أسئلة التعويضات وإعادة الإعمار تخيم على الذكرى الأولى لكارثة درنة الليبية

دائرة الجدل تتسع حول مستويات الإنجاز على صعيد تقديم التعويضات وإعادة الإعمار.
الخميس 2024/09/12
كارثة طبيعية لا تزال عالقة في الأذهان

مرت أمس الأربعاء الذكرى الأولى لعاصفة “دانيال” المتوسطية التي اجتاحت مدينة درنة ومنطقة الجبل الأخضر بشرق ليبيا والتي تم اعتبارها كارثة طبيعية غير مسبوقة في البلاد سواء من حيث نسبة الضحايا بين القتلى والمفقودين والخسائر المادية الضخمة، أو من حيث حجم مستويات الفساد التي تبين أنها كانت السبب الرئيسي في انهيار السدود واندفاع السيول نحو الأحياء السكنية لتجرف المباني والسكان المحليين إلى مصيرهم المحتوم.

وبينما افتتح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والمدير العام لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بلقاسم خليفة حفتر مشروعات خدمية نفذها الصندوق في درنة، منها إعادة افتتاح مسجد الصحابة ومجمع عيادات محمود الهريش، اتسعت دائرة الجدل حول مستويات الإنجاز على صعيد تقديم التعويضات وإعادة الإعمار وما قد تكون شابتها من مظاهر الفساد التي باتت جزءا أساسيا من نظام العمل المعتمد في البلد الثري في شمال أفريقيا.

ورأت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها بالمناسبة، الثلاثاء، أن السلطات الليبية تتقاعس عن تقديم التعويض والدعم الكافيين لإعادة الإعمار بعد عام على الفيضانات الكارثية التي دمرت مدينة درنة في شرق ليبيا وخلّفت آلاف الموتى والمفقودين، وقالت إن المجموعات المسلحة لم تحاسب بعد على التقصير في الاستجابة الطارئة الذي منع الناس من التماس الأمان، معتبرة أن بطء التعافي وغياب خطة استجابة وطنية يؤثران بشدة على الحقوق الاقتصادية للناجين، بما فيها السكن، والصحة، والتعليم.

ستيفاني خوري: الحاجة لا تزال ماسة لإعادة الإعمار والتنمية
ستيفاني خوري: الحاجة لا تزال ماسة لإعادة الإعمار والتنمية

ونقلت المنظمة عن ناجين من الفيضانات أنهم يواجهون عوائق في الحصول على التعويض المنصف ودعم إعادة الإعمار وسط ركود سياسي يقيّد بشدة قدرة النازحين على العودة إلى ديارهم. ففي درنة، المدينة الأكثر تأثرا، لا يزال الدمار والأضرار التي أصابت البنية التحتية منتشرة، بما يشمل المنازل، وشبكات المياه والصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، والمستشفيات، والمدارس. أما الاستفادة من الخدمات الحكومية والمالية فمحدودة، بينما ما يزال آلاف الضحايا مجهولي الهوية أو مفقودين.

وبحسب حنان صلاح، مديرة مشاركة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، فإن “النازحين من درنة وغيرها من مدن شرق ليبيا الذين قُلبت حياتهم رأسا على عقب بعد الكارثة يواجهون عوائق مضنية وأحيانا مستحيلة في الحصول على أي نوع من دعم الدولة، ينبغي للسلطات ضمان مقاربة منصفة لإعادة الإعمار وتعويض السكان”.

وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع 16 ناجيا من الفيضان نزحوا من مدينتَيْ درنة وأجدابيا الشرقيتين ومدينة مصراتة الغربية، الذين شرحوا أثر أوامر البقاء في منازلهم، والعوائق الشديدة أمام الحصول على أي دعم حكومي بعد خسارة مصادر رزقهم، حيث قال معظمهم إن الدعم الوحيد الذي حصلوا عليه في أعقاب الكارثة مباشرة كان من مبادرات ليبية خاصة أو جمعيات إغاثية أجنبية أو محلية. وقال شخص واحد فقط إنه حصل على تعويض من الحكومة لأنه كان في درنة حين قدمت السلطات في الشرق تعويضا لمرة واحدة للناس الموجودين. أما الآخرون، فقالوا إنهم لم يتمكنوا حتى من تقديم طلب للتعويض لعدم وجودهم في درنة وقت صرف المساعدات.

