أسر المصابين بالتوحد تستعد لما بعد كوفيد - 19

رفع إجراءات الحجر الصحي يحمل بين طياته الكثير من الهواجس والتخوفات.
الثلاثاء 2020/06/09
مخاوف لا تنتهي

شكّلت مرحلة الحجر الصحي مرحلة صعبة ومعقدة بالنسبة للمصابين بالتوحد، سواء كانوا أطفالا أو راشدين، وحتى بالنسبة لمحيطهم الأسري الذي يتحمل عبء تغيرات مفاجئة وذات تأثير كبير على المعيشة اليومية للأسرة بأكملها. غير أن استئناف الحياة العادية بعد رفع الحجر الصحي، الذي هو على الأبواب، لن يكون بالأمر الهين على أسر المصابين بالتوحد والمحيطين بهم، والذين بدأوا يستشعرون منذ الآن ثقل هذا الانتقال، الذي يحمل للأسر بين طياته الكثير من الهواجس والتخوفات.

الدار البيضاء – أكد خبراء أن المصابين بالتوحد يتعودون على روتين معيشي قار يصعب عليهم تغييره، إلا أن جائحة كورونا والتدابير المصاحبة لها، وكل ما جاءت به من تغييرات في السلوك اليومي لأفراد المجتمع، كسرت هذا الروتين، وتتوقع الأسر أن الوضعية ستزداد تعقيدا مع رفع حالة الطوارئ الصحية، وهو ما يشكل تحديا كبيرا ومصيريا بالنسبة إليها ولأبنائها المصابين بالتوحد.

وعن التحديات والإكراهات التي تواجه هذه الأسر في الوقت الحالي، أوضحت سمية العمراني، أم لطفلة مصابة بالتوحد، ورئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال مرض التوحد بالمغرب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “مباشرة بعد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية، وجدت نفسي في مواجهة وضعية كان علي فيها أن أتحمل بمفردي مسؤولية تطبيق كل برامج إعادة التأهيل الخاصة بابنتي، وما بين ليلة وضحاها تحولت إلى مربية متخصصة في العلاج النفسي الحركي وتقويم النطق، ومدربة للرياضة، ومعلمة”.

ورغم المعلومات التي تمتلكها في الموضوع لاشتغالها لسنوات عديدة في هذا المجال، فهذه الأم، التي أكسبتها خبرتها في التعامل مع هذا النوع من الإعاقة إرادة من حديد، أقرت أنها تعيش تجربة عسيرة بفعل التداعيات النفسية للحجر الصحي، إلا أن أكثر ما تخشاه هو الفترة القادمة بعد رفع الحجر، قائلة “ينتابني شعور بالرعب الشديد لمجرد التفكير أن ابنتي قد تصاب بالعدوى بالفايروس عند خروجها من المنزل”.

وأوضحت سمية أن “حالة ابنتها، البالغة من العمر 26 سنة، تصنف من بين أصعب حالات التوحد، فهي لا تعاني فقط من التوحد، بل إنها تواجه العديد من الاضطرابات الصحية التي تصعّب عليها الحياة وعملية التعلم”.

وأضافت أن “كل برنامج وهدف ونشاط يضعنا أمام تحدي الأخذ في الاعتبار مشاكلها الصحية وخصوصياتها الشعورية وصعوبة التواصل لديها وحالة التوحد التي تعاني منها، مما يفرض علينا، بالتأكيد، تعزيز قدرتنا على التخيل والإبداع، ويفاقم حالة الضغط التي نعاني منها، ويضاعف مسؤولياتنا اليومية اتجاهها”.

المرحلة التالية من الوباء تأتي مع مخاوفها وقلقها، قد تكون هذه المخاوف أكثر حدة لأطفال التوحد

ومن جهتها، أكدت الأخصائية في الطب النفسي للأطفال والمراهقين مريم أوحمان، التي واصلت تقديم الاستشارات وممارسة عملها عن بعد منذ بداية الحجر الصحي، في تصريح خاص بالموضوع للوكالة، أن التخوف الرئيسي للآباء يتمثل في التغير الجذري في الروتين اليومي، وكذلك الخوف من حدوث تراجع في المعارف المكتسبة للمصابين بالتوحد.

وأبرزت أوحمان، الطبيبة المختصة في التوحد والتحليل التطبيقي للسلوك (ABA)، أن غالبية الأشخاص الذين يعانون من التوحد يصعب عليهم التأقلم مع التغيرات، مشيرة إلى أنه “في هذه الفترة، الآباء مطالبون بأن يشرحوا لأطفالهم طبيعة التدابير الاحترازية، خاصة منها تنظيف الأيادي والعطس في الكوع واستعمال المناديل ذات الاستعمال الوحيد واحترام مسافة الأمان، وكذلك السهر على حمايتهم من الإصابة بالفايروس”.

وشددت على أنه يتعين على المحيطين بالشخص المصاب بالتوحد أن يكونوا صارمين في تطبيق تلك التدابير والالتزام بها، ومراقبة الطفل المصاب عن كثب، معتبرة أن هذا الأمر يتطلب قليلا من الصبر، وحرصا كبيرا على التطبيق.

