أزمة جديدة بين مجلسي الرئاسي والنواب تنذر بتعميق الانقسام في ليبيا

حكومة أسامة حماد ترى أن المجلس الرئاسي لم ينجز المهام الممنوحة له وأهمها ملف المصالحة الوطنية.
الاثنين 2024/11/04
خطاب المنفي عمق الفجوة مع مجلس النواب

اتسعت دائرة الصراع بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ومجلس النواب المنعقد في بنغازي والسلطات المنبثقة عنه، فيما يتحدث المراقبون عن نذر أزمة جديدة قد تعصف بكل الجهود المبذولة للخروج من النفق الذي لا تزال البلاد تمر به منذ العام 2011.

وفي ظل تزايد وتيرة السجال السياسي حول ما يعد له في طرابلس من مخطط لتنظيم استفتاء شعبي إلكتروني حول شرعية مجلسي النواب والدولة، بعث رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي بخطاب لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح طالب خلاله المجلس بإلغاء القانون الخاص بإنشاء المحكمة الدستورية، وتجميد ومراجعة جميع القوانين التي لا تتطلبها المرحلة الانتقالية أو المخالفة للاتفاق السياسي.

واعتبر المنفي أن “مجلس النواب يحاول الهيمنة المستمرة على السلطة القضائية، من خلال أداة التشريع في غياب النصاب الدستوري والقانوني عن جلسات البرلمان، وانعدام الشفافية والإفصاح”، مؤكدا رفضه “إدخال مجلس النواب بتعديلات غير مبررة على القوانين المنظمة للسلطة القضائية، والتعدي على اختصاصات تنفيذية واختصاص النشر بالجريدة الرسمية”.

ورأى المنفي أن هذا الأمر “يخل بالتوازن والتكامل المنشود بين السلطات”، وأعرب عن رفضه قرار البرلمان بتعيين مستشارين، وأداء اليمين القانونية لأعضاء محكمة دستورية بموجب قانون إنشاء أحادي وغير دستوري قضت المحكمة العليا ببطلانه، محذرا من أن “الاستمرار في عدم احترام أحكام القضاء وازدرائه، يهدد استقرار ووحدة السلطة القضائية، ويمهد لانهيار الدولة، واندلاع الصراعات دون حكم يمكن الاحتكام إليه، وفق نص الخطاب”.

وشدد المنفي على أن “البرلمان لا يملك الولاية القانونية والشرعية لإنشاء المحكمة الدستورية التي تختص بطرح الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور على الشعب في دستور دائم”. وبحسب أوساط ليبية، فإن خطاب المنفي جاء ليزيد من تعميق الفجوة مع مجلس النواب، وليدفع نحو تأزيم الموقف، في ظل مؤشرات على أن المرحلة القادمة مرشحة للدفع بالبلاد نحو المزيد من الانقسام بما يخدم مصالح السلطات الحالية في البقاء في مواقعها لسنوات أخرى.

وفي أول رد معلن، دعت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب برئاسة أسامة حماد مكتب النائب العام إلى اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المجلس الرئاسي بعد مطالبة الأخير بإلغاء القانون رقم 5 لسنة 2023 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية، معتبرة أن المجلس منتهي الولاية.

بلقاسم قزيط: المجلس الرئاسي أصبح وكيلا لحكومة الدبيبة في تنفيذ مخططاتها
بلقاسم قزيط: المجلس الرئاسي أصبح وكيلا لحكومة الدبيبة في تنفيذ مخططاتها

وقالت الحكومة، في بيان لها، إن “كتاب المجلس الرئاسي الموجه إلى مجلس النواب، والمتداول عبر وسائل الإعلام، والذي اعترض فيه على قانون المحكمة الدستورية تضمن جملة من المغالطات والتناقضات، إذ إن هذا القانون صدر من جهة تشريعية مختصة، ويرسخ رقابة الدستور على كل القوانين والتشريعات في مؤسسة قضائية مستقلة عن القضاء العادي على غرار دول الجوار والعالم، التي تتبنى نظام المحاكم الدستورية العليا”.

