أزمة العقارات تدفع قطر لبيع الإقامة للمستثمرين الأجانب

دفعت أزمة ركود العقارات المدفوعة بالمقاطعة العربية قطر إلى منح امتيازات غير مسبوقة ببيع الإقامة المؤقتة والدائمة للمستثمرين الأجانب قصد نفض غبار الكساد عن القطاع وتنويع مصادر التمويل في ظل متاعب الاقتصاد جراء جائحة كورونا.
الدوحة - فتحت قطر سوقها العقارية للأجانب لتمنح أولئك الذين يشترون منازل أو متاجر، إقامة مؤقّتة أو دائمة، في ظل محاولات الدوحة لتخفيف تداعيات انهيار الطلب على عقاراتها بفعل المقاطعة الخليجية.
والخطة التي أُعلن عنها في سبتمبر، هي الأحدث ضمن سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تنويع اقتصاد قطر بعيدا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري وجذب رأس المال الأجنبي قبل بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022.
وتتم دعوة الأفراد الأثرياء للنظر في إمكانية الاستثمار في أبراج جزيرة اللؤلؤ الاصطناعية في الدوحة أو مشروع مدينة لوسيل الجديد الذي يحيط باستاد كأس العالم الأكبر.
كما أنّ شراء متاجر للبيع بالتجزئة في مراكز التسوق تؤهل مشتريها أيضا للحصول على الإقامة.
ويمكن لهذه الخطة أن تساعد في التعامل مع زيادة العروض التي تركت الأبراج نصف فارغة وشهدت الأسعار فيها تراجعا بنحو الثلث منذ عام 2016، وفقا لمؤشر أسعار العقارات السكنية لشركة “فالوسترات” الاستشارية. وكان المستثمرون في السابق يحتاجون إلى رعاية من شركة قطرية أو فرد للحصول على الإقامة، لكن بات شراء عقار بقيمة مئتي ألف دولار يؤمّن إقامة مؤقتة طوال مدة ملكية العقار. كما أن شراء عقار بقيمة مليون دولار يمنح الشاري الإقامة الدائمة ومنافعها، بما في ذلك التعليم المجاني والرعاية الصحية.
وتقول مديرة التسويق في إحدى الشركات تينا تشادا، وهي كينية تعيش في قطر منذ 15 عاما، “السبب في أنني لم أشتر في وقت سابق أنه كانت هناك أمور كثيرة غير واضحة”. لكنّها الآن تبحث عن “عقار للعيش فيه يمكنني استخدامه للحصول على إقامة دائمة”، مضيفة “أعتقد أنّ هذا سيسمح لي باعتبار أن قطر وطني. وأشعر براحة أكبر الآن”.
وذكرت أنّ تأشيرة الإقامة ستسمح لها أيضا بإحضار عائلتها، وخصوصا والديها المسنّين، إلى قطر من نيروبي، قائلة “إنها دولة آمنة مقارنة بكينيا”.
ويمكن للأجانب الآن البحث عن منازل في 25 منطقة في قطر معظمها داخل وحول العاصمة الدوحة، بينها تسع مناطق على أساس التملك الحر والباقي بعقود إيجار لمدة 99 عاما. ولطالما اعتمدت دول الخليج على المهارات والخبرات الأجنبية لاستثمار عائداتها النفطية في بناء مدن كبرى، لكنّها نادرا ما سهّلت استقرار المغتربين للإقامة بشكل دائم فيها.
وتوجد مخططات مماثلة في أماكن أخرى من الخليج. إذ تقدّم دبي تأشيرة إقامة لمدة عشر سنوات مقابل استثمار بقيمة 2.7 مليون دولار، 40 في المئة منها في سوق العقارات.
وقد واجهت مخططات “التأشيرات الذهبية” وجوازات السفر الاستثمارية في عدد من الدول تدقيقا بسبب مزاعم بأنها اجتذبت فسادا وغسيل أموال.
200
ألف دولار قيمة شراء العقار الكفيل بضمان إقامة مؤقتة للمستثمرين طوال مدة الملكية
في قطر، لا يزال من غير الواضح مدى جاذبية الدولة الصغيرة المحافظة حيث تُطبق قيود صارمة على بعض الحريات ومبيعات الكحول، بالنسبة إلى المشترين العالميين الأثرياء.
ويعني استثمار مئتي ألف دولار مثلا مبلغ يكفي لشراء استوديو بمساحة 50 مترا مربعا في مشروع فوكس هيلز الجديد في لوسيل شمال الدوحة، بينما سيغطي مبلغ المليون دولار مساحة 330 مترا مربّعا لشقة مطلة على البحر في جزيرة اللؤلؤة.
ويقول المسؤول في وزارة العدل سعيد عبدالله السويدي “تمّ تحديد هذه المناطق لأن لديها بنية تحتية حديثة ومتطورة.. بالإضافة إلى إطلالة مميزة على البحر لمعظم مبانيها”.
وأضاف “لا يوجد طلب كبير، لكنّنا نحاول تشجيع الاستثمار العقاري. نهدف إلى تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط والغاز”.
ويمثّل هذا الأمر خطوة تغيير كبرى في الإمارة الخليجية حيث 90 في المئة من 2.75 مليون عامل يحملون تأشيرات مؤقتة، ويعمل معظمهم في مشاريع مرتبطة ببطولة كأس العالم 2022.
ويقول أحد السماسرة العقاريين الذين يروجون للبرنامج “الفكرة برمتها هي أن يعمل الوافدون والمواطنون المحليون معًا ويحاولوا الترويج لنظرة طويلة الأجل لقطر”.
ويرى أوليفر إسيكس، وكيل العقارات في “سوثبيز” في الدوحة، أنه “في ظل الضجة حول (بطولة) عام 2022، أعتقد أن هذا سيخلق بطبيعة الحال المزيد من الطلب”.
وفي تقرير صدر الشهر الماضي، قالت شركات متخصصة، إنّ العقارات السكنية لم تتضرر بشدة من تبعات انتشار فايروس كورونا المستجد في قطر. ومع ذلك، أدّت التدابير المفروضة للوقاية من كوفيد – 19 إلى تسريح موظفين حكوميين وفي شركات خاصة، ما أدّى بشكل غير مباشر إلى هجرة قوة عاملة كبيرة.
ويأتي التغيير في سياسة منح الإقامة في وقت تتعرّض فيه قطر لمقاطعة اقتصادية ودبلوماسية من جيرانها، ما أدّى إلى انخفاض الطلب على العقارات فيها.
وتسببت المقاطعة في عزلة الدوحة عن محيطها الخليجي ما زاد متاعبها الاقتصادية في مجالات مختلفة خصوصا القطاع العقاري الذي كان يجذب مستثمرين من جيرانها الخليجيين.
ويقول إسيكس إنه يتوقّع أن يتركّز معظم الاهتمام الأولي من الأجانب الذين يعيشون بالفعل في قطر، وليس من المستثمرين المقيمين في الخارج.
ويوضح “أعتقد أن اللبنانيين والإيرانيين والمصريين والهنود بشكل أساسي” سيكونون من المهتمين في البداية.