أزمة رواتب في ليبيا تكشف عجز السلطات عن تأمين التوازنات المالية

تجاذبات بين المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط: أين ذهبت الإيرادات.
الأربعاء 2024/11/27
معاناة للحصول على الرواتب

يعكس تأخر صرف الرواتب في ليبيا والتجاذبات الجارية بين المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط في علاقة بالإيرادات، عجز السلطات المعنية عن إدارة التوازنات المالية في البلاد، ليبقى المواطن الليبي هو من يدفع الثمن.

تمر ليبيا بأزمة مالية خانقة أدت إلى تأخير صرف رواتب نحو 2.3 مليون موظف حكومي، لشهر نوفمبر الجاري بعد أن اضطرت الحكومة للاقتراض من أجل تسديد رواتب شهر أكتوبر الماضي.

وقال مصدر من مصرف ليبيا المركزي إن السبب في التأخر يعود إلى عدم إحالة أيّ إيرادات إليه منذ أشهر وحتى تاريخ الخامس والعشرين من نوفمبر لصرف الرواتب، وهو ما جعل المؤسسة الوطنية للنقط تبادر لتبرئة ذمتها من تبعات الأزمة، بنشر جدول الحوالات المصرفية، لإيرادات بيع النفط من حسابات المؤسسة، إلى حساب مصرف ليبيا المركزي، منذ شهر يناير 2024 وحتى تاريخ 25 نوفمبر الجاري، بقيمة إجمالية قيمتها 14 مليارا و362 مليونا و184 ألف دولار بواقع 21 حوالة منذ مطلع العام.

وأكدت المؤسسة أن هذا الجدول يوضح أنها لم تتأخر يوماً على إحالة الإيرادات المشار إليها، ولم تكن بأيّ شكل من الأشكال سببا أو عائقا لتسييل مرتبات موظفي القطاع العام، بل إنها حريصة كل الحرص على تحويل المبالغ المستحقة قبل موعد صرفها في أغلب الأحيان. وأشارت إلى أن التدني الذي أصاب إيرادات النفط في الفترة القريبة الماضية لم يكن بسبب تأخر المؤسسة أو تقاعسها عن تحمل مسؤولياتها بل كان بسبب أزمة المصرف المركزي وما ترتب عنها من إغلاقات وقبله توقف إنتاج حقل الشرارة.

◙ أزمة الرواتب تعود إلى سوء التصرف في الموارد من قبل مسؤولين دفعت بهم الصدفة إلى مواقع القرار

وكان عمر بسيسة رئيس الفريق الإعلامي لوزارة المالية في حكومة الوحدة الوطنية سابقا، أوضح أن رواتب شهر أكتوبر تمت تغطيتها بقرض من مصرف ليبيا المركزي، وتساءل ”عن مصير مرتبات شهر نوفمبر.. متى ستحيل المؤسسة قيمة من الإيرادات البترولية للمصرف المركزي لتغطية القرض الممنوح لتغطية مرتبات أكتوبر ومن بعده تغطية شهري نوفمبر وديسمبر؟” وأردف المسؤول السابق أن وزارة المالية كعادتها جاهزة لإحالة المرتبات ولكن لا بد من دعم الحساب وتوفير التغطية والتي لم نسمع أو نرى أيّ معلومة في الأفق بالخصوص في ظل غياب تام للمعلومة من المؤسسة.

ووفق الطرف الحكومي فإن الأزمة تعود إلى نقص التغطيات المالية في حسابات الخزانة العامة، ما قد يؤدي إلى تأخر صرف رواتب نحو 2.3 مليون موظف حكومي في حال استمرار العجز المالي، فيما أوضح المصرف المركزي أن الأرصدة المالية الحالية لا تغطي قيمة الرواتب لهذه الجهات، مشيراً إلى أن الرسائل والأذونات التمويلية التي يجرى استلامها تخص فقط البابين الثاني والرابع.

وتواجه ليبيا منذ سنوات طويلة، حالة ارتباك في صرف الرواتب مع شح في السيولة، وكان المسؤولون الحكوميون يبرّرونها بالوضع الأمني وغلق المنشئات النفطية، لكن الوضع الحالي بات يتميز بقدر من الاستقرار الأمني في مختلف مناطق البلاد، من دون أن يسجل أيّ تحسن على أداء الجهات الحكومية والمؤسسات المالية.