وتابع التقرير أن الحكومتين المتنافستين أعلنتا عن صندوقين منفصلين لإعادة الإعمار لتعويض الضحايا وإعادة إعمار درنة، لكن يبدو أن “مصرف ليبيا المركزي” يحجب التمويل، ولم تدفع التعويضات سوى الإدارة الشرقية، المرتبطة بالقوات المسلحة العربية الليبية، وكان ذلك لمرة واحدة ولبعض الضحايا، من ذلك ما قاله سكان درنة من إن المبالغ تراوحت بين 20 ألفا و100 ألف دينار ليبي (بين 4,200 و21 ألف دولار أميركي)، تبعا لحجم الأضرار ودمار منازلهم.

وتابعت المنظمة أن “صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا” الشرقي، الذي يسيطر عليه بلقاسم حفتر، ابن قائد القوات المسلحة العربية الليبية خليفة حفتر، أقر مشاريع عدة لإعادة الإعمار تشمل وحدات سكنية وجسورا جديدة في درنة، لكنّ أنظمة تمويل المشروع واختيار المستفيدين غير واضحة.

البعثة الأممية جددت التعبير عن خالص تعازيها لكل من فقدوا أحباءهم مستحضرة ذكرى الأرواح التي أُزهقت

وفي كشف عن حجم معاناة المتضررين، قال ناجون في مصراتة إنهم واجهوا عوائق في الحصول على المال النقدي وإن المصارف التجارية ألزمت النازحين العودة أكثر من ألف كيلومتر إلى درنة لسحب الأموال أو تحويلها، ورفضت تقديم الخدمات لهم في مصراتة. وقال ناجون من الفيضان إنهم اضطروا إلى استخدام وسائل نقل مكلفة للحصول على المال النقدي مهما كان المبلغ.

وأضافوا أن الوصول إلى السجلات العامة، مثل أوراق ملكية المنزل، كانت صعبة في الغالب بسبب طلب السلطات منهم الذهاب إلى فرع الإدارة العامة في درنة، حتى لو لم يملكوا القدرة على الذهاب. وقال بعضهم إنهم واجهوا صعوبات أيضا في الحصول على وثائق أحوال شخصية، وبطاقات هوية، وجوازات سفر كانوا قد فقدوها في الفيضان.

كما أكدوا أنهم واجهوا عوائق أمام الحصول على التعليم، بما يشمل المدارس والجامعات، وحضانات الأطفال، وغيرها من المراكز المتخصصة بسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف النقل، وعدم تلقيهم أي دعم من السلطات.

وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن من واجب السلطات الليبية إعطاء الحق في الصحة، والسكن، والتعليم، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي للأشخاص بمن فيهم المتضررون من الفيضانات. وينبغي لها ضمان أنّ استجابة الإغاثة وإعادة الإعمار تحترم حقوق الناس.

ويرى مراقبون، أنه من الصعب التوصل إلى معطيات دقيقة واستخلاصات نزيهة وشفافة عن الأوضاع في شرق ليبيا التي يمكن لمنتقدي سياسات قياداتها أن يدفعوا ثمنا غاليا كما حدث لشخصيات عدة من بينها النائبة سهام سرقيوة المغيبة قسرا منذ يوليو 2019 والنائب ابراهيم الدرسي الذي تعرض للإخفاء القسري منذ مايو الماضي دون الكشف عن مصيره.

في المقابل، جددت البعثة الأممية التعبير عن خالص تعازيها لكل من فقدوا أحباءهم مستحضرة ذكرى الأرواح التي أُزهقت، وقالت في بيان “بينما لا يزال تأثير الكارثة على المجتمعات والأسر المتضررة عميقا، فإن تحديد الحادي عشر من سبتمبر كيوم حداد وطني على درنة والمناطق المتضررة من الفيضانات يعبر عن الحزن العميق الذي يوحد الناس في ليبيا ويسلط الضوء على الحاجة المستمرة إلى الدعم المستدام للمتضررين”.

من الصعب التوصل إلى معطيات دقيقة واستخلاصات نزيهة وشفافة عن الأوضاع في شرق ليبيا

وأكدت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، أن “الحاجة لا تزال ماسة لإعادة الإعمار والتنمية على المدى الطويل بشكل منسق وفعال وكفء،” مجددة دعوة الأمم المتحدة لجميع السلطات الليبية “إلى العمل معًا لصالح المتضررين وضمان احترام الشفافية والرقابة والمساءلة في جهود إعادة الإعمار”.

