أزمة مجلس الدولة صورة مصغرة للانقسام السياسي في ليبيا

تبرز أزمة الصراع على رئاسة مجلس الدولة في ليبيا كصورة مصغرة للانقسام السياسي العاصف بالبلاد منذ أكثر من عشر سنوات، والذي بدأ بخلافات بشأن شرعية انتخاب مجلس النواب سنة 2014.
وانقسمت البلاد على اثر ذلك إلى حكومتين وبرلمانين الأول في طرابلس أو المؤتمر الوطني العام الذي يشكل جزء كبير من أعضائه مجلس الدولة، ومجلس النواب في طبرق شرق البلاد الداعم للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر.
ويعيد خالد المشري ومحمد تكالة اليوم نفس السيناريو تقريبا مع اختلاف في بعض التفاصيل في ظل تمسك كليهما برئاسة المجلس والتشكيك في عملية التصويت كل مرة.
رفض خالد المشري إعادة انتخاب محمد تكالة رئيسا لمجلس الدولة في ليبيا، معلنا تمسكه بنتائج جلسة أغسطس الماضي، فضلا عن تأكيد كونه الرئيس الشرعي للمجلس إلى حين الفصل في الموضوع قضائيا، وهو ما بات ينذر حسب أوساط سياسية في البلاد بنشوب أزمة بين الطرفين قد تزيد من توسيع دائرة الانقسام في ليبيا.
وأكد خالد المشري تمسكه بنتائج انتخابات رئاسة مجلس الدولة التي جرت في جلسة 6 أغسطس الماضي، والتي فاز فيها برئاسة المجلس، وقال إن صحة الجلسة تم تأكيدها في جلسة أخرى عُقدت يوم 28 أغسطس، حيث صوت الأعضاء على تأكيد فوزه ورفض الورقة محل النزاع. وأوضح أنه لولا تدخل الجهات الأمنية، لكانت إجراءات انتخاب مكتب الرئاسة قد اكتملت.
وجاء هذا الموقف بعد أن أعلن الثلاثاء عن انتخاب محمد تكالة رئيسا لمجلس الدولة الاستشاري في جلسة لم تحقق النصاب القانوني، حيث شارك فيها 72 عضوا، تقدم منهم 3 مترشحين لشغل منصب رئيس المجلس، وهم محمد تكالة ونعيمة الحامي وإدريس أبوفايد.
وأسفرت نتائج التصويت على حصول تكالة على 55 صوتا مقابل 8 أصوات للحامي و5 لأبوفايد، إلى جانب ورقتين فارغتين.
وأوضح المشري أن الحكومة التي وصفها بأنها أصبحت طرفا خارج المجلس “أمنت جلسة الثلاثاء بشكل غير مسبوق عبر حضور عشرات السيارات الأمنية ومئات من رجال الأمن، وكأنها ساحة معركة.”
وأضاف أن “77 عضوا تم منعهم من عقد جلسة قانونية، بينما عُقدت اليوم (الثلاثاء) جلسة ناقصة النصاب بحضور 69 عضوًا فقط عند انتهاء الوقت المحدد.”
وتابع المشري أن “الدعوة للجلسة صدرت من مكتب رئاسة الحكومة منتهية الولاية، وأن مدة مكتب الرئاسة سنة واحدة غير قابلة للتمديد،” معتبرا أن “المدة قد انتهت.”
وبحسب مراقبين، فإن جلسة الثلاثاء لن تغير الواقع السياسي في البلاد، ولن تحل مشكلة مجلس الدولة القائمة منذ أغسطس الماضي، ولن تنهي الصراع الدائر بين المتصارعين على رئاسة المجلس محمد تكالة وخالد المشري.
وأكد عضو مجلس الدولة عادل كرموس أن “البعثة الأممية أبلغت تكالة بعدم اعترافها بالجلسة المزمع عقدها برئاسته لإعادة انتخاب مكتب الرئاسة،” وقال في تصريح صحفي إن “البعثة الأممية أكدت أنها في انتظار أن يفصل القضاء في الخلاف القائم في مجلس الدولة، وأنها لن تتخذ أي موقف بشأن الأزمة.”
البعثة الأممية إلى ليبيا اعتبرت أن الصراع على رئاسة مجلس الدولة مسألة داخلية يتعين على المجلس حلها
وتابع كرموس أن “مجموعة تكالة أصرت على عقد جلسة من طيف واحد دون التوافق مع جميع الأعضاء ما دفع أكثر من 70 عضوا إلى مقاطعتها.”
من جانبه أوضح النائب الثاني لرئيس مجلس الدولة عمر العبيدي أن “الجلسة التي شهدت انتخاب عدد من الأعضاء لمحمد تكالة رئيساً للمجلس هي جلسة غير توافقية وباطلة، وفقا للائحة الداخلية،” وتابع أن “الجلسة قاطعها أكثر من 73 عضوا، وهم أكثر من نصف أعضاء المجلس، وهي محل طعن قانوني ودستوري، ولا نعتد بنتائجها، وهي مجرد قفزة في الهواء لا معني لها.”
وانطلقت أزمة مجلس الدولة في السادس من أغسطس الماضي عندما أعلن مقرر الجلسة الانتخابية عن حصول تكالة على 68 صوتا مقابل 69 صوتا للمشري، ثم احتدم السجال حول قانونية تصويت أحد الأعضاء بعد كتابة اسم محمد تكالة في غير المكان المخصص له.
