أزمة الدولار تنذر بتعقيد الموقف السياسي في ليبيا

تزداد مخاوف الليبيين من ارتفاع الأسعار مع تراجعِ سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأميركي، ما قد يزيد من حجم معاناة الفئات الضعيفة، كما أثار قرار مجلس النواب الليبي بفرض رسوم على سعر الصرف بقيمة 27 في المئة لكل الأغراض أزمة بين الفرقاء الليبيين، وسط دعوات للتبرؤ من القرار وتوريط رئيس البرلمان في نتائجه.
طرابلس - يتواصل الجدل الحاد بين القوى الليبية المتصارعة، حول قرار فرض رسوم على سعر الصرف، حيث يسعى أغلب الفرقاء إلى التبرؤ من القرار وتوريط رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في نتائجه التي يتوقع البعض أن تزيد من حجم المعاناة على الطبقات المتوسطة والضعيفة.
وأعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، عبدالحميد الدبيبة عن رفضه للقرار لما له من آثار سلبية يتحمل تبعاتها المواطن الليبي مكذبا الشائعات التي تتحدث عن تدهور الوضع الاقتصادي للدولة وإفلاسها. ونفى في مأدبة إفطار مع أعضاء من مجلسي النواب والدولة وأعضاء هيئة صياغة الدستور في طرابلس، ما أسماها الشائعات المتداولة حول تدهور الوضع الاقتصادي للدولة أو إفلاسها.
وأكد الدبيبة خلال الاجتماع أن الميزانيات السابقة قد نُفّذ من خلالها عدد من المشروعات التنموية في مختلف مناطق البلاد، لافتا إلى أن ذلك جاء لأول مرة منذ الثورة.
وأضاف الدبيبة أن الحكومة تعمل على تعزيز احتياجات الدولة من النقد الأجنبي، مشيرا إلى رفضه لمقترح محافظ المصرف المركزي بفرض ضريبة على سعر الصرف.
وقال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ”إن التزايد المستمر في الإنفاق العام وخاصة التضخم الخطير في بند دعم المحروقات للعام 2023، يتطلبان معالجات عاجلة وحازمة لسياسات المؤسسات العامة وليس تحميل تبعاتهما على المواطن”.
وأضاف في منشور عبر حسابه على منصة إكس: ”عازمون على تشكيل لجان فرعية فنية للتحقق من أسباب تضخم نفقات الباب الأول ودعم المحروقات وسُبل إنقاذ الاقتصاد الليبي وسنلتزم بتوصياتها”، داعيا المؤسسات الليبية المعنية بالإنفاق العام إلى إخطار ممثليها للمشاركة في اجتماع اللجنة المالية العليا الأول للعام 2024 الأسبوع القادم.
كما بحث القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، مستجدات انخفاض قيمة العملة الليبية أمام العملات الأجنبية، والسبل الكفيلة بترشيد الإنفاق العام في الدولة، وأكد خلال لقائه عضو لجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة بمجلس النواب آدم بوصخرة، على ضرورة مراعاة مصلحة المواطنين ووضع متطلباتهم واحتياجاتهم الأساسية فوق كل اعتبار.
والخميس الماضي، أصدر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، قراراً بفرض رسم على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بقيمة 27 في المئة لكل الأغراض، حتى نهاية العام الجاري 2024، وذلك باقتراح من محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير.
ونصت المادة الأولى من القرار رقم 15 لسنة 2024، على أن يكون سعر الصرف مضافا إليه نسبة 27 في المئة مع إمكانية تخفيضه حسب ظروف الإيرادات للدولة الليبية، وذلك خلال مدة سريان القرار.
ونصت المادة الثانية من القرار على أن يكلف محافظ مصرف ليبيا المركزي بتنفيذ القرار، وذلك بتعديل سعر بيع العملات الأجنبية بما يتوافق مع هذه الضريبة المفروضة، وتحديد القيمة المضافة على بيع تلك العملات مقابل العملة الليبية، على أن تتوفر العملة الأجنبية بكل المصارف العاملة بليبيا.
وتشير أوساط ليبية إلى أن عقيلة صالح يجد لأول مرة نفسه يعاني من عزلة حقيقية من مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية، وهو ما يهدد المسار السياسي الذي يعد مجلس النواب طرفا أساسيا فيه.
وتضيف الأوساط أن صالح سقط في فخ من الصعب الفكاك منه، وأن هناك من الفاعلين الاجتماعيين في المنطقة الشرقيين من باتوا يتحدثون عن إمكانية الإطاحة به من رئاسة البرلمان بدعم قد يكون مباشرا أو غير مباشر من قيادة الجيش.
وقد حاول المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب، فتحي المريمي، تفسير ملابسات القرار، بالقول إنه “ساري المفعول حتى شهر ديسمبر من هذا العام فقط، وقابل للتغيير حسب التغير المالي والاقتصادي للدولة الليبية في أي وقت من هذه السنة”.
وأضاف في تصريح صحفي، إن فرض هذه الضريبية “جاء بناء على موافقة لجنة المالية والتخطيط بمجلس النواب، ومذكرة محافظ مصرف ليبيا المركزي، ودواعي المصلحة العامة، ومن أجل الاستقرار المالي للدولة الليبية”، معتبرا أن هذا القرار “سوف يسهم في وضع حد لارتفاع قيمة العملات الأجنبية، التي بدأت تتراجع حال صدور القرار، وعند تنفيذه بشكل فعلي سوف تنخفض العملة الأجنبية وتتوافر بكل المصارف العاملة في ليبيا”.
