أسراب الجراد الصحراوي تهاجم ليبيا وتمتحن جدية سلطاتها

مراقبون يرون أن هجمات الجراد الصحراوي هذه الأيام تمثّل غزوا خطيرا للمزارع والحقول والواحات في الأراضي الليبية.
الأحد 2024/11/03
خطر داهم على الزراعة في ليبيا

أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة على ضرورة توحيد الجهود بين الجهات التابعة لوزارة الزراعة لمكافحة الآفات التي تتعرض لها الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية، وإعطائها الأولوية في كافة البرامج التنموية المعدة، موجّها بتقديم الدعم اللازم للجنة الوطنية لمكافحة الجراد للقيام بدورها المنوط بها، على حد ما ورد في بيان صادر عن المكتب الإعلامي للحكومة.

وخلال اجتماع موسع بمقر رئاسة الحكومة قدم رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد صلاح موسى مبارك تطورات الموقف بخصوص تعرض بلديات سبها وسمنو وتراغن وبني وليد وتازربو وترهونة لهجمات أسراب الجراد الأفريقي التي أدت إلى تسجيل أضرار فادحة في عدد من المزارع في الجنوب الليبي. وشدد الدبيبة على ضرورة توحيد جهود جميع الأطراف المتداخلة لمنع انتشار أسراب الجراد في بقية مناطق البلاد، مشيرا إلى أن حكومته ستعمل على تمكين المناطق المتضررة أو المهددة بالضرر من جميع ما تتطلبه خطط مكافحة هذه الآفة التي تتميز بتكاثر العدد واتساع رقعة الانتشار.

وقالت مديرة مكتب الإعلام باللجنة إيمان السويح إن “اللجنة تعاني نقصا في الإمكانات من مبيدات وآلات الرش وسيارات الدفع الرباعي والتجهيزات الميدانية”، موضحة أن “هذا الجراد يوجد في المناطق الصحراوية لكنه مستوطن وليس صحراويا”.

وحذرت السويح من “تفاقم الوضع في حال عدم توفر الإمكانات والاحتياجات اللازمة لاستكمال عمليات المكافحة”، مضيفة أن “الجراد الأفريقي يهاجم جميع المحاصيل الحقلية من حبوب القمح والشعير والذرة والأشجار، وحاليا سجلت خسائر كبيرة بمزارع النخيل في منطقة تازربو وهذا يؤثر على الأمن الغذائي والناتج القومي”. ووفق تعريف منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن الجراد الصحراوي يعتبر أكثر الآفات المهاجرة تدميرا في العالم. واستجابة للمنبهات البيئية، يمكن أن تكون الأسراب التي يشكلها كثيفة وجدّ متحركة.

الجراد الأفريقي ينتشر بشكل كبير في مناطق عديدة، بما في ذلك بني وليد ومناطق متاخمة للعاصمة طرابلس

والجراد الصحراوي عبارة عن آفات آكلة نهمة تستهلك مثل وزنها في اليوم، وتستهدف المحاصيل الغذائية والغطاء النباتي الذي تستخدمه قطعان الرعاة كعلف. ويمكن أن يحتوي كيلومتر مربع واحد على سرب يصل قوامه إلى 80 مليونا من الجراد البالغ، ويستطيع في يوم واحد استهلاك كمية من الطعام تساوي ما يستهلكه 35000 شخص، لذلك عندما تصبح الأسراب كبيرة وواسعة الانتشار، فإنها تشكل تهديدا رئيسياً للأمن الغذائي وسبل المعيشة الريفية. وتقول مصادر ليبية مطلعة إن أسراب الجراد الصحراوي أتت على مليوني شجرة نخيل أي على خمس واحات البلاد التي تشمل 10 ملايين نخلة.

وبحسب المهندس حسين البريكي، عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي، فإن “عددا من المناطق الزراعية في جنوب ليبيا شهدت تفشي الجراد الأفريقي منذ بداية أكتوبر الماضي نتيجة للأمطار التي هطلت مؤخرا ووفرت بيئة ملائمة لانتشاره”، مشيرا إلى أن “الجراد ظهر في سبها وبراك الشاطئ ووادي البوانيس وبني وليد وترهونة، حيث كانت الإصابات الأكبر في مناطق تراغن وتازربو”.

وأوضح البريكي أن “الجراد يتكاثر بسرعة في البيئات الرطبة ويستغل المحاصيل القائمة كغذاء له، مما يفاقم الخسائر الزراعية التي تحمّلها المزارعون بمرارة في سبيل البقاء، ومع اجتياح الجراد لهذه المناطق، يواجه المزارعون تحديات غير مسبوقة، إذ تتآكل محاصيلهم بسرعة، بينما تحاول السلطات المحلية واللجنة الوطنية جاهدة التصدي لهذا التهديد العاجل”.

