أزمة سياسية في إيطاليا بسبب الإفراج عن ليبي متهم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان

تسعى حكومة جورجا ميلوني إلى إقناع المعارضة والرأي العام في ايطاليا بأن قرارها بالإفراج عن متهم ليبي ملاحق من محكمة الجنايات الدولية بسبب التورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فرضته المصلحة العليا للبلاد.
وحاول وزير الخارجية الإيطالي تبرير الموقف، بالقول إن إيطاليا دولة ذات سيادة ولها الحرية في اتخاذ قراراتها على أراضيها بعد أن طلبت المحكمة الجنائية الدولية من روما تفسير إطلاق رئيس الشرطة القضائية في طرابلس ومدير سجن عين زيارة سراح نجيم.
وأضاف أن المحكمة، ليست مصدر كل الحقيقة وقرارها ليس كلام الله، وإيطاليا ليست تحت سيطرة أحد، وفق تقديره، مؤكدا: “نحن دولة ذات سيادة وننفذ سياستنا.”
من جانبه، عزا وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي إفراج السلطات الأمنية في بلاده عن آمر جهاز الشرطة القضائية في ليبيا، أسامة نجيم لأسباب “عاجلة وأمنية نظرا خطورته.”
ولفت وزير الداخلية، خلال جلسة أسئلة الخميس في مجلس الشيوخ إلى أنه “في 21 يناير، أعلنت محكمة الاستئناف في روما، في نطاق صلاحياتها للنظر في التدابير المقيدة للحرية الشخصية، أنه لا توجد حاجة للبت في اعتقال المواطن الليبي، باعتبار أنه غير منصوص عليه في القانون الإيطالي، وبالتالي، أمرت بالإفراج الفوري عنه إذا لم يكن محتجزًا لسبب آخر.”
الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق نجيم في الثامن عشر من الشهر الجاري بتهمة تعذيب وسوء معاملة مهاجرين في سجن معيتيقة
وتابع الوزير: “لقد اتخذت قرار الطرد لأسباب تتعلق بأمن الدولة عملا بالمادة 13 فقرة 1 من قانون الهجرة الموحد. وقد تم إبلاغ المعني بالأمر بهذا الإجراء عند إطلاق سراحه من السجن، وفي مساء يوم 21 يناير غادر التراب الوطني.”
ومنذ إطلاق السلطات الإيطالية سراح نجيم، ارتفعت الأصوات المنددة بالقرار الذي رأى فيه معارضوه استجداء لرضا سلطة الميليشيات في غرب ليبيا وتحديا للقضاء الدولي وتجاهلا لقيم العدالة والإنصاف ودعما لسياسة الإفلات من العقاب التي باتت تميز المشهد العام في ليبيا.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة اعتقال بحق نجيم في الثامن عشر من الشهر الجاري بتهمة تعذيب وسوء معاملة مهاجرين في سجن معيتيقة (في العاصمة طرابلس)، وطالبت في بيان الحكومة الإيطالية بـتفسير لقرار الأخيرة إخلاء سبيله من دون “إشعار مسبق أو استشارة.”
وأعربت المحكمة عن استغرابها من قيام السلطات الإيطالية إطلاق سراح آمر جهاز الشرطة القضائية أسامة نجيم بعد اعتقاله بناءً على طلب المحكمة، وقالت إن السلطات الإيطالية أفرجت عن نجيم بشكل مفاجئ ونقلته إلى ليبيا دون إخطارها.
وطالبت الجنائية الدولية إيطاليا بتوضيح عاجل بشأن هذا الإجراء، معتبرة أنه يثير تساؤلات حول التزام روما بالتعاون مع المحكمة، مؤكدة إصدارها مذكرة اعتقال بأغلبية أعضائها، بحق نجيم في الـ18 من يناير الجاري، لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
المحكمة الجنائية الدولية قالت إن السلطات الإيطالية أفرجت عن أسامة نجيم بشكل مفاجئ ونقلته إلى ليبيا دون إخطارها
وتابعت المحكمة أن نجيم، الذي كان مسؤولًا عن سجن معيتيقة التابع لجهاز الردع، يواجه تهمًا باحتجاز الآلاف من الأشخاص لفترات طويلة، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما فيها القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، وفق البيان، مشيرة إلى أنها لا تزال تلاحق 7 ليبيين بمذكرات توقيف مازالت معلقة، هم سيف الإسلام القذافي، وعبدالرحيم خليفة الحجاجي، مخلوف أرحومة دومة، ناصر محمد ضو، محمد الصالحين السالمي، عبدالباري عياد الشقاقي، وفتحي فرج الزنكال.
