أردوغان يعجز عن كبح اندفاعة الأسد شمال غرب سوريا

الرئيس التركي يشعر بأن الأمور في إدلب تخرج عن سيطرته في ظل إصرار الحكومة السورية ومن خلفها روسيا على المضيّ قُدما في تحقيق أهدافهما.
الأربعاء 2020/02/05
الجيش السوري يطرق أبواب سراقب

تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المهاجمة للحكومة السورية تعكس حالة من الهستيريا وفقدان السيطرة عن الوضع في إدلب، هذه المحافظة التي تحوّلت منذ العام 2015 إلى مركز نفوذ لأنقرة داخل سوريا وهي تخشى من فقدانها دون تحقيق أي مكاسب تعوض بها هذه الخسارة.

دمشق – سجل الجيش السوري تقدّما ميدانيا نوعيّا في ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوب شرقي. وباتت القوات السورية على مشارف مدينة سراقب الاستراتيجية محاصرة في طريقها نقطة مراقبة تركية حديثة، كما لم يعُد يفصل بينها وبين مدينة إدلب (مركز محافظة إدلب) سوى كيلومترات قليلة (أقلّ من 10 كلم).

ويأتي هذا التقدّم للجيش السوري على وقع حالة من “الهستيريا” التركية حيث توعّد الرئيس رجب طيب أردوغان بعدم السماح للحكومة السورية بقضم المزيد من الأراضي في إدلب، مشددا في الآن ذاته على عدم رغبته في التصادم مع روسيا وهو ما يطرح تساؤلا كيف سيوازن بين الأمرين؟

وجرت الاثنين مواجهة نادرة وصفت بـ“الأخطر” بين الجيش السوري والقوات التركية وأدّت إلى وقوع قتلى من الطرفين، جاء ذلك بعدما استقدم النظام التركي تعزيزات عسكرية غير مسبوقة لإدلب وضواحيها (تجاوزت 400 شاحنة وآلية عسكرية) في ما بدا محاولة “يائسة” لفرض أمر واقع جديد على دمشق ومن خلفها موسكو، خاصة بعد الإنجازات الميدانية المتتالية التي أحرزاها في تصعيدهما المستمرّ منذ 17 ديسمبر الماضي في المنطقة.

ويشعر أردوغان أن الأمور في إدلب تخرج عن سيطرته في ظل إصرار الحكومة السورية ومن خلفها روسيا على المضيّ قُدما في تحقيق أهدافهما ألا وهي السيطرة على طريقين دوليين استراتيجيين يعرفان بـ“أم 4” و“أم 5” في مرحلة أولى ومن ثمة بسط النفوذ على كامل محافظة إدلب ومحيطها. ويسعى أردوغان، الذي تتهاوى مناطق نفوذه في سوريا مثل أحجار الدومينو، إلى الحيلولة دون خسارة أهمّ مركز نفوذ له هناك وهي إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وفصائل مقاتلة أخرى أقلّ نفوذا، وكلها تدور في الفلك التركي.

ونقلت قناة “سي.إن.إن ترك” الثلاثاء عن الرئيس التركي قوله إن أنقرة لن تسمح للحكومة السورية باكتساب مزيد من الأراضي في إدلب الواقعة شمال غرب سوريا. واعتبر أن هجوم الجيش السوري على القوات التركية “انتهاك” لاتفاق وقف إطلاق النار الروسي – التركي في إدلب، مضيفا “بطبيعة الحال، سيكون هناك عواقب على النظام”.

مولود جاويش أوغلو: يقع على عاتق روسيا مهمة إيقاف وقاحة الأسد التي زادت مؤخرا
مولود جاويش أوغلو: يقع على عاتق روسيا مهمة إيقاف وقاحة الأسد التي زادت مؤخرا

وقتل ثمانية عسكريين أتراك ليل الأحد – الاثنين بقصف للقوات السورية. وردّت أنقرة بشنّ ضربات على مواقع سورية قُتل فيها 13 شخصا على الأقل. وحمّلت موسكو بشكل غير مباشر أنقرة المسؤولية عن المواجهة، حيث اعتبرت أنّ ما حصل يعود لعدم إخطار القوات التركية نظيرتها الروسية بتحركاتها في المنطقة.

