أسامة الروماني يعود إلى السينما ليروي "أماني" المجتمع السوري

يعود فيلم "أماني" إلى عالم الطفولة، الطفولة السورية التي تحمل الوجع الأكبر ولا تنسى بشاعة الحروب، ليتحدث عن أحلام طفل سوري في غد أفضل في وقت اختل فيه شعوره بالحلم والأمن.
يعالج الفيلم القصير “أماني” واقع الأطفال في المجتمع السوري، الذي أنهكته سنوات عجاف من الحرب وويلاتها وتوابعها، مجتمع صارت القسوة فيه هي الطاغية، تتحكم في مصائر الناس ومستقبلهم، فعالم الأطفال هو الأكثر حساسية لتلقي انعكاسات هذا الواقع المرير، وهم لضعفهم يدفعون الثمن الأغلى.
يحكي الفيلم قصة كريم، طفل يحب الدراسة ويعيش في بيئة فقيرة، يواجه بدءا من بيته الكثير من الظروف التي تجعل مسار حياته في مهب الريح، فتكاد أحلامه تسحق تحت وطأة الحياة القاسية.
من خلال عمله القسري، يتعرف الطفل على طيف يماثله في أحلام الطفولة، ويحاول أن يقوم بفعل تجاهه، لكن القدر يتدخل مرة جديدة ويصدمه بقوة، فيعود إلى واقعه المرير الذي لا يرحم طفولته ويتركه في عذاباته المبكرة.
يقدم المخرج محمد سمير الطحان في فيلم “أماني” محاولة جديدة في مسيرته الإبداعية، وهو أول أفلامه الاحترافية بعد عدة محاولات في سينما الهواة، فبعد تخرجه من كلية الإعلام وعمله في التلفزة السورية كمعد برامج، لم يتوقف يوما عن الكتابة والسعي وراء تقديم أفكار ومشاريع في الإخراج، تحققت محاولته الأولى من خلال فيلم “اللعبة” الذي دعمه في تنفيذه مجموعة أصدقاء.
بعدها شارك مخرج الفيلم في أول دورة في مسابقة سيناريو الفيلم القصير التي تقيمها المؤسسة العامة للسينما وفاز بها من خلال نصه “الدمية المحاصرة". ثم قدم فيلما للهواة في مشروع دعم سينما الشاب حمل اسم "إشارة حمرا" ونال تنويها عنه في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة بدمشق، وبعده قدم فيلم "رائد فضاء" الذي يتحدث عن أحلام أحد الأطفال في أن يكون رائد فضاء. كما قدم نصا سينمائيا باسم "قضبان المدينة" أخرجه فادي رحمون.
حضور مجدد
وفي المسرح قدم محمد سمير الطحان عملين، واحد ضمن مشروع دعم مسرح الشباب لصالح المديرية العامة للمسارح والموسيقى بدمشق، حمل عنوان “الطين الأحمر”، والثاني كان منذ أشهر وقدمه للمسرح التجريبي في ذات الجهة الإنتاجية وحمل عنوان "تماس"، وهو المأخوذ من أصل سينمائي.
وفي مسابقة سيناريو الفيلم القصير قدم في محاولة ثانية له فيلما قصيرا حمل اسم سلمى وفاز به مناصفة مع أيهم عرسان بالجائزة، وهو الذي تغيّر اسمه إلى “أماني” وصوره حديثا بمشاركة كوكبة من فناني سوريا على رأسهم أسامة الروماني الذي عاد به محمد سمير الطحان إلى السينما بعد ما يزيد عن الأربعين عاما من الغياب.
◙ الفيلم القصير “أماني” يعالج واقع الأطفال في المجتمع السوري، الذي أنهكته سنوات عجاف من الحرب وويلاتها وتوابعها
يقول الطحان عن فيلمه “كثيرة هي الأماني، قليل هو الأمان، بين المعنيين يخوض الطفل كريم بطل الفيلم رحلة خلال يومين باحثاً عمّا يفقده في هذا العالم المتوحش، لعل يداً تمتد إليه لتغير من واقعه شيئا". والفيلم من تمثيل أسامة الروماني وجمال العلي والطفل حمود أبوحسون ونجاح مختار وصباح السالم وعادل أبوحسون ومادونا حنا ومضر عساف والطفلتين روسيل إبراهيم وأليسار نعمان.
ويعدّ الفنان جمال العلي أحد الوجوه الفنية التي تحضر بقوة في المشهد الدرامي السوري، خاصة في أجواء الكوميديا، فقد قدم شخصية المحقق في المسلسل الشهير "ضيعة ضايعة"، كذلك قدم شخصية الأستاذ صياح في مسلسل "الخربة" وبعدها الشخصية المتفردة في مسلسل الواق واق.