وأشار البيان إلى حالات أصدر فيها المجلس الرئاسي قرارات وصفها بالمخالفة للتشريعات السارية والاتفاق السياسي، لافتا بشكل خاص إلى اختلاق أزمة المصرف المركزي، التي تسببت في انهيار الاقتصاد الوطني لفترة معينة، مردفا “رغم ذلك لم تتم محاسبته قانونا عن هذا العبث، الذي أثر في المركز المالي والتصنيف الائتماني للمؤسسات المالية بالدولة”، كما أصدر المجلس الرئاسي قرارا بتشكيل وخلق جسم مواز للمفوضية العليا للانتخابات وهو ما أطلق عليه مسمى المفوضية الوطنية للاستعلام والاستفتاء الوطني، دون أن يكون مخولا بذلك، متابعا “لا يخفى على الجميع ما سيترتب على ذلك من إضاعة الفرصة لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية، عبر مؤسسة رسمية معترف بها لدى جميع الأطراف المحلية والدولية منبثقة عن مجلس النواب وهي المفوضية العليا للانتخابات”.

واعتبرت الحكومة التي يرأسها أسامة حماد أن “المجلس الرئاسي لم ينجز المهام المحددة الممنوحة له وأهمها ملف المصالحة الوطنية، والتي لم يبذل فيها أي جهود حقيقية على أرض الواقع”، مشيرة إلى أن “الرئاسي أمعن واستمر في ارتكاب تصرفات من شأنها زعزعة الأوضاع وخلق الفوضى من خلال التشكيك في شرعية استمرار مجلس النواب، وأن مجلس النواب هو الجهة الوحيدة المنتخبة حاليا”.

وفي السادس والعشرين من سبتمبر الماضي، دعا المجلس الرئاسي مجلس النواب إلى “إعادة النظر في مشروع قانون المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء قراراته الأحادية، والعودة إلى الحوار السياسي”، معتبرا أن “إصدار القانون في هذا التوقيت يعمق حالة الانسداد السياسي”، وذلك بعدما أدى أعضاء المحكمة الجديدة اليمين القانونية بمقر ديوان مجلس النواب في بنغازي.

وفي إطار ما اعتبره التزاما منه “بتعزيز الاستقرار السياسي ودعم سيادة القانون وتأكيدا على أهمية الحفاظ على استقلالية القضاء وضمان توازن السلطات”، شدد المجلس الرئاسي على أن “العملية التشريعية في الدولة الليبية يجب أن تستند إلى أسس دستورية وقانونية ثابتة، تراعي مصلحة البلاد العليا”، مؤكدا أن “أي تشريع ينبغي أن يكون مدفوعا بحاجات ضرورية ملحة، لا أن يكون وسيلة لتحقيق مصالح محدودة أو فئوية”.

وقال المجلس الرئاسي في بيان إن “مشروع قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا كما هو مطروح حاليا، يؤدي إلى تغير النظام القضائي الليبي السائد منذ استقلالها دون نص بالإعلان الدستوري يستند إليه”، لافتا إلى أنه “لم يعرض على الدائرة الدستورية للمحكمة العليا، والتي استأنفت عملها وتؤدي دورها بكل كفاءة”.

وبينما قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إن إنشاء محكمة دستورية هو تأكيد لما تضمنته المواد من 138 إلى 145 في مسودة الدستور التي توافق عليها أعضاء لجنة المسار الدستوري المشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ولم يعترض عليها أحد، وأن هذا التوافق يؤكد رغبة الجميع في إنشاء قضاء دستوري يحمي الحقوق والحريات، اعتبر أعضاء من مجلس الدولة أنهم لا يعترفون بالقرار، ويعتبرونه لاغيا، ويتمسكون بالحكم الصادر عن المحكمة العليا القاضي بعدم دستورية المحكمة الدستورية.

وكان مجلس النواب أصدر في ديسمبر 2022 قرارا باستحداث محكمة دستورية تتكون من 13 عضوا ومقرها بنغازي، وأقر في نهاية مارس 2023 قانونا بإنشاء المحكمة الدستورية العليا، على أن تحال إليها اختصاصات الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بطرابلس التي رفضت بدورها القرار وقضت بعدم دستوريته، وفي السادس والعشرين من يونيو 2023، قال الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق إن “المجلس صوت بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية”.

وفي الأول من أكتوبر الماضي، أكد مجلس النواب أن المحكمة العليا لا ولاية لها في نظر الطعون الدستورية بعد صدور قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، وذلك ردا على ما دعا إليه المجلس الرئاسي من ضرورة إعادة النظر في قانون المحكمة الدستورية استنادا إلى حكم صادر عن المحكمة العليا.

