"أسود وأبيض" فيلم يتوغل في أعماق النفس البشرية

نموذج معاناة إنسانية مشتركة يتحرر أصحابها بالأمل والحلم.
السبت 2023/07/01
قصة امرأتين متشابهتين إلى حد الاختلاف

في زمن طغت عليه القسوة، يهرب الناس من الواقع الأليم الذي يحمل المواجع لكي يعيشوا مساحة خاصة ينعمون فيها بالمزيد من الحلم والأمل ويرتاحون فيها قليلا من عبْء الحياة القاسية. عن امرأتين تعيشان أحلامهما بعيدا عن الواقع، أنتج فيلم سينمائي سوري جديد حمل اسم “أسود وأبيض”.

دمشق - يقدم الفيلم السوري “أسود وأبيض” عالما افتراضيا، ويرحل إلى أجواء أكثر إنسانية لعلها تكون مساحة من السلام يزيح بها الإنسان عن نفسه مرارات حاضر قاس يعيشه.

في الفيلم الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما بدمشق، اعتماد على ثيمة تناقض اللونين الأبيض والأسود في رسم ملامح حياة امرأتين تعيشان في مدينة واحدة وحي واحد وتنتميان إلى عالمين مختلفين، ليعكس الفيلم الروائي القصير من خلال جدلية العلاقة بينهما بعض التناقضات التي لا بد أنها ستتكشف في مساري حياتهما. بعض من الألم وبعض من الحلم، ومساحات مشتركة بينهما هي الجغرافيا والحيز المكاني والزماني الواحد الذي جمعهما، قسوة الحياة تفعل فعلها وتسحق أحلام البعض تحت نيرها، فتلفظ البعض إلى آفاق الحلم هربا من واقع قاس.

المرأتان في الفيلم تقدمان نموذجا إنسانيا خاصا ولكنه بالتأكيد يتحدث عن شريحة عاشت تجربة مشابهة. 

تداخل زمني

المخرج علي إبراهيم لا يقدم في أعماله السينمائية حالة سردية تقليدية، بل يطرح مجموعة من التفاصيل النفسية العميقة

يعتمد فيلم “أسود وأبيض” على صيغة زمنية مختلفة، سوف يتابعها المتلقي على شاشة العرض، هي صيغة خاصة، تحضر فيها مكونات فن السينما بعناصره البصرية، وهو أسلوب دأب عليه المخرج علي إبراهيم، فهو لا يقدم في أعماله السينمائية حالة سردية تقليدية، بل يطرح مجموعة من التفاصيل النفسية العميقة في السيناريو والتي يتبعها برموز ودلالات بصرية تتناغم مع فكرة النص ليقدم صيغة سينمائية مختلفة.

هذا ما يُنشئ سردا سينمائيا مختلفا، لا يحقق حالة شعبية من المتابعة لدى الجمهور الذي اعتاد على تقديم الفيلم خطا روائيا واضح المعالم، لكنه يقترب من الحالة السينمائية أكثر.

يطرح علي إبراهيم في ثاني أفلامه الروائية القصيرة مع المؤسسة العامة للسينما تجربة جديدة ينحو فيها نحو المزيد من التوغل في أعماق النفس البشرية بحثا عن مكامن نفسية.

في فيلمه الأول “تركواز”، قدم تشكيلا نفسيا من خلال مجموعة من الأشخاص الذين هم ممثلون، تتماهى فيهم الحياة الحقيقية مع المعيش في التمثيل، بحيث تكون الشخصية متداخلة بين الحقيقة والمهنة، وتتداخل فيها الحقائق والرغبات المشتهاة. وفي فيلمه الثاني “أسود وأبيض” يتماهى زمنان ليكونا زمنا واحدا، يقدم جدلية نفسية عميقة في بنية حكائية تحمل ذرى درامية متصاعدة.

