزمن يحمل تبعات وخيمة على الصحة النفسية والبدنية، ويشككون في جدوى أصدقاء الإيجار في حال تفاقم الشعور المؤلم بالوحشة الذي ينتاب المرء داخل محيط الأسرة.
ورغم أن ظهور فكرة أصدقاء الإيجار تناولتها أعمال سينمائية أميركية شهيرة، ولها تطبيقات عديدة على الهواتف المحمولة، لكنها لم تطرق الأبواب العربية إلا مع تنامي وسائل التواصل التي خلقت جزرا منعزلة داخل الأسرة الواحدة.
يقوم رجب أشرف، أحد القائمين على مشروع “صاحب مجاني” -الذي تم تدشينه في مصر- بتوفير الخدمات دون مقابل فالعمل برمته تطوعي بهدف تعزيز فكرة التكافل واستعادة روح الأسرة بعد انهيارها دون مخالفة العادات والتقاليد.
يبدو الشعور بالعزلة مقترنا بكبار السن، لكن الدراسات الحديثة تؤكد أنه متواجد داخل الأسر المكتملة، فالفئة العمرية الأكثر شعورا بالانعزال تنتمي إلى فئة الشباب من سن 16 إلى 24 عاما، في ظل غياب الحس التعاضدي الذي تؤسس له الأسر بجلساتها المستمرة في أثناء وجبات الطعام وجلسات السمر.
أشار أشرف، الذي يدرس هندسة الكمبيوتر لـ”العرب”، إلى أنه عمل في عدد من الجمعيات الخيرية ويؤمن بأهمية العمل التطوعي ويضع مجموعة من المعايير مع أصدقائه أصحاب الفكرة، لتنفيذها دون أخطاء أو التسبب في مشكلات أو تعرض الزبائن -إذا جاز التعبير- للنصب والاحتيال.
تدور التحفظات على فكرة تأجير الأصدقاء تحت ذرائع تنافيها مع قيم الأسر العربية التي تضع قيودا للصداقة بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج.
تتخذ تلك المشروعات ركنا مكمّلا للأسر التي يعاني أعضاؤها شعورا بالوحدة المطبقة أو التي رحل عنها عائلها بالسفر أو الموت أو لظروف شخصية أو مهنية، كما تبدو جيدة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الخجل الذي يحول دون قدرتهم على التواصل الطبيعي مع الآخرين.
يبدي المسن مصطفى عبدالعليم ترحيبا كبيرا بفكرة تأجير الصديق فلم ينجب أطفالا ولا يتواصل معه أحد من عائلته، وبالنسبة له لا يؤجر صديقا لكنه يطلب الاستعانة بخدمات ابن افتراضي يساعده في نهاية عمره.
يقول مصطفى لـ”العرب”، إن حارس العقار يؤمّن له احتياجاته، وكثيرا ما يكون مشغولا، ما يجعله دائما في مشكلة حقيقية بسبب الوحدة وخوفه من أن يتعرض لأزمة صحية مفاجئة ويرفض ترك المنزل الذي قضى فيه قرابة الأربعين عاما والتوجه إلى دار للمسنين.
التحفظ على فكرة تأجير الأصدقاء يعود لتنافيها مع قيم الأسر العربية التي تضع قيودا للصداقة بين الرجل والمرأة
يستثني المعارضون لـ”أصدقاء الإيجار”، على أساس أنها تقليد أعمى لا يليق بأخلاقيات الأسر العربية، نواحي محدودة كرعاية كبار السن أو توفير خادمة لرعاية الأطفال في أثناء انشغال الأم أو تأجير عاملة نظافة للبيت.
تؤكد أمل نورالدين، أستاذة علم الاجتماع، أن استيراد الأفكار الغربية بات واضحا وسببه انفتاح العالم فالثقافات أصبحت ممزوجة ببعضها دون فواصل مشيرة إلى استلهام الحلول من الخارج في وجود نمط من المشكلات المحلية.
تشير نور الدين لـ”العرب”، إلى أن قطع صلة الرحم وراء دعم فكرة صديق للإيجار في ظل اختلال مقومات الكثير من الأسر التي أصبحت متنافرة، وغياب الصديق الحقيقي الذي دفع إلى البحث عن صديق بمقابل مادي يسد الفجوة في حياة الكثير من الأشخاص.
يعاني بعض الشباب أيضا من عدم القدرة على التفاعل مع شبكة الأقران أو التعرض للتنمّر العرقي والنوعي ما يخلق داخلهم مشكلات نفسية ودرجات من عدم تقبل الذات وتتفاقم المشكلة حال انشغال الأبوين وعدم وجود من يشكون له أو يخفف الحالة النفسية السيئة.
توقعت نورالدين عدم نجاح الفكرة بمسمى “أصدقاء للإيجار”، وربما تنجح مع إطلاق مسميات أخرى كأداء المهام المنزلية أو قضاء شؤون المسنين بمقابل مادي، مع عدم التركيز على مفهوم الصداقة كعنصر أساسي في هذه الخدمة.