◙ الأزمة دخلت مرحلة اللاعودة وأي خطوة قد يقطعها المنفي لنزع الشرعية عن البرلمان ستؤدي إلى خطوة مقابلة من المنتظر أن تزيد من مستويات الانقسام السياسي

وأضاف المجلس أن حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا منعدم لصدوره قبل أن يولد قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، إذ جرى الطعن عليه في الثاني عشر من ديسمبر 2022، وصدر الحكم في الخامس من مارس 2023، في حين أقر النواب القانون في 29 مارس 2023، أي أن قرار المحكمة سبق صدور القانون بـ24 يوما.

وتابع “كان الأجدر بالدائرة الدستورية (بالمحكمة العليا)… أن تحكم بعدم قبول الطعن لرفعه قبل الأوان”، مشيرا إلى أن “الدائرة الدستورية توقفت عن العمل منذ 2014 إلى 2021 أي مدة سبع سنوات فكانت قضاء معطلا”، منتقدا قول المحكمة “بعدم ولايته في إصدار قانون المحكمة الدستورية لاختصاصه بقوانين المرحلة الانتقالية فقط”.

وشهدت الساحة الليبية الأحد ردود فعل رافضة لموقف المجلس الرئاسي، ومشككة في نواياه، لاسيما مع اتساع دائرة السجال السياسي والاجتماعي والإعلامي حول العلاقة بين المجلسين، التي يزعم كل منهما أنه يملك الشرعية التي ينفيها عن الطرف المقابل.

وأكد وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي “يسخّر لخدمة الدبيبات ويمسح قذاراتهم ومخلفاتهم”، وقال إن “المنفي قبل شهر أصدر بيانا عن موضوع المحكمة الدستورية، واليوم يصدر بيانا آخر، يبدو أن إخراجه من معادلة مجلس إدارة المصرف المركزي واستخدامه كمنشفة استهوته العملية ويريد أن يكون ممسحة في مواضيع وقضايا أخرى”، مردفا “لا مخاوف حقيقية وجادة قد تطال مجلس النواب أو الحكومة الليبية أو الجيش وقياداته من عبث المنفي، الزوبعة القادمة ستكون في  معادلات وأطراف الصراع الطرابلسي، وتحديدا سيكون أول الخارجين من المشهد الطرابلسي هو مجلس الدولة ويليه بالترتيب خالد شكشك وقد تطال عماد السائح بعضا منها”.

واعتبر عضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط أن “المجلس الرئاسي أصبح وكيلا لحكومة الدبيبة في تنفيذ مخططاتها”، مشيرا إلى أنهما “يعملان معا على شلّ مجلس الدولة”. ورأى عضو مجلس النواب الليبي علي التكبالي أن “المجلس الرئاسي لا يملك الصلاحية لإصدار القوانين أو تنظيم الاستفتاءات”، مشيرا إلى أن “هذا ليس من اختصاصه”. وأضاف التكبالي أن “رئيس المجلس الرئاسي يتصرف كما لو كان رئيسا للدولة، لكنه في الحقيقة لا يملك هذا المنصب”، مردفا أن “المجلس الرئاسي يتكون من تسعة أعضاء، ثلاثة منهم يمثلون مجلس النواب والبقية من مناطق ليبية أخرى، وبالتالي، لا يملك المجلس صلاحية إصدار قوانين استفتاء”.

وبينما يرى أنصار مجلس النواب أن المحكمة الدستورية يمكن أن تكون حصنا منيعا للقرارات الصادرة عن السلطة التشريعية، وتحول دون المزيد من فوضى القوانين الناجمة عن الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، يعتبر أنصار المجلس الرئاسي أن المحكمة الدستورية ستزيد من تعميق حالة الانقسام في البلاد، لاسيما ن سلطات طرابلس تعتمد على الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا، وتتبنى قرار القضاء الصادر في طرابلس ببطلان قرار إنشاء المحكمة الدستورية في بنغازي.

ويرى مراقبون أن الأزمة بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب دخلت مرحلة اللاعودة، وأن أي خطوة قد يقطعها المنفي لنزع الشرعية عن البرلمان، ستؤدي إلى خطوة مقابلة من المنتظر أن تزيد من مستويات الانقسام السياسي، ومن الإعلان رسميا عن إقامة نظام فيديرالي وفق ما كان معتمدا في دستور 1951.

4