ويرى مراقبون أن الجهات الحكومية والمصرفية في ليبيا تتعمد الصمت الرسمي مقابل الإيحاء لبعض الأطراف غير المسؤولة بنشر معلومات تهدف إلى مغالطة الرأي العام والتنصل من المسؤولية وتوريط أطراف أخرى، وهو ما بدا واضحا من خلال أزمة الرواتب التي يجمع الخبراء المتخصصون على أنها تعود إلى سوء التصرف في الموارد من قبل مسؤولين دفعت بهم الصدفة إلى مواقع القرار دون أن يكونوا مؤهلين للوظائف التي أسندت إليهم خلال السنوات الماضية.

واضطرار وزارة مالية حكومة الوحدة إلى اقتراض مبلغ 5.3 مليار دينار (1.080 مليار دولار أميركي) لدفع رواتب شهر أكتوبر الماضي، يشير إلى عجز السلطات عن ضمان التدفق المالي المنتظم، لاسيما في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، ويثبت مرة أخرى أن الممسكين بمقاليد الحكم في البلاد لا يزالون يمارسون وظائفهم كهواية تدور في فلك الاستفادة من الغنيمة لا كوظيفة تدار بروح المسؤولية وتخضع للرقابة الشعبية في سياق ديمقراطي يتم من خلاله احترام مختلف الأدوار في مختلف المواقع.

وتعيد أوساط ليبية تأخر صرف الرواتب على امتداد سنوات مضت إلى فشل السلطات الحكومية المتتالية منذ العام 2011 على تأمين التوازنات المالية الضرورية وهو ما أدى إلى انهيار العملة المحلية وشح في السيولة واتساع دائرة المضاربة وما نتج عن ذلك من تلاعب بالعملة وتزويرها ونهب المال العام وتحول الفساد إلى ظاهرة سياسية واجتماعية مرتبطة بالانتماء إلى الجهاز الحكومي ومؤسسات الدولة.

وفي أوائل نوفمبر الجاري، خلص اجتماع بمقر هيئة الرقابة الإدارية، إلى تحديد ثلاثة أسباب وراء تأخر صرف الرواتب، وهي عدم كفاية الإيرادات المحالة من مؤسسة النفط إلى المصرف المركزي في تغطية الرواتب، وتداعيات استحداثات الزيادة المالية المقررة لرواتب بعض القطاعات العامة، بالإضافة إلى تأخر إحالة الإيرادات النفطية وفقاً لاتفاق العام 2020 المبرم بين إدارتي مؤسسة النفط والمصرف المركزي، القاضي بإحالة العوائد خلال 48 ساعة إلى الحساب السيادي للدولة، ومن ثم إحالتها إلى حساب وزارة المالية بالمصرف المركزي.

وجاء نشر مؤسسة النفط جدول تحويلاتها إلى المصرف المركزي لتؤكد أن الأمر يتجاوزها إلى أسباب أخرى من داخل المنظومة المالية التي تشهد حالة من الارتباك في ظل استمرار الأزمة السياسية وفشل السلطات في التأسيس لعلاقة ثقة بينها وبين مواطنيها.

وأعلنت هيئة الرقابة المالية تشكيل لجنة مشتركة خلال الفترة المقبلة من القطاعات المختصة كافة، تضم في عضويتها هيئة الرقابة الإدارية بصفة مراقب، بغية إيجاد الحلول العلمية والإدارية والمالية والاقتصادية اللازمة لتوفير التغطيات المالية اللازمة للميزانية والترتيبات المالية للدولة، وتحديد تقديرات الإيراد والإنفاق العام، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي خاصة ما تعلق بالباب الثالث من الميزانية، وتلافي حدوث أيّ اضطراب مالي بالموازنة العامّة في 2025.

ويصل عدد الموظفين الحكوميين في ليبيا إلى 2.3 مليون موظف بعد أن كان لا يتجاوز 900 ألف موظف في العام 2010. ويحصل مئات الآلاف من الأشخاص على رواتب شهرية من الدولة دون عمل حقيقي أو مساهمة فعلية في الإنتاج. ووفق الإحصائيات الرسمية، فإن عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة يبلغ مليونًا و900 ألف موظف، بينما يصل عدد العاملين بالشركات والمصانع إلى 96 ألف موظف، بالإضافة إلى 230 ألفًا يعملون بالأنشطة الفردية.

4