واعتبرت المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في ليبيا، جورجيت غانيون، أن “ما عاشه الأهالي في درنة والمناطق المحيطة بها قبل عام أمر مأساوي لا يمكن وصفه بالكلمات، جميع الأسر المتضررة التي التقيت بها لا تزال تبكي ذويها الذين فقدوا أرواحهم، وتريد أن تعود حياتها إلى مجراها الطبيعي. إن استمرار الليبيين من جميع أرجاء البلاد في التعبير بقوة عن مظاهر الوحدة والتضامن والدعم للمجتمعات المحلية المتضررة يخلق الأمل في مستقبل أكثر إشراقا”.

وقال البيان الأممي إن مدينة درنة والمناطق المحيطة تعرضت لأضرار فادحة وواسعة النطاق، حيث جرفت الفيضانات أحياء بأكملها ودمرت مدارس وأسواق وبنيات تحتية عامة، مؤدية في طريقها إلى مقتل واختفاء الآلاف من الأشخاص ونزوح آلاف آخرين من منازلهم. وعلى الرغم من الدمار الواسع واستمرار الانسداد السياسي، إلا أن المجتمعات المحلية أظهرت قدرة تثير الإعجاب على الصمود أمام التحديات والعمل نحو التعافي وتجاوز آثار الكارثة.

وبحسب بيان البعثة، فإن الأمم المتحدة انخرطت على مدار العام المنقضي بشكل نشط، وبالشراكة مع المجتمعات المحلية والسلطات والأشخاص المتضررين على الأرض، لتقديم الدعم الإنساني والمساعدة على التعافي المبكر. وتركز جهود الأمم المتحدة الجارية والمخطط لها على التعافي والتنمية المستدامة طويلة الأجل في البلديات المتضررة.

ونظرا للتقدم الملموس في إعادة الإعمار في درنة، قالت الأمم المتحدة إنها تحث السلطات الليبية على مواصلة إعطاء الأولوية لإعادة بناء البنية التحتية الحيوية والمساكن، واستعادة سبل العيش، وتعزيز قدرة المجتمع على الصمود في جميع المناطق المتضررة. كما تحض على إيلاء اهتمام خاص أكبر بالأسر التي لا تزال نازحة والأشخاص الأكثر ضعفاً من بين المتضررين من الكارثة، وخاصة النساء والأرامل والأطفال والأيتام والأشخاص ذوي الإعاقة.

Thumbnail

وشددت الأمم المتحدة على أنها ستظل ملتزمة بتقديم الدعم الحيوي في مجالات شتى مثل التعليم والرعاية الصحية وسبل العيش ودعم الصحة النفسية، مع التركيز على رفاه الأشخاص المتضررين وتلبية احتياجاتهم الأكثر إلحاحًا.

وبدورها، أصدرت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، بيانا بمناسبة مرور الذكرى الأولى لإعصار دانيال، الذي ضرب مدن شرق ليبيا، جددت فيه تعاطفها مع الأسر والمجتمعات المحلية في مدينة درنة والمناطق المحيطة بها، التي تضررت من إعصار دانيال، والذي أحدث فيضاناً كارثياً خسائر فادحة.

وقالت البعثة: “في هذه الذكرى السنوية الأولى، نتذكر الكرم والإيثار الرائعين لدى الليبيين الذين تكاتفوا من جميع أنحاء البلاد لتقديم الإغاثة التي كان إخوانهم المواطنون في أمس الحاجة إليها”.

واستطردت: “لقد كان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه من أوائل الشركاء الذين دعموا هذا الجهد الوطني الملهم”، معربة عن أملها في أن تسود روح الوحدة ذاتها إذ أن ليبيا تواجه تحديات جديدة تتطلب حلولاً سلمية ومبنية على التوافق.

ويرى متابعون للشأن الليبي، أن من الطبيعي أن يؤثر الانقسام السياسي والحكومي والعسكري وتباين المواقف بين الفرقاء الأساسيين في شرق وغرب البلاد على ملف إعادة الإعمار وكذلك على تمكين المتضررين من التعويضات التي يستحقونها ويحتاجون إليها في معركة العمل على التطبيع مع الحياة بدل التطبيع مع المأساة.

4