أزمة الترجمة في العالم العربي أزمة الثقافة بوجه عام

المترجم المغربي عبداللطيف شهيد: لا وجود لثقافة بلا ترجمة.
الجمعة 2023/01/13
علاقة المترجم مع الناشر جد معقدة

مهمة الترجمة ودورها الأساسي يتمثلان في نقل ثقافة إلى ثقافة أخرى، لذا تتجاوز وظيفتها التسلية أو تبادل المعلومات ببساطة أو حتى تبادل جماليات ما، إلى اعتبارها وسيطا ثقافيا، وجسرا بين ثقافتين، بل هي أكثر من ذلك دلالة على مدى التطور الحضاري للشعوب. “العرب” حاورت المترجم المغربي عبداللطيف شهيد حول واقع الترجمة ورؤيته لها.

هناك من يعتبر الترجمة ممارسة تكون في البداية أشبه بالتحدي، ونتطرق هنا مع المترجم المغربي عبداللطيف شهيد إلى بداياته مع الترجمة، ونسأله هل حقق ذاته الإبداعية من خلال امتلاك اللغة وثقافة الآخر؟ وهل يمكنه أن تترجم أشياء بعيدة عن مجالات اهتمامه؟

يقول شهيد “لم أمارس الترجمة كتحدّ، فبحكم مقامي واشتغالي كمدرس للغة العربية والثقافة المغربية لأبناء مغاربة العالم في مدريد بإسبانيا، كان احتكاكي بالثقافة الإسبانية بما فيها ثقافة أميركا اللاتينية الناطقة باللغة الإسبانية، وقد ولّد لديّ ذلك شغفا وإعجابا بهذه الثقافة مما جعلني أفكر بنقل ما أقرأ إلى الضفة العربية، وهكذا وُلِدت فكرة الترجمة لديّ”.

ويضيف “طبعا لا يمكنني الابتعاد عن مجال اهتمامي الذي ينحسر في الأدب، فلا أراني أستطيع ترجمة نص عِلمي مثلا أنا لا أمتلك أدواته، وحتى في مجال اشتغالي الأدبي هناك صعوبات تقنية في الترجمة، فلترجمة الشعر هناك من يشترط أن تكون شاعرا أولا، وهذا أمر يُصعِّب علينا الاشتغال التَّرجمي على النصوص الشِّعرية”.

ضرورة حضارية

معايير الترجمة الناجحة
معايير الترجمة الناجحة

لكل مترجم حالة معينة تحركه لمباشرة فعل الترجمة على المستوى الشخصي والفكري واختيار النصوص التي يريد ترجمتها، ويعلق شهيد على هذا قائلا “صحيح أنه مسار صعب، وما يحرك حالة الترجمة هذه هو الرغبة في مشاركة القراء الناطقين باللغة العربية ما أكتشفه من سحر الأدب الإسباني وأميركا اللاتينية، فهناك كنوز يجب أن يتعرف عليها سكان المغرب العربي والشرق الأوسط، فما يزال جهلنا لما يصدر من أدب مكتوب باللغة الإسبانية كبيرا”.

أما حول تعامله مع تلك الظروف المنتجة للنص الأصلي وطريقة فهم حمولته اللغوية وسياقاتها المتعددة (مجتمع، دين، سياسة، فن.. إلخ)، فيرى المترجم المغربي أن ترجمته موجَّهة إلى القراء باللغة العربية، وأن المشكلة في تقديم حمولة لغة أجنبية وتحويلها إلى حمولة عربية مُوجَّهة إلى قراء هم في الواقع لم يُكتَب لهم النص الأصلي. السؤال المطروح، في رأيه، هو كيف ينبغي أن نُترجم؟

ويضيف “لكي يُجيبُ المترجم عن هذا السؤال ينبغي له أن يكون عارفا حقيقة الترجمة، وأنواعها، والمعاني اللغوية، وأنواع نقل هذه المعاني، ووحدات الترجمة، وشروط الترجمة، وطرائقها وتحويلاتها –علاوة على ذلك – أن يُتقن علم البلاغة، وعلم الدلالة، وعلم العبارات الاصطلاحية، والألسنية، الآن، إذا سألتني هل تتوفر فيّ كل هذه الشروط كمترجم؛ سأجيبك بلا”.

ونسأله عن تقييمه لواقع الترجمة في المغرب والعالم العربي سواء في ترجمة العلوم الصحيحة أو العلوم الإنسانية، وترجمة الآداب، وكيف تتعامل المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي مع المترجم، في السياق ذاته وبالنسبة إلى النصوص المترجمة كيف تكون العلاقة بالناشر وهل هناك تشجيع من ناشرين يراهنون على الترجمة في الرواية والفكر عموما؟

يجيب شهيد “لا يختلف اثنان على أن هناك أزمة ترجمة في المغرب وبالعالم العربي، وهي من أزمة الثقافة بوجهٍ عام، فلا توجد ثقافة دون ترجمة والعكس صحيح أيضا. وهي أزمة تشمل جميع الأجناس بما فيها العلوم. فهناك ركود ملموس للترجمة، فإذا كان الغرب يُترجم عشرات الآلاف من العناوين سنويا، فإن البلدان العربية مجتمعة تصدر نحو 3000 كتاب مترجم في السنة فقط. علاقة المترجم مع الناشر جدّ معقدة، فهناك دور نشر تغفل عمدا وضع اسم المترجم على غلاف الكتاب، وغالبا ما تتعلل بصعوبة نيل حقوق التأليف مع الناشر الأجنبي، وبالتالي لا يصل المترجم إلا الزهيد من المبالغ المالية”.

