"أشهد أنّي قد عشت".. عصر العمالقة!

قد يكون بيل غيتس شخصية مملة، ولكنه حتما شخصية تفرض الاحترام وتستحق أن يشعر المرء بالفخر أنه عاش في عصرها.
الجمعة 2025/04/04
شخصية متفردة

لا أعلم هل هو حسن الطالع أم سوءُه ما جعلني أحيا في عصر “العمالقة”؟ وأنا لا أقصد هنا العصر البطولي الذي ينتمي إليه أبطال أسطوريون أمثال أخيل، وهيكتور، وأوديسيوس، بل عصر ينتمي إليه تيم بيرنرز لي، ستيف جوبز، بيل غيتس، وبول ألن. الذين يفصلني عن تاريخ ميلاد كلّ منهم عام واحد؛ حيث ولدت قبل عام من ميلاد بيرنرز لي وجوبز وغيتس، الذين ولدوا جميعًا عام 1955، وبعد عام من بول ألن الذي ولد عام 1953.

السنوات اللاحقة شهدت ميلاد أسماء كبيرة، ولكن الأسماء الأربعة كانت الأكثر تأثيرًا؛ مهدت الطريق للثورة الرقمية، وصولًا إلى ثورة الذكاء الاصطناعي.

إثنان من الأسماء الأربعة رحلا عن عالمنا: جوبز، مؤسس شركة آبل التي تتمتع اليوم بأكبر قيمة سوقية، وبول ألن، الشريك المؤسس لمايكروسوفت التي تحتفل بعيد ميلادها الخمسين.

أما تيم بيرنرز لي، مخترع الشبكة العنكبوتية، فيعمل حاليًا أستاذا في جامعة أكسفورد، ويواصل جهوده لتعزيز الابتكار الرقمي واستخدام التكنولوجيا بشكل أخلاقي ومستدام.

غيتس، اختار الانسحاب عام 2008 والتفرغ للعمل الخيري، بعد أن حقق ثروة غير مسبوقة، تبرّع بجزء كبير منها لمساعدة الفقراء، ومحاربة الأمراض، وتقديم منح دراسية للطلبة.

العمل الخيري لم يحوّل غيتس إلى قديس بنظر الأميركيين. وفي كتاب جديد حمل عنوان “ملياردير، مجتهد، منقذ، ملك: محاولة لكشف مؤسس مايكروسوفت”، عرضت المؤلفة أنوبريتا داس، تفاصيل مثيرة عن غيتس، الذي وُصف بـ”الشخص الأكثر رعبًا في العالم.”

وزعم موظفون عملوا في مؤسسة غيتس الخيرية أنهم كانوا خائفين من سلوك “الملياردير المتسلط”. وفي الوقت الذي كان العالم يرى فيه “رجل دولة عالمي”، رأى فيه من تعامل معه بشكل مباشر ملكًا تخشى أحكامه.

أعترف أني كنت أكثر انجذابا لشخصية جوبز، الذي ذكر الكتاب أن غيتس كان معجبًا به وبقدرته على جذب الجماهير وإحداث التأثير، حتى أنه شعر بالغيرة منه. إلا أن ذلك لم يمنع غيتس من التدخل وإنقاذ شركة آبل التي كانت على وشك الإفلاس.

وفي مقابلة حصرية مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن حجم التبرعات التي قدمتها مؤسسته الخيرية، قال غيتس: “لقد تبرعت بما يزيد عن 100 مليار دولار، ولا يزال لدي المزيد لأقدمه.” مؤكدًا أنه يستمتع بالتبرع بأمواله، وأن ذلك لم يؤثر على أسلوب حياته اليومي، ولم يقلّل من تناوله شطائر البرغر وارتياد السينما.

وأشار غيتس إلى أن والدته هي من غرست فيه حب العطاء، حيث كانت تقول له: “تأتي الثروة مع مسؤولية مشاركتها مع الآخرين.”

وعن خططه المستقبلية، أكد غيتس نيته التبرع بـ”أغلب” ثروته، مشيرًا إلى أنه ناقش مع أبنائه الثلاثة المبلغ الذي يرونه مناسبًا لتركه لهم. وعندما سُئل: “هل سيعانون الفقر بعد رحيلك؟” أجاب مبتسمًا: “لن يكونوا فقراء.”

إذا كنت واحدًا من 15 شخصًا فقط على كوكب الأرض يمتلكون ثروة تزيد عن 100 مليار دولار، فإن ترك نسبة ضئيلة لأولادك سيجعلهم من بين الأثرياء.

قد يكون بيل غيتس شخصية مملة، ولكنه حتما شخصية تفرض الاحترام وتستحق أن يشعر المرء بالفخر أنه عاش في عصرها.

18