أساطير هوليوود في مهرجان كان السينمائي

ينطلق مهرجان كان، الحدث السينمائي الأبرز، مسلطا أضواءه على أساطير هوليوود، المخرجين الذين صنعوا أشهر الأفلام والذين مثلوا في بداياتهم موجة السينما الجديدة التي غيرت شكل الفن السابع في كل العالم انطلاقا من أستوديوهات هوليوود وصاروا اليوم أيقونات ومدارس يتعلم منها كل من يحلم بالإخراج السينمائي.
لعل الحدث الأبرز في الدورة السابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي التي تنطلق الثلاثاء وتستمر حتى 25 مايو الجاري هو عودة المخرج الأميركي المخضرم فرنسيس فورد كوبولا بفيلمه الجديد “ميغالوبوليس” للمنافسة على السعفة الذهبية بعد خمسة وأربعين عاما من حصوله عليها عن فيلمه “القيامة الآن” 1979 المأخوذ عن رواية “قلب الظلام” للكاتب الأميركي جوزيف كونراد.
الفيلم الذي يروي قصة النقيب في الجيش الأميركي وال ويلاد (مارتن شين) الذي يرسله الجيش في مهمة إلى أدغال فيتنام لاغتيال العقيد المنشق عن القوات الخاصة الأميركية والتر أي كرتز (مارلون براندو) الذي يعتقدون أنه أصيب بالجنون فتبدأ رحلة بحثه عنه وفي الطريق إليه بمساعدة إحدى فرق الجيش المتمركزة هناك يرى الحالة النفسية المزرية التي وصل إليها الجنود نتيجة هذه الحرب العبثية في فيتنام وعندما يصل إليه يحاول إقناعهُ بالعودة إلى الوطن، لكن يكتشف أنه فعلاً قد جن وقد نصب نفسه إلها على السكان الأصليين هناك فتحدث معركة كبيرة بينهم يقتل على إثرها العقيد كرتز وتنتهي مهمة النقيب ويلاد.
صنف نقاد السينما هذا الفيلم الملحمي والذي كلف كوبولا معظم ثروته حين ذاك بأنه أعظم فيلم حربي أنجزته السينما وأعاد كوبولا ليتربع على عرش أعظم المخرجين بعد فيلم “العراب” الذي كرسه كأحد أهم مخرجي عصره.
كانت هذه المرة الثانية التي يحصل بها كوبولا على السعفة الذهبية في مهرجان كان، فالمرة الأولى كانت عن فيلمه “المحادثة” عام 1974 من تأليفه وإخراجه. الفيلم يحكي قصة هاري (جين هاكمان) الذي يعمل في مهنة التنصت على محادثات الآخرين ليكتشف في إحدى المحادثات أن جريمة قتل سوف تحدث ضد امرأة وزوجها فيكون أمام مأزق أخلاقي ولا يعرف مالذي يفعله كي يخبر هذين الشخصين.
أما فيلم “ميغالوبوليس” الذي يشارك به كوبولا في الدورة 77 من مهرجان كان هذا العام بعد انقطاع طويل عن صناعة الأفلام هو فيلم خيال علمي يروي قصة مهندس يقرر إعادة مدينة نيويورك من جديد بعد أن دمرتها إحدى الكوارث الطبيعية لكن وفق رؤية يوتوبية إذ يريدها أن تكون مدينة فاضلة لا وجود للشر فيها. لكنه سرعان ما يصطدم بأفكار سكانها القدامى مما يعثر مهمته!
قد تم تأجيل تنفيذ هذا الفيلم لمدة عشرين عاما منذ أن قرر كوبولا في العام 2001 المباشرة بتصويره لكنه كان يواجه برفض التمويل من الجهات الإنتاجية التي تعتبر كوبولا مخرجا متهورا منذ أفلامه الأولى مما اضطره في النهاية لتمويله من حسابه الخاص حيث باع جزءا من مزارعه في كاليفورنيا لأجل هذا الغرض وقد كلف الفيلم حوالي الـ120 مليون دولار.
“ميغالوبوليس” هو من بطولة آدم درايفر وفورست ويتركر وناتالي إيمانويل.
وينافس كوبولا بفيلمه هذا في هذه الدورة من المهرجان مواطنهُ بول شرايدر الذي يشارك أيضا بفيلم جديد له (أو كندا) بطولة ريتشارد غير شرايدر الذي اشتهر بكتابة سيناريوهات أفلام مارتن سكورسيزي أكثر من كونه مخرجا وأشهرها “تاكسي درايفر” الحائز على السعفة الذهبية عام 1976، فكوبولا وشرايدر ينتمون إلى حركة مخرجي هوليوود الجديدة التي ظهرت أوائل سبعينيات القرن المنصرم وكانت بمثابة ثورة على التقاليد القديمة لأستوديوهات هوليوود حيث فرض المخرجون الشباب الجدد حينها رؤيتهم كمؤلفين وانتزعوا القرار الإنتاجي من أيدي أصحاب الاستوديوهات وأصبحوا أحرارا باختياراتهم وآرائهم.
كان هؤلاء أشبه بالموجة الجديدة في السينما الفرنسية التي تأسست خمسينيات القرن الماضي على يد المخرج فرنسوا تروفو وأصدقائه. ومن أبرز مخرجي هوليود الجديدة مارتن سكورسيزي وستيفن سبيلبرغ وستانلي كوبريك وجورج لوكاس الذي يكرمه المهرجان هذا العام بمنحه سعفة ذهبية فخرية عن مجمل إنجازاته فصاحب “حرب النجوم” و”إنديانا جونز” كانت أول مشاركة له في مهرجان كان عام 1971 بفيلم الخيال العلمي (THX1138).
ويشبه مؤرخ هوليود الشهير توما دوهارتي اجتماع المخرجين الثلاثة – كويولا وشرايدر ولوكاس – في كان هذا العام بعد انقطاع دام عشرات السنين بـ”عودة المحاربين القدامى إلى المدينة لمبارزة أخيرة في ما بينهم”. أما الناقد السينمائي الأميركي الشهير تيم غراي فقد قال عن الحدث “إن هذه العودة تشكل ذروة حياتهم المهنية”.
كما يكرم مهرجان كان هذا العام أيضا الممثلة الأميركية المتميزة ميريل ستريب الحائزة على جائزة الأوسكار ثلاث مرات بمنحها سعفة ذهبية فخرية عن مجمل مسيرتها المهنية. ستريب التي حازت في نفس المهرجان عام 1989 جائزة أفضل ممثلة عن فيلمها “ملائكة الشر”، من أشهر أفلامها “بيت الأرواح” و”غرامر ضد غرامر” و”جسور مقاطعة ماديسون” و”ماما ميا”.