الترجمة الناجحة هي حينما تتكافأ مع النص الأصلي في شق المحتوى وشق الشكل فتعادل المضمون والشكل هو المعيار

وحول ما إذا كانت الترجمة مشروعا فكريا وعلميا وبيداغوجيا ضروريا في وقتنا الحالي سواء محليا أو عربيا، وعن حركة ترجمة في العالم العربي، يقول المترجم المغربي “من دون أدنى شك فإن الترجمة تلعبُ دورا أساسيا في تقدم الشعوب التي تعيرها اهتماما مستحقا وازدهارها. فجميعنا يعلم دور بيت الحكمة الذي أسسه الخليفة العباسي المأمون الذي ضم نخبة من المترجمين، ويعتبر هذا البيت الإطار الأكاديمي الذي أطَّر حركة الترجمة. كما اهتم أهل الأندلس بترجمة الكتب اليونانية، والتبادل الثقافي بين قرطبة وبغداد كان نتيجة ما جلَب إلى الأندلس من كتُب من طرف العلماء الذين هاجروا من المشرق إلى الأندلس”.

ويستدرك “لكن اليوم باستثناء بعض نقط الضوء كمشروع كلمة للترجمة، فنحن نحنّ إلى عهد كانت فيه الترجمة نبراسا يقود باقي العلوم. وسأكتفي بنقل جملة جاءت ضمن مقالة 

بعنوان ‘دور الترجمة في تشكيل الفكر العربي المعاصر‘ للكاتب هاشم صالح: يَخطُرُ لي أن أقول إن مُعظم البحوث العلمية التي أنتجتها المدرسة الاستشراقية الألمانية والفرنسية والإنجليزية وربّما الروسية والأميركية؛ لم يُترجم منها حرف واحد إلى العربية‘، ربما كانت مُبالغة في ذلك، لكنها تعكسُ لنا إلى أيّ حد نحن في حاجة إلى حركة نهضة في الترجمة”.

معايير الترجمة

مهمة المترجم وقيمته تتجليان في مدى قهره للصعوبات التي يطرحها تعدد اللغات لينتج لنا نصا طبق الأصل

 تسأل “العرب” شهيد هل تشعرون أحيانا بالتردد أو رهبة وأنتم تباشرون نقل النصوص من بيئة مختلفة تحكمها ثقافة ولغة ونفسية معينة إلى أخرى مغايرة في جميع المستويات؟ ليجيبنا “لا شكَّ في ذلك، فأنت حين تُترجم نصا ما، فقد أصبحت مسؤولا عنه، ومن زاوية المسؤولية الأخلاقية للترجمة، تنتابك مخاوف من عدم تقديم ترجمة دقيقة للنص الأصلي، فربما غابت عنك أشياء، ربما لم تفهم فهما دقيقا عبارة ما، ربما أسأت فهم معنى ما، ربما. تُصبح محاطا بجيش من المخاوف، ولا يشفع لك إلا حسن نيتك في إيصال نص أجنبي عن ثقافة الموصل إليه”.

قد يخفق نفس المترجم في إيصال المعنى الذي أراده صاحب النص الأصلي، يعلق شهيد على ذلك قائلا “أرى كما يرى المترجم هاشم صالح أن على المترجم أن يكون مفكَّرا بدوره، أو مشروع مفكر: قد ينجح أو قد يفشل. أن تخفق في ترجمتك أمر وارد ولو نسبيا. وأوافق قول الكاتب حسن الشيخ حينما يقول إنه يكفي ألاّ نخون روح النص المُتَرجَم، ومهمَّة المترجِم وقيمتُه تتجليان في مدى قهره للصعوبات التي يطرحها تعدد اللغات، وذلك بأن يُنتج لنا نصّا يكون طبق الأصل (إن أمكن)، مهمَّتُه أن يقهر المسافة التي تفصلُ النصَّ عن ترجمته”.

هناك من يردد بأن كل ترجمة حية هي ترجمة ندّية للنص كيفما كان نقديا أو إبداعيا، ويرى شهيد أن الترجمة الناجحة هي حينما تتكافأ مع النص الأصلي في شق المحتوى وشق الشكل، فتعادل المضمون والشكل يُعتبر معيارا يُمكن أن نُقيَّم به الترجمة.

ويضيف “افتتحت الترجمة النقدية مسارها في المغرب إبان الثمانينات بنقل الإنتاج النقدي لعبدالكبير الخطيبي (الاسم العربي الجريح)؛ فهذا الإنتاج الذي اعتبره النقاد إنتاجا طلائعيا في مجال تداخل الاختصاصات، يترجم نزوع المثقف المغربي إلى التفاوض مع الفكر الفرنسي والغربي تعميما من زاوية ما بعد الكولونيالية. مما يفيد، أن عملية ترجمة الدراسات الأدبية عن الفرنسية في المغرب كانت تسير جنبا إلى جنب مع تأليف مغربي عالي المستوى، ومع تطبيقات نصية هامة للمناهج المستنبتة بالعربية (القراءة والتجربة لسعيد يقطين مثلا، لكن هذا لا يكفي فلا زلنا في حاجة إلى حركة داخلية مستمرة في الترجمة وفي جميع المجالات”.

13