أسواق حلب القديمة تبحث عن بريقها التاريخي

يسابق تجار مدينة حلب السورية الزمن من أجل إعادة الحياة إلى الأسواق القديمة مرة أخرى بعد سنوات من الخراب الذي تسببت فيه الحرب، رغم أن إصلاح المحلات وإزالة الركام والنفايات من الشوارع لا يزال يحتاج لعناية أكبر.
حلب (سوريا) - يحدو تجار أسواق حلب القديمة أمل كبير في عودة الروح مجددا إلى المدينة السورية، التي تحاول النهوض من ركام الحرب.
ورغم أن مشاهد الدمار الهائل الموجودة تعطي شعورا باليأس لمعظم الزائرين الغرباء إليها، لكن بالنسبة للسكان، فإن تلك المشاعر لم تعد موجودة لديهم، ويعملون على إعادة الحياة التجارية والألق القديم إلى بعض تلك الأسواق في المدينة القديمة.
ومع أن الأضرار، التي لحقت بالجزء الشرقي الذي سيطر عليه المسلحون سابقا، كانت كبيرة، لكن الدمار، الذي حدث هناك والصعوبات الناشئة عن العقوبات الغربية على دمشق لم تثن أهل حلب عن إعادة بناء مناطقهم بأيديهم.
ولا تزال عملية الإصلاح وإعادة البناء على نطاق صغير نسبيا في بعض الأسواق والساحات في شرق حلب، مستمرة منذ عودة المدينة بالكامل تحت سيطرة الحكومة السورية في أواخر عام 2016.
وتقريبا، فإن جميع الطرق في المدينة القديمة أعيد فتحها وتم تنظيفها بجهود أهلية وحكومية، ولا يزال الضرر في المباني واضحا ويسبب قشعريرة عندما يحاول المرء تخيل ما حدث هناك.
ومع ذلك، وفي خضم هذا الدمار، تبرز الحياة على شكل ورقة خضراء في قلب الصحراء، تسعد العين وتطفئ العطش بعد رحلة متعبة.
وتحولت الجدران الباردة الرمادية والأرضيات الحجرية الوعرة في الأسواق القديمة إلى مكان ساحر يخلط بين روح العمارة القديمة ونضارة المكان الجديد.
وبدا أصحاب المتاجر سعداء باستعادة أعمالهم مرة أخرى بعد ثماني سنوات من إغلاقها بسبب الحرب ووجود المسلحين في تلك المنطقة.
وكان التجار قد شرعوا خلال ديسمبر الماضي في سوق السقطية، التي تعود إلى قرون ماضية، وهو جزء من منطقة أدرجتها منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمي، في إزالة الأنقاض التي خلفتها الحرب، بينما كان آخرون يتسلقون سقف هذا السوق المسور لإصلاحه.
وقال المهندسون حينها إن الأمر سيستغرق منهم ستة أشهر على الأقل لإعادة بناء وتأهيل السوق. وقد تم إصلاح السوق بالكامل وإعادة فتحها في أكتوبر الماضي.
وكان مروان غوثي، البالغ من العمر 70 عاما، يعمل في متجره في سوق السقطية منذ 1967 قبل أن يغادرها عندما اندلعت الحرب في سوريا.
والآن، عاد إلى متجره لبيع الفواكه المجففة والمكسرات ورغم أنه رجل عجوز، إلا أنه ما زال يأمل في أن يصبح الغد أكثر إشراقا في حلب.
وقال غوثي لوكالة شينخوا الصينية “عندما تم تحرير المنطقة وانتهت المشاكل تمكنا من العودة بمساعدة الجمعيات المحلية. لقد ساعدنا بعضنا البعض على العودة إلى متاجرنا وشركاتنا وتحولت حياتنا من اليأس والكآبة إلى الأمل”.
وقال أحمد كرازة، وهو جار غوثي، والذي يبيع الأشياء ذاتها، إن “المتاجر والشركات في السقطية ستكون أفضل عندما تتم إعادة تأهيل المناطق المدمرة والمحيطة بها”.
وأضاف “عندما تتم إعادة تأهيل المناطق المحيطة بنا، سيصبح العمل أفضل وستكون الأسواق قريبة من بعضها البعض مرة أخرى، وهذا سيشجع المزيد من الناس على القدوم لزيارة السوق”.
وتعدّ سوق السقطية واحدة من الأسواق القليلة التي تم إصلاحها في حلب القديمة. وحاليا، يتم تنفيذ أعمال إعادة التأهيل في سوق الخابية.
وتتم إعادة تأهيل السوق بمساعدة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهو واحد من العديد من برامج المنظمات الأخرى المهتمة بإعادة تأهيل المناطق في حلب القديمة.
ونسبت شينخوا لمدير المشروع في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عامر قواف قوله إن “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مهتم بعملية إعادة التأهيل، وليس إعادة الإعمار، حيث إن إعادة التأهيل تشمل الترميم وليس البناء من نقطة الصفر”.
وأضاف “لذلك نحن نقوم بعملية إعادة التأهيل في هذه السوق مثل إعادة الأحجار إلى شكلها الأصلي وإظهار الطابع الأثري للسوق لأن هذه السوق قديمة”.
ويقول باسل الزاهر، وهو مهندس سوري مشرف على المشروع في سوق الخابية، إن إصلاح الأسواق القديمة أمر صعب لأنه يتطلب الكثير من الدراسات لإعادة المناطق القديمة إلى شكلها الأصلي.
ويؤكد أن حوالي 30 بالمئة من المحلات التجارية والبالغ عددها الإجمالي 109 متاجر بسوق الخابية مفتوحة وبعد الانتهاء من هذه المهمة سيتم فتح المزيد من المتاجر.
وأشار إلى أن العديد من الشركات والمؤسسات مهتمة بالاستثمار في إعادة إعمار حلب القديمة، مشيرا إلى أن هناك مشكلة في تمويل مشاريع الترميم نتيجة للعقوبات الغربية في سوريا.
وقال إنه في الشهر المقبل، ستبدأ أعمال البناء في سوق خان الحرير أو سوق الحرير، التي تعود إلى القرن السادس عشر.
وتعتبر حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا، وتتواجد فيها أكبر المدن الصناعية وهي الشيخ نجار، التي كانت تصدر الأقمشة والألبسة وغيرها من الصناعات السورية إلى مختلف أنحاء العالم.
ووفق البنك الدولي تصل خسائر حلب من مجموع خسائر الناتج الإجمالي المحلي إلى نحو 102 مليار دولار، كما ارتفعت مستويات الفقر حتى 85 بالمئة، وبلغت نسبة البطالة حوالي 60 بالمئة.