من جانبه، أوضح رئيس المركز الوطني للإرشاد والإعلام بوزارة الزراعة حسين بشير أن “الإمكانيات الحالية لا تكفي لمكافحة الجراد المنتشر في مختلف المناطق”، لافتا إلى أن “وزارة الزراعة تجري اجتماعات دورية لمعالجة هذه الآفات” ، مبرزا أنهم ناقشوا مع رئاسة الوزراء توفير الإمكانيات اللازمة لمكافحة هذه الآفات الخطيرة التي تؤثر على الإنتاج الزراعي في البلاد.

ويرى مراقبون أن هجمات الجراد الصحراوي هذه الأيام تمثّل غزوا خطيرا  للمزارع والحقول والواحات، وظاهرة تنذر بأزمة حقيقية في الإنتاج الزراعي من الحبوب والخضار والفواكه والتمور والأعلاف وتهدد مصادر رزق مئات الآلاف من الليبيين في مناطق جنوب ووسط وغرب البلاد، مشيرين إلى أن سلطات غرب وشرق البلاد تواجه امتحانا جديدا لاختبار جديتها في مواجهة التحديات التي تواجهها ومنها الآفات الطبيعية.

وتقول دراسة لمجموعة البنك الدولي إن “الدمار هو أول ما يجول بالخاطر عندما نفكر في الجراد الصحراوي؛ فهذه الحشرة الصغيرة التي تهاجر في أسرابٍ يمكن أن تصل إلى المليارات أو حتى التريليونات وتنتشر على مساحات واسعة من الأراضي، تسبب أضراراً كارثية للمراعي والمحاصيل، ويمكن لسرب صغير منها أن يلتهم في يوم واحد الكمية نفسها من الغذاء التي يتناولها 35 ألف شخص أو أن يلحق الضرر بنحو 100 طن من المحاصيل على مساحة كيلومتر مربع من الحقول، ويشكل غزو الجراد تهديداً رئيسياً للأمن الغذائي، ويؤدي في أسوأ السيناريوهات إلى المجاعة والتشريد”.

خبراء يحذرون من تفاقم الوضع في حال عدم توفر الإمكانات والاحتياجات اللازمة لاستكمال عمليات المكافحة

 وبحسب  “فاو” (منظمة الزراعة العالمية)، فإنه خلال فترات الهدوء (المعروفة باسم الركود) عادة ما ينحسر الجراد الصحراوي في الصحراء شبه القاحلة والقاحلة في أفريقيا والشرق الأدنى وجنوب غرب آسيا التي تستقبل أقل من 200 ملم من الأمطار سنويا. وهذه مساحتها حوالي 16 مليون كيلومتر مربع، وتتألف من حوالي 30 بلدا. وأثناء الغزو (التفشيات الكبيرة)، قد ينتشر الجراد الصحراوي على مساحة هائلة نحو 29 مليون كيلومتر مربع، ويمتد على مدى أو إلى أجزاء من 60 بلدا، وهذا يمثل أكثر من 20 في المئة من سطح الكرة الأرضية.

وتكمن خطورة الجراد أثناء الغزو، أن لديه القدرة على إتلاف الحياة المعيشية لعُشر سكان العالم إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمكافحته. ويعيش الجراد الصحراوي ما مجموعه حوالي ثلاثة إلى خمسة أشهر على الرغم من أن هذا متغير للغاية، ويعتمد في الغالب على الظروف المناخية والبيئية.

وتضم دورة الحياة ثلاث مراحل: البيض، الحورية والحشرة الكاملة. يفقس البيض في غضون نحو أسبوعين (المدى هو 10 – 65 يوما)، الحورية تتطور من 5 إلى 6 مراحل على مدى فترة من حوالي 30 – 40 يوما، والحشرات الكاملة تنضج في حوالي ثلاثة أسابيع إلى تسعة أشهر ولكن على نحو أكثر تواترا من اثنين إلى أربعة أشهر.

وتضع إناث الجراد الصحراوي البيض على هيئة كتل في التربة الرملية على عمق 10 – 15 سم تحت سطح الأرض. الإناث الانفرادية المظهر تضع حوالي 95 – 158 بيضة في حين أن الإناث تجمعية المظهر تضع عادة أقل من 80 بيضة في كيس البيض. الإناث يمكن أن تضع البيض ثلاث مرات على الأقل في حياتها، عادة على فترات حوالي 6 – 11 يوما، تم العثور على ما يصل إلى ألف كتلة بيض في متر مربع واحد.

وأكد الدكتور خليفة بوفراج، مدير إدارة الموارد البشرية بمركز البحوث الزراعية، أن “الجراد الأفريقي ينتشر بشكل كبير في مناطق عديدة، بما في ذلك بني وليد ومناطق متاخمة للعاصمة طرابلس”، وأضاف أن الخسائر التي خلفها الجراد فادحة”.

 وأشار بوفراج  إلى “تضرر أكثر من  مليوني نخلة”، محذرا من خطورة انتشاره المتزايد على الأمن الغذائي للبلاد.ودعا الدولة ممثلة في جميع مؤسساتها ذات الصلة إلى “تقديم دعم أكبر للجنة الوطنية لمكافحة الجراد، نظرا إلى صعوبة التنبؤ بحركة أسرابه الهائلة والمتنقلة بسرعة كبيرة”.

2