وذكرت، من جهة أخرى، أنها أعدت دليلين في الموضوع بتعاون مع رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، حيث يهدف الدليل الأول إلى مساعدة آباء الأطفال المصابين بالتوحد على مواجهة الأزمات الطارئة في الحياة اليومية، فيما الدليل الثاني موجه للأسر وأيضا للأطر الطبية لضمان علاجات ذات جودة وملائمة لذوي التوحد ممن أصيبوا بفايروس كوفيد – 19.

وأفادت أن “هاذين الدليلين لقيا ترحيبا كبيرا لدى العديد من الأسر، ويشكلان جزء من مساهمتنا المواطنية في الجهود الوطنية لمحاربة الجائحة”، مشددة على ضرورة تفادي مصادر التوتر والضغط من خلال التحلي بنفس إيجابي كعامل رئيسي للحفاظ على الصحة النفسية.

وأكد الطبيب النفسي للأطفال كريستوفر لينش، المتخصص في إدارة التوتر والقلق لدى مرضى التوحد، أن تغيرات الحياة اليومية، والعودة مرة أخرى إلى العمل، تستدعي التفكير في الأطفال المصابين بالتوحد، وكيف سيواجهون كل هذه التغيرات، وذلك وفق تقرير لموقع “سيكولوجي توداي”.

وقال لينش “مثلنا جميعا، فإن الأطفال والمراهقين يأملون ويسعدون أن الوضع يبدو أنه يتحسن، ومع ذلك، فإن المرحلة التالية من الوباء تأتي مع مخاوفها وقلقها، قد تكون هذه المخاوف أكثر حدة لأطفال التوحد”.

وأشار إلى وجود عدة مصادر للقلق يجب أن يكون الآباء على علم بها للتعامل مع أبنائهم في هذه الحالة، مبينا أنه مع رفع القيود المتبعة بسبب فايروس كورونا، علينا أن نطمئن أطفالنا أن بعض الإجراءات أصبحت الآن أكثر أمانًا على الرغم من بقاء الفايروس في مجتمعنا، وقد يبدو هذا المنطق غير مقنع للطفل، بالنسبة لهؤلاء الأطفال الفايروس موجود أو اختفى تمامًا، لذلك سيولد بعض القلق في إقناعهم عن كيفية التعامل مع الآخرين.

Thumbnail

ولفت المختص النفسي إلى أنه يمكن اتباع بعض السلوكيات في هذا الموقف، والتأكد من أن الطفل لديه فهم واقعي لكيفية انتشار الفايروسات حتى يتمكن من فهم أن الخطر سينخفض مع انخفاض عدد المصابين.

وشدد على ضرورة استخدام المصطلحات والتفسيرات التي يمكن للطفل استيعابها والتحقق من أنه يفهمها بدقة، وأن يكون الآباء والأمهات قدوة لأطفالهم في كيفية الحكم والتكيف مع المخاطر، لأنهم يتطلعون إليهم للحصول على إشارات حول كيفية التصرف مع تطور الوضع. وأفاد لينش أنه على الرغم من أن الأطفال قد يتطلعون إلى العودة إلى الأماكن والمواقف، فمن المرجح أن يفعلوا ذلك بطرق لم يعتادوا عليها، في ظل الظروف الجديدة. مثل هذه التغييرات في الروتين تمثل تحديًا لأي شخص ولكنها يمكن أن تزيد من قلق مرضى التوحد بشكل أكبر.

وقال “حتى وقت كتابة هذه الأسطر، لا أحد يعرف كيف ومتى ستبدأ الأنشطة اليومية الشائعة مرة أخرى، ومثل جميع الأطفال، فإن الأطفال المصابين بالتوحد حريصون على معرفة متى ستستأنف أنشطة مثل المدرسة، والأنشطة التدريبية الشخصية، والخروج لتناول الطعام، وزيارة الأصدقاء والأقارب. وأوضح أنه يمكن التحدث إليهم في ذلك من خلال فتح نقاشات صادقة معهم، والحديث إليهم بشكل متفائل، عن الأوضاع، دون كذب ودون تشاؤم، مع التشديد على أن أي تأخير في استئناف الأنشطة يتم بسبب الحاجة إلى الأمان وتقليل انتشار المرض.

وأضاف أنه على الرغم من أن الحجر الصحي خلق العديد من التحديات للأطفال، إلا أنه غالبًا ما أدى إلى بعض الراحة من هذه الحساسيات، وقد يكون هناك عودة لهذه الحساسيات حيث يعود الأطفال إلى مستويات أعلى من التحفيز الحسي، مثل الزحام والضجيج والتعاملات المباشرة مع أشخاص جدد.

وبيّن أنه للتعامل مع ذلك يجب توقع المواقف التي قد تكون صعبة لتتم مناقشتها مع الطفل قبل العودة إلى البيئة مرة أخرى، مع مراجعة استراتيجيات التأقلم التي كانت مفيدة للتعامل مع حساسية الطفل في الماضي، وتذكير الطفل أنها فعالة في التعامل، مع التأكد من أن الأشخاص الداعمين على دراية بأي حساسيات خاصة بالطفل ويعرفون كيفية دعمه في مثل هذه المواقف.

21