يقول مؤلف ومخرج الفيلم عن “أسود وأبيض”: “نلتمس البياض من عتمة السواد، نزرع حلماً أبيض ليكون أملاً للوصول إلى غدٍ أفضل، لنرتقي في حكاياتنا عن سواد واقعنا، علّه يصبح أجمل”. فأن نعيش حياة أحلى هو الهدف الذي يطمح إليه الناس، ويشكل ديدن حيواتهم في ظل ظروف يومية قاسية تحولها إلى مجموعة من المتاعب التي لا تكاد تنتهي.

طاقات شابة

Thumbnail

تزخر السينما السورية بطاقات سينمائية شابة، قدمت خلال السنوات العشر الأخيرة مجموعة من الأفلام التي وصل بعضها إلى منصات الجوائز العالمية، وهي طاقات تعد بتقديم المزيد فيما لو أتيح لها حاضن إنتاجي مناسب، يوفر إنتاجا مستقرا يمكّن هؤلاء الشباب من تقديم رؤاهم الفنية بشكل واضح وقوي. 

من هؤلاء أسماء وصلت إلى مهرجانات سينمائية عريقة مثل فينيسيا وكان، بل تم ترشيحها لنيل جوائز الأوسكار، وعلى المستوى العربي حقق بعضها مواقع هامة على منصات التتويج. ومع وجود العديد من منابر المعرفة السينمائية، منها دبلوم العلوم السينمائية وفنونها والمعهد العالي للسينما والجامعة العربية الدولية وبعض الجهات التعليمية الموازية، تمكن هؤلاء من اكتساب المزيد من المعرفة السينمائية التي أهلتهم لصناعة أفلام سينمائية تخاطب لغة العصر.

المخرج علي إبراهيم واحد منهم، درس الهندسة لكن شغفه السينمائي دفعه إلى الاهتمام بالعمل السينمائي، فقدم  العديد من الأعمال في مهام سينمائية ضمن العمل الإخراجي. عمل مع المخرجين نجدة آنزور وباسل الخطيب وسيف الدين سبيعي، ثم انتقل ليكون مخرجا سينمائيا يحاول تقديم رؤى سينمائية مختلفة، توحي بأن ثمة اختلافا في إمكانية الطرح السينمائي.

في الفيلم اعتماد على ثيمة تناقض اللونين الأبيض والأسود في رسم ملامح حياة امرأتين تعيشان في مدينة واحدة وتنتميان إلى عالمين مختلفين

ويبدو التعاون الفني بين علي إبراهيم وروبين عيسى، الممثلة السورية المعروفة، متكاملا؛ فهي معه في الفيلم بدور رئيسي هو دور “سلمى” إحدى المرأتين.

حالة التناغم الفني بين الفنانين راسخة، حيث كان إبراهيم متعاونا فنيا في فيلمها القصير الذي قدمته مع المؤسسة العامة للسينما وحمل اسم فيلم طويل جدا، قدم كذلك بنية سينمائية غير حوارية تعتمد على المشهدية البصرية وتداخل الأزمنة والذرى الدرامية المختلفة. وهو يحكي عن عوالم زمنية متداخلة وأمكنة متغيرة، تحمل من خلال صيغة حكائية محددة فيلما سينمائيا قصيرا ومختلفا.

كما شاركت روبين عيسى قبل فترة في فيلم تجريبي للمخرجة السورية رباب مرهج حمل عنوان “عنها” ويتحدث عن المرأة، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، قدمت فيه شخصية غريبة تعيش صراعا نفسيا عميقا بين شخصيتها الحقيقية وضميرها الذي يتجسد شخصا يرافقها في تفاصيل حياتها اليومية ويؤثر في قراراتها، وتحصل الفيلم على العديد من الجوائز في مشاركات بمهرجانات سورية وعربية.

يذكر أن فيلم “أسود وأبيض” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وهو فيلم روائي قصير كتبه وأخرجه علي إبراهيم وقام بالتمثيل فيه كل من روبين عيسى وصباح السالم ونادين قدور وماهر الراعي والطفلة لامار جبارة.

13