ولفت المريمي إلى إمكانية “تخفيض الضريبة حسب إيرادات الدولة الليبية”، منوها إلى “إمكانية تخفيض قيمة أسعار العملات الأجنبية إذا ارتفعت الإيرادات من النفط والغاز والضرائب الجمركية، وغيرها من تحصيل الأموال الأخرى”.
ويرى مراقبون أن عقيلة صالح أعطى مناهضيه مبررا لمقاطعته، وخاصة فيما يتعلق بالمسار الانتخابي ومخرجات اللقاء الثلاثي الأخير في القاهرة مع رئيسي المجلس الرئاسي ومجلس الدولة الاستشاري. كما أنه قدم هدية غير منتظرة لعبدالحميد الدبيبة الذي بات يقدم نفسه على أنه المدافع الأول عن المواطن الليبي البسيط والفقير والمحتاج.
وقالت النقابة العامة للنفط إن قرار فرض ضريبة على سعر صرف الدولار “لن يفشل في حل المشكلة فحسب، بل سيزيدها سوءا، حيث سترتفع الأسعار بما يتناسب مع الضريبة، مما سيزيد من معاناة الليبيين في حياتهم اليومية”، معربة عن الأمل أن يعيد أعضاء مجلس النواب الليبي النظر في هذا القرار.
وأشارت النقابة العامة للنفط إلى أن “عدم وجود تنظيم وتتبع لقنوات توزيع المواد الغذائية يجعل معظم الشركات تبيع هذه الاحتياجات بسعر الصرف في السوق السوداء، ومخالفة الشروط الواجب توافرها في تنفيذ الاعتماد”. وأرجعت المضاربة في أسعار السلع والخدمات إلى “تدخل بعض رجال الأعمال، خاصة وجود الأجانب في سوق الجملة، والمضاربة على السلع الأساسية، والتحكم في معيشة الناس دون رقابة ومحاسبة”.
وعبرت النقابة عن “الأمل أن يعيد أعضاء مجلس النواب الليبي النظر في هذا القرار، وإعداد تقرير بحثي من أجل إجراء مراقبة شاملة للسوق الليبية، وتوفير رقابة حقيقية وتتبع للاعتمادات المصرفية، ومراقبة حركة البضائع ووصولها إلى وجهتها في السوق الليبية، لكي لا تكون هدفا للمضاربين والسماسرة”.
وأعلن محمود الفطيسي، مدير المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي، أن قرار فرض ضريبة على مشتريات العملة الأجنبية خاطئ إجرائيا، مبرزا أن تطبيق مثل هذه الرسوم يُثقل كاهل المواطن الليبي، الذي يعاني بالفعل من ارتفاع الأسعار.
وبيّن الفطيسي إن “الضريبة تُفرض بقانون وليس بقرار، والقانون دائمًا يكون تحت مظلة البرلمان أي بتصويت، ولهذا الإجراء كله خاطئ، فالأمر محسوم دون رفع قضية، لأن هذا الإجراء لن يُطبق فعليًا، لأن رئيس مجلس النواب أصدره منفردًا، وعجز الموازنة ليس الدافع وراء اتخاذ هذا القرار، فنحن نصدر مليون برميل نفط يوميًا، أي يدخل للبلاد 100 مليون دولار يوميًا”.
وأضاف “المصرف المركزي يحاول أن يسبق الأحداث، وربما يكون هناك عجز في ميزانية عام 2024، وليبيا لديها رصيد من العملة الصعبة، يزيد عما لدى دول مجاورة، فالبلاد تعاني من مشكلة في السياسات، وعدم المواءمة بين السياسة المالية والسياسة النقدية، وهذا هو السبب الرئيسي للتخبط الحاصل”.
كما رأى المرشح الرئاسي سليمان البيوضي، أن البلاد تعيش أسوأ كارثة اقتصادية عرفتها في تاريخها والسبب هو النهب الممنهج والفساد الذي لم يسبق له مثيل، و قال في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن الكتلة النقدية في 2023 تضخمت بنسبة تتجاوز 12 في المئة وهو ما يؤثر سلبا على كل مناحي الحياة ومن المؤكد أنه إذا انهارت أسعار النفط فلن تكون ليبيا قادرة على سداد المرتبات وسيصل سعر الصرف إلى أرقام مرعبة، لافتا إلى أن المشكلة مركبة فالانقسام الحكومي يسبب المزيد من الضغط على ميزان المدفوعات وحجم الإنفاق غير المدروس دمر الاقتصاد الوطني، وكل يوم يستمر فيه المسؤولون بذات الممارسات، يزيد من حجم الكارثة.
ويرجح المتابعون للشأن الليبي أن يضطر عقيلة صالح للتراجع عن قرار فرض رسم على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بقيمة 27 في المئة لكل الأغراض، لتلافي أية محاولة للإطاحة به من منصبه، وكذلك لتجنب الغضب الشعبي الذي يمكن أن يستهدفه وخاصة في محيطه الاجتماعي بالمنطقة الشرقية.
كما يخشى محللون من أن تتجه الأوضاع السياسية إلى المزيد من التعقيد نتيجة تحول الاهتمام بصفة كلية إلى الأزمة المالية والاقتصادية التي كان الدبيبة مرشحا لأن يدفع إلى تحمل مسؤوليتها قبل أن يمد إليه عقيلة صالح حبل النجاة ويجلس مكانه في قفص الاتهام الشعبي والاجتماعي.