وتم التصويت على اعتماد رأي اللجنة القانونية في الورقة المميزة بواقع 67 صوتا من أصل 77 صوتا من الحاضرين، وصوتين مع عدم قبول رأي اللجنة القانونية، بينما اعتبر بقية الأعضاء ممتنعين عن التصويت وهم ثمانية أعضاء، وقال المكتب الإعلامي للمجلس آنذاك إنه تم استكمال انتخابات مكتب الرئاسة بحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بصفة مراقب.
وأكد عضو ملتقى الحوار السياسي أحمد الشركسي أنه “إذا طال انقسام مجلس الدولة سيتآكل وسيكون في عداد المنتهي،” مشيرا إلى أن “البعثة الأممية ستعمل جاهدة للذهاب إلى انتخابات جديدة حتى يعود المجلس إلى الحياة السياسية،” وقال “إذا تفكك مجلس الدولة وانتهى فلن يمكن الذهاب إلى أي اتفاق سياسي جديد، فالبعثة لن تفرط في مجلس الدولة، الذي عادة ما كان يقوم بدور المعارض للنواب، وآخرها معارضته للانتخابات الرئاسية، وليس من مصلحة البعثة إفراغ الساحة للبرلمان.”
وكانت البعثة الأممية اعتبرت أن الصراع على رئاسة مجلس الدولة “مسألة داخلية يتعين على المجلس حلها،” ودعت جميع الأطراف إلى “التحلي بروح المسؤولية للتوصل إلى حل، وإنهاء هذه الأزمة في أقرب وقت ممكن،” مشيرة إلى أنه “يتوجب على الأطراف المعنية أن تسعى جاهدة للحفاظ على وحدة وتماسك المجلس، وأن تضع مصلحة ليبيا في المقام الأول.”
جلسة الثلاثاء لن تغير الواقع السياسي في البلاد، ولن تحل مشكلة مجلس الدولة القائمة منذ أغسطس الماضي
وبحسب أغلب المراقبين، فإن أزمة مجلس الدولة من شأنها تعطيل المسار السياسي حيث تحاول بعض الأطراف الأساسية استعمالها لتأجيل أي مبادرة للحل باعتبار المجلس من القوى الفاعلة في إطار التوازنات السياسية بالبلاد إلى جانب مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة بنغازي مقرا له.
وفي 25 سبتمبر الماضي أصدرت محكمة استئناف جنوب طرابلس حكما لصالح محمد تكالة، ضد خالد المشري (في الشق المستعجل) بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه المتعلق بجلسة انتخاب رئيس مجلس الدولة والورقة الجدلية، وهو ما جعل بعض القوى الفاعلة في طرابلس تعمل على سحب البساط من تحت أقدام المشري وتكالة معا والاتجاه نحو انتخاب رئيس جديد بما ينهي معركة الصراع على الزعامة.
وترى أوساط ليبية أن المواجهة بين تكالة والمشري تعكس الوضع العام في البلاد والمعركة السياسية حامية الوطيس بين الفرقاء الأساسيين في ليبيا، حيث أن تكالة يعرف بتحالفه مع عبدالحميد الدبيبة وبولائه لتيار الإسلامي السياسي الذي ينتمي إليه، وبمواقفه الراديكالية المعادية لمجلس النواب وقيادة الجيش في المنطقة الشرقية بينما يعرف المشري بخلافه الحاد مع الدبيبة وبدعمه لفكرة تشكيل حكومة جديدة موحدة تشرف على تهيئة الظروف لتنظيم الانتخابات.
والأسبوع الماضي أعلن المشري عزمه رفع قضية أمام النائب العام ضد تصرفات محمد تكالة، التي وصفها بأنها “تجاوزات شخصية” واتهامات “غير مبررة” بحقه.
وأوضح المشري في تصريح تلفزيوني أن “توجيه اتهام لشخص ما بالعمالة يتطلب اللجوء إلى القضاء،” داعيًا تكالة إلى “تقديم أي أدلة يمتلكها للنائب العام.”
وقبل أيام أصدرت محكمة السواني الابتدائية بطرابلس حكما برفض طعن خالد المشري بصفته رئيسا لمجلس الدولة ضد الرئيس السابق محمد تكالة، لوقف تنفيذ إعادة انتخابات رئاسة المجلس، وبالتالي إعادة الجولة.
من جهته رحَّب تكالة بالحكم، وقال إن “مكتب الرئاسة سوف يدعو إلى عقد جلسة مكتملة النصاب قبل منتصف نوفمبر الجاري، لمناقشة البنود المطروحة على جدول الأعمال، واتخاذ القرارات الضرورية لتفعيل دور المجلس كإحدى ركائز السلطة التشريعية.”
واعتبر المشري أن الحكم “لا يعني الفصل في الموضوع، حيث أن القضية المرفوعة من تكالة لا تزال قيد النظر من المحكمة،” بالإضافة إلى تقدمه بطعن إلى المحكمة العليا ضد الحكم المستعجل الصادر عن محكمة السواني، كما أكد تمسكه بالمسار القضائي، مشددًا على أنه “الرئيس الشرعي للمجلس إلى حين الفصل في الموضوع قضائيا.”