كما قدم غيرها من الشخصيات الكوميدية كما في "عيلة 8 نجوم"، لكنه في فيلم “أماني” يقدم شخصية مخالفة لأدواره السابقة فهو هنا رجل فظ شديد ظالم يقدم من خلال شخصيته بعدا عميقا في مسيرة حياته الفنية. مكرسا ملامح بعض الشخصيات التي قدمها سابقا كما في فيلم "طعم الليمون" الذي أخرجه الراحل نضال سيجري.
يحمل الفيلم خصوصية مشاركة الفنان أسامة الروماني، حيث يقدم شخصية الكاتب الذي يتعرف على بطل الفيلم بالمصادفة وتجمعهما دقائق قليلة لكنها تكون سببا في إيجاد منعطف درامي للفيلم.
أسامة الروماني غاب عن الفن السوري طويلا، لكنه نشط خلال السنة الماضية في الدراما التلفزيونية السورية، حيث شكّل وجوده حضورا قويا، فشارك في أربعة أعمال خلال الموسم الماضي، منها مسلسل "وثيقة شرف" ثم في مسلسل "على قيد الحب”، كما شارك ضيفا في مسلسل "الحوازيق" و"كسر عضم"، وقدم عشارية "شرف".
عودة بعد غياب
ينتمي الروماني إلى الجيل المؤسس للدراما والسينما السورية فقد ولد في عام 1942 بدمشق، أحب الفن وانتسب إلى أحد الأندية الفنية فيها وقدم من خلاله عددا من المسرحيات، ومع بداية عهد التلفزيون في سوريا، عمل فيه وقدم برامج متنوعة في الإعداد والإخراج، ولم ينقطع عن التمثيل، فشارك في مسلسلات ولعب أدوارا متنوعة، وهو في فيلم "أماني" يقدم شيئا مناقضا، وشخصية لم يتقمصها من قبل، فشخصية الكاتب هنا ترسم أحلام الآخرين وتحاول أن تخلق لهم عالما أجمل، فهل يفعل ذلك مع الطفل الذي تعرف عليه فجأة.
◙ المخرج محمد سمير الطحان يقدم في “أماني” محاولة في مسيرته الإبداعية، وهو أول أفلامه الاحترافية بعد عدة محاولات في سينما الهواة
يقول عن عمله في السينما بعد عقود من الغياب "عقود مرت، غبت فيها عن السينما ولم تغب عني، السينما روح وعالم يقدم من خلاله المبدع طيفا من الأفكار، في السينما تبدو المسافة صفرا في نقل الأحاسيس بين المشاهد والممثل. عقود مرت، وكان هاجس السينما ملحا بأن ثمة أملا قادما سيأتي وسوف يكون هنالك متسع لتقديم شيء فيه. وها هي الفرصة تأتي، مع شباب تيقنوا من هدفهم، فصنعوا عالما سينمائيا جديدا مليئا بالحيوية والأمل".
ويتابع "فيلم أماني لامس شغاف قلبي، أحببته لأنه يقدم عالم الأطفال البريء الجميل، ولأنه يقدم صوتهم في عالم اليوم المليء بالضجيج، العلاقة بين الطفل والكاتب في الفيلم توشحها الحياة بخطوطها التي قد لا تكون جميلة دائما، لكنها حقيقية. إنها الحياة، أشكر الفرصة التي أتاحت لي العمل مع السينما السورية بعد غياب عقود طوال".
ويتابع الفنان الروماني في حديث عن ظهوره السينمائي الجديد "هي فرصة كي أتعرف على طاقات جميلة من شبابنا السوري المبدع، الذي قدم وما زال يقدم الكثير في تاريخ الفن السوري والعربي. ولكونها فرصة جديدة، آمل أن يكون الفيلم فرصة مضافة لتقديم ما يحمل الخير لمسار حياة السينما السورية خصوصا والفن السوري عموما".
ويختتم الروماني بقوله "الفن السوري عظيم وكبير قدم خلال مسيرته الكثير من التجارب الإنسانية والعميقة، وهو يحقق يوما بعد آخر المزيد من التألق بهمة هؤلاء الشباب، منهم كاتب ومخرج هذا الفيلم محمد سمير الطحان، وأنا متأكد من أن الفن السوري يسير نحو الأفضل والأغنى معهم، وهم مستقبله الطيب الذي نتمناه جميعا".