ويقول محللون إن التهديدات التركية التي ترافقت مع استمرار وصول تعزيزات عسكرية إلى إدلب وريف حلب، وتشييد نقاط مراقبة تركية جديدة خاصة في محيط سراقب، لم تنجح حتى اللحظة، في وقف تقدّم الجيش.

وتدرك روسيا أن إبداء أيّ تراجع في العمليات القتالية سيجرّ معه تداعيات كارثية، ويجعل أنقرة في موقف قوة، وهذا ما لا تريده موسكو، وفي هذا الإطار فإنه ليس من المرجّح وقف الهجوم السوري بل أن موسكو قد تعمد إلى الدفع نحو زيادة ضغطه بما يجعل أنقرة أمام خيارات أحلاها مرّ.

وتعلم تركيا أن استمرار الجماعات الجهادية في إدلب أمر لا يمكن لروسيا القبول به، وبالتالي فإن استعادة الجيش لهذه المنطقة مسألة محسومة سلفا، لكن أنقرة تحاول جاهدة إجبار موسكو على الدخول في مقايضات تسمح لها بتحقيق بعض المكاسب سواء في سوريا أو في ملفات أخرى ومنها الملف الليبي، بيد أن موسكو مصرّة على عدم منحها هذه الفرصة.

وطالب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الثلاثاء روسيا بالعمل على وقف الهجمات في إدلب، مؤكدًا في هذا الإطار، “تقع على عاتق روسيا مهمة كبيرة لإيقاف وقاحة نظام الأسد التي زادت في الآونة الأخيرة”، وفق تعبيره.

واقترب الجيش السوري من مدينتي سراقب وأريحا في ريف إدلب الشرقي، وسط معارك عنيفة مع الفصائل الجهادية.

وقال قائد ميداني يقاتل مع القوات الحكومية السورية “سيطر الجيش السوري الثلاثاء على بلدتيْ مرديخ وتل مرديخ جنوب مدينة سراقب، وأصبح على مسافة لا تتجاوز أربعة كيلومترات عن المدينة، كما تقدّمت القوات التي سيطرت على بلدة النيرب جنوب غرب مدينة سراقب، وسط معارك عنيفة مع المسلّحين الذي سقط منهم العشرات من القتلى والجرحى كما قتل تسعة من عناصر القوات الحكومية”.

وتُشكّل سراقب نقطة التقاء بين الطريق الدولي، الذي عُرف باسم “أم 5” ويربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق ويعبر مدنا رئيسية عدة وصولاً إلى الحدود مع الأردن، والطريق “أم 4”، ويربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية غرباً. وترغب دمشق باستعادة السيطرة على أجزاء من الطريقين خارج سيطرتها.

وكانت القوات السورية قد سيطرت قبل أيام على معرة النعمان الاستراتيجية حيث تشكّل ثاني كبرى مدن إدلب، ويمرّ عبرها الطريق الدولي “أم 4”.

وعلى وقع تسارع وتيرة العمليات العسكرية، نزح أكثر من نصف مليون شخص وفق الأمم المتحدة، في واحدة من أكبر موجات النزوح منذ بدء النزاع الذي يقترب من إتمام عامه التاسع.

وقال المتحدث الإقليمي باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) ديفيد سوانسون “منذ الأول من ديسمبر، نزح نحو 520 ألف شخص من منازلهم، ثمانون في المئة منهم نساء وأطفال”.

ومنذ سيطرة الفصائل الجهادية والمقاتلة على كامل المحافظة العام 2015، يصعّد الجيش السوري بدعم روسي قصفه لإدلب أو يشنّ هجمات برية يحقق فيها تقدّما وتنتهي عادة بالتوصل إلى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا، كان آخرها اتفاق جرى الإعلان عنه في التاسع من يناير لكنه لم يصمد سوى أيام.

ويقول خبراء عسكريون إن العملية الجارية حاليا في إدلب ليست ككل العمليات السابقة، حيث أن هناك توجّها روسيّا لحسم الملف في هذه العملية، للتركيز على معظلة شمال شرق سوريا حيث تسارع الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في ذلك الجزء، وخاصة في المناطق المحيطة بالمنشآت النفطية.

تركيا تحثّ روسيا على كبح جماح الجيش السوري في إدلب
تركيا تحثّ روسيا على تحجيم القوات السورية في إدلب

 

2