وبحسب الجنائية الدولية، يشتبه في أن نجيم، الذي يُزعم أنه كان مسؤولاً عن المؤسسات الإصلاحية في طرابلس، حيث تمّ احتجاز آلاف الأشخاص لفترات طويلة، بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، في ليبيا ابتداءً من فبراير 2015.”
وتسرد مذكّرة الاعتقال ضد أسامة نجيم جرائم الحرب المتمثلة في الاعتداء على الكرامة الشخصية، وجرائم الحرب المتمثلة في المعاملة القاسية والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، والقتل، والتي ارتكبت في سجن معيتيقة اعتبارًا من 15 فبراير 2011، وكذلك الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في السجن والاضطهاد.
وبحسب الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، فإن تلك الجرائم “يُزعم أن نجيم ارتكبها شخصيًا، بناءً على أوامره أو بمساعدته من قبل أعضاء قوات الردع الخاصة.”
عملية الإفراج عن نجيم أثارت بوادر أزمة سياسية في إيطاليا التي يرى المعارضون أنها تعاملت بانتهازية مع الملف، وانتهكت قيم الجمهورية
وفي إطار تكريم أمراء الحرب وقادة الميلشيات، تم في العام 2021 تعيين نجيم، الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة قبل 2011، مديرًا لمؤسسة الإصلاح والتأهيل في طرابلس، وفي هذا المنصب أشرف على السجون، بما في ذلك سجون معيتيقة والجديدة وعين زارة، الخاضعة رسميا لسيطرة الشرطة القضائية.
وكان قد تم القبض على نجيم، رئيس جهاز الشرطة القضائية الليبية المطلوب بتهمة الإساءة المنهجية للمهاجرين الذين وصلوا إلى ليبيا على أمل الوصول إلى أوروبا، يوم الأحد الماضي، في تورينو بناءً على مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية.
وأكد متحدث في المفوضية الأوروبية أن الاتحاد يدعم المحكمة الجنائية الدولية والمبادئ المنصوص عليها في معاهدة روما، وهو “ملتزم بشكل كامل بالعدالة الجنائية الدولية ومكافحة الإفلات من العقاب،” وذلك تعقيبا على سؤال حول إطلاق السلطات الإيطالية أسامة نجيم.
وقال المتحدث باسم الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في المفوضية الأوروبية أنور العنوني: “نحن نذكر بمخرجات المجلس الأوروبي لعام 2023، التي تدعو جميع الدول الأعضاء إلى التعاون الكامل مع المحكمة، بما في ذلك التنفيذ السريع لأوامر الاعتقال.”
وأثارت عملية الإفراج عن نجيم بوادر أزمة سياسية في إيطاليا التي يرى المعارضون أنها تعاملت بانتهازية مع الملف، وانتهكت قيم الجمهورية ومبادئ الديمقراطية والعدالة بقرارها السماح لمتهم دولي بالعودة إلى بلاده بعد يومين من احتجازه.
وأكدت حركة خمس نجوم الإيطالية المعارضة، أن “على وزير العدل، كارلونورديو الحضور إلى البرلمان لإيضاح سبب إطلاق سراح الجلاد الليبي، بدل تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.”
وقال أعضاء الحركة في لجنتي الخارجية والعدل بمجلسي النواب والشيوخ، في مذكرة إن المحكمة الجنائية، “تتلقى بذلك صفعة أخرى على وجهها من حكومة جورجا ميلوني، بعد تلك التي وجهتها إليها بشأن حصانة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو،” معتبرين أن “هناك شكا قويا بوجود إرادة سياسية لحماية هذا المسؤول الليبي الكبير الصديق لحكومة ميلوني، من خلال إبعاده عن العدالة الدولية، تجنباً لتقويض الاتفاقيات مع طرابلس بشأن إدارة